اما قبل
الصادق الرزيقي
ماذا فعل مو ابراهيم و حمدوك في نيروبي ..؟
خلال الفترة من 1-3 مايو الجاري ، و بالصدفة المحضة تزامن تواجدنا في العاصمة الكينية نيروبي لحضور فعاليات ورشة عمل للصحفيين بشرق أفريقيا حول التطرف والإرهاب والاحتفال مع اتحاد الصحافيين الكينيين و اتحادات صحفي شرق أفريقيا باليوم العالمي لحرية الصحافة ، تزامن ذلك مع وجود رجل الأعمال البريطاني من أصل سوداني مو ابراهيم ، و رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك ، و لم تكن أسباب تواجدهما متعلقة فقط بترتيبات جائزة الحكم الرشيد التي يمنحها الملياردير البريطاني ذو الطموح السياسي ، فقد كان هناك نشاط آخر تمت التغطية عليه بالجائزة ، للبدء في تنفيذ تدبير و تخطيط تآمري تجتهد فيه دوائر غربية مع وكلائها المحليين و الإقليميين لتمريره و فرضه على السودان ،وإعادة تعبئة و تسويق المُنتج الفاسد السابق ، و إجراء محاولة توليد أخري لنسخة شائهة من مشروع سياسي مندحر ، داسته الأقدام والمياسم ومشت عليه نعال الشعب .
أتاح لي وجودي في العاصمة الكينية ، و العلاقات البناءة مع الزملاء الصحفيين الكينيين والأفارقة و حوارات سياسية مع مراقبين الواحد منهم يغوص في عمق الاحداث كآس يجس عليلا ، فاستطعت الحصول على بعض المعلومات ونذر يسير تفاصيل الفعل التآمري و علاقته بما يجري في البلاد من إنقلاب دموي فاشل وحرب حامية الوطيس أحالت الخرطوم إلى ركام .
قدم مو إبراهيم الدعوة لعدد من القادة الأفارقة وصل منهم محمد بخاري رئيس نيجيريا السابق وقيادات من الإتحاد الإفريقي في مقدمتهم رئيس المفوضية الأفريقية موسى فكي ، وشخصيات ذات أدوار مشبوهة مقربة من دوائر صنع السياسة الدولية تجاه أفريقيا ، توافدوا من عواصم أوروبية ومن جنوب أفريقيا والسنغال وموريشيوس ومن الولايات المتحدة الأمريكية ، بالإضافة إلي مسؤولين سابقين في منظمات دولية . و عبد الله حمدوك كان من بين المدعوين لصلته القديمة والوثيقة مع مو إبراهيم ، فقد كان يعمل هو زوجته في مكتب مو بدبي ، وأظنه الآن على صلة بما يقوم به الملياردير المتطلع لدور ما .
لكن هذا ليس هو المهم ولا ما يهمنا ..! فقد كان نشاط مو إبراهيم وجائزته مجرد غلالة سميكة أريد بها التغطية علي ما يجري صناعته و طبخه في العاصمة الشرق أفريقية بشأن السودان ، فقد وصل حمدوك باعتباره رئيس الوزراء السابق ، وبدا و كأنه يتأهب للعب الدور المحوري في الفترة المقبلة ، و يأتي محمولاً علي أدخنة الحرب الحالية لحكم السودان من جديد ، كان معه طاقمه الذي يتكون من ( راؤول ديفيد – اليهودي الذي يعمل مع الموساد و يدير مكتبه حالياً في دولة الامارات العربية ) و ( عمر مانيس الوزير بمجلس الوزراء والسفير السابق الذي عمل مع الانقاذ حتى اشتعل رأسه شيبا ) و ( صلاح مناع عضو لجنة إزالة التمكين المقبورة ) و (نجل السيد حمدوك الذي لا يفهم حتى اللحظة ما هي الصفة التي جاءت به إلي لقاء علي قدر كبير من الاهمية والخطورة ، خاصة انه يعمل في شركة إماراتية ) .
الغرض من تواجد كل هؤلاء ، هو الإجتماع الذي عقد يوم الإثنين 1 مارس 2023م بقصر الرئاسة و أداره الرئيس الكيني (وليام روتو ) وكان التنسيق الفعلي للاجتماع والاجتماعات الجانبية الأخرى تمت عبر مستشارة للامن القومي الكيني السفيرة والوزيرة السابقة ( مونيكا جمعة ) التي ظهرت في صورة بعض المجتمعين مع الرئيس الكيني منهم حمدوك وأخرين ، و تدير مونيكا حالياً شبكة علاقات دولية واسعة بالتنسيق مع الأمريكيين و البريطانيين ومن بين اهتماماتها مستقبل الحكم والأوضاع في السودان.
أُعلن أن غرض الإجتماع هو ترتيب و تنسيق المساعدات الإنسانية للسودان ، شارك فيه عدد من رؤساء وكالات الامم المتحدة بجانب مشاركات عبر النقل المرئي عن طريق تطبيق ( زووم ) لبعض الذين تعذر حضورهم الفعلي للإجتماع ،
أبرز المشاركين هم ( الرئيس الكيني وليام روتو ، الفرد ميوتوا وزير الخارجية الكيني ، عبد الله حمدوك ، مونيكا جمعة ، د. أمينة محمد وزير الخارجية الكينية السابقة و وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة ، ماريت غريفيث منسق الامين العام للامم المتحدة للشؤون الإنسانية والمساعدات الطارئة ، فيليبو غراندي المفوض السامي للاجئين ،دانيال أومالي من اللجنة الدولية للصليب الأحمر ، و موسى فكي من الاتحاد الأفريقي – اون لاين- ، و فولكر بيرتس رئيس البعثة الاممية في السودان – شارك عبر الإتصال المرئي من بورتسودان كما شارك مسؤولين من الولايات المتحدة وبريطانيا ودول أوروبية أخري ، بالإضافة إلي عمر مانيس وزير مجلس الوزراء السابق .
لا يخفي علي أحد أن الاجتماع ليس لتنسيق المساعدات الإنسانية ، فهو إجتماع سياسي رفيع هدفه تنسيق محاولات تهيئة واقع سياسي جديد و توريث حمدوك ومجموعته السلطة عبر الضغوط الدولية والترتيبات التي تجري علي قدم وساق ، بعد أن فشل التخطيط عبر الإنقلاب من الدعم السريع وهو كان الوجه الأول للمخطط الذي رسم بدقة متناهية ولم يكن إخفاقه متوقعاً . فما رشح عن الإجتماع هو إعداد سيناريو آخر سريع و ناجز ، تتعاظم وتتكاثف فيه الضغوط الدولية على الجيش الذي يعتقدون أن سيضعف بعد هذه الحرب ، و إبعاده بشكل نهائي وقاطع عن السلطة وإنهاء أي دور له في العمل السياسي ، والنظر في تحجيم عدده وتغيير عقائده العسكرية والقتالية، وتصفيته من أية عناصر يعتقد أنها حجرة عثرة أمام هذا المشروع السياسي .
ناقش الإجتماع واجتماعات جانبية أخري عقدت بحضور حمدوك كما تقول المصادر في كينيا ، الذرائع التي قد تتوفر لوضع السودان تحت البند السابع ومدى ملاءمتها وكفايتها في ذلك ، و هل بالإمكان التدخل المباشر أم البحث عن وسائل أخري ، وكيفية الضغط عبر دول الجوار وقوى إقليمية مختلفة لإبعاد دول بعينها عن التأثير علي ما يجري في السودان وكسب حلفاء جدد للصالح هذا التدبير .
من المرجح أن حمدوك ومجموعته التي قد لا تكون كل قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي من أصحاب المراكب في مركبه الجديد ، سيكونون أكثر إستعداداً الظهور والتعبير عن الخطوات المقبلة و مواصلة التلويح والتوافد تحت مساقط الأضواء لتهيئة الرأي العام الداخلي والمحلي لعودتهم المزمعة وهم يحلقون بأجنحة من شمع ستذوب حتما في شمس الخرطوم اللاهبة نيرانها المشتعلة ، فليس لدي كينيا أو أية أطراف إقليمية أخري ما تفعله بعد فشل مشروع أخذ السلطة بقوة البندقية في الداخل ، بيد أن الرهان علي الأحصنة الخاسرة هو النتيجة الحتمية التي لا جدال فيها ولا مراء .