من سيفوز: ترامب أم بايدن!؟
أحمد الفراج
كاتب وأكاديمي سعودي
يسألني بعض المتابعين باستمرار عن تنبؤاتي بمن سيفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة في نوفمبر، وجوابي دوما هو أن الوقت لا يزال مبكرا.
نعم لا يزال الوقت مبكرا، رغم أنه لم يتبقَ إلا أقل من ثلاثة أشهر على يوم الانتخاب ، ففي أميركا، من الممكن أن يحدث أمر جسيم قبيل الانتخابات بأيام فيقلب المعادلة رأسا على عقب ، كما حدث في عام ٢٠٠٤، عندما اعتقد معظم المعلقين أن المرشح الديمقراطي، جون كيري، سيهزم الرئيس جورج بوش الابن، الذي بدأ يغرق في العراق، وتبين أن الأدلّة، التي تم تقديمها لتبرير الحرب كانت زائفة، ثم وقبل الانتخابات بأيام، نشرت قناة الجزيرة شريطاً لابن لادن يهدّد بضرب أميركا من جديد، وبما أن بوش وصقوره هم الأجدر بقيادة أميركا في زمن الأخطار، فقد قلب شريط ابن لادن الموازين وفاز بوش بإعادة الانتخاب، أما عن قصة شريط ابن لادن، ومتى تم تسجيله، ومن الذي سلّمه لقناة الجزيرة، فهذه قصة أخرى تستطيعون استنتاجها بأنفسكم.
هذا العام، ومع الانقسام الحادّ الذي تشهده أميركا، وحملات التضليل الإعلامية، وجائحة كورونا وما تبعها من تعطيل للاقتصاد يصبح التنبؤ أكثر صعوبة، ولا يمكن لأي معلق أن يتنبأ بشكل دقيق، فإذا تابعت ما تنقله معظم منصات الإعلام المضادّ لترامب، وهي منصات عالمية كبرى انجرفت كثيرا في لعبة الانحياز، مثل السي ان ان والنيويورك تايمز، وهذا ما يفعله معظم المعلقين العرب، ستتوقع أن هزيمة ترامب أمر حتمي ، ولكن الأمر ليس بهذه السهولة، فالمشاهد التي تنقلها هذه المنصات من تظاهرات وتخريب وتذمّر لا شك في أنها تمثل شرائح مناوئة لترامب ، ولكن هذا الإعلام يتجاهل عمدا نقل الصورة الأخرى، أي الصورة التي تمثل الشرائح الجمهورية والمحايدة، والتي ترى أن ما يحدث هو فوضى عارمة تجاوزت حدود الاحتجاجات المقبولة، وأصبحت تشكل خطرا على الأمن والسلم الداخلي، كما يحدث في مدن يحكمها الديمقراطيون ، مثل نيويورك وشيكاغو وبورتلاند وسياتل.
الرئيس ترامب يملك عدة نقاط قوة ، أهمها أنه الرئيس القابع في البيت الأبيض، وغالبا فإن الشعب لا يرغب في التغيير، ما لم يكن الرئيس سيئا للغاية، أو يكون المنافس على درجة عالية من الجاذبية ويملك برنامجاً انتخابياً مقنعاً، كما أن ترامب أنجز أمراً في غاية الأهمية، وهو تنفيذ معظم وعوده الانتخابية، وهذا أمر قليل الحدوث ، فقد جرت العادة أن يتنصل الرؤساء من معظم وعودهم بعد الفوز بالرئاسة، ولا ننسى الاقتصاد ، فقد نجح ترامب في رفع مستوى التوظيف وخفض مستوى البطالة لدى كل شرائح الشعب، بما في ذلك اللاتينيون والسود ، قبل أن تضرب جائحة كورونا وتمسح كل إنجاز اقتصادي حققه ترامب ، ويتميز ترامب بأن لديه جمهوراً مخلصاً يؤمن به، وأوصله للبيت الأبيض في عام ٢٠١٦ ، وهذا الجمهور ما زال يقف وراءه وبقوة، وسيصوت له مرة ثانية، بعد أن تيقّن من أنه نفّذ معظم وعوده.
على الجانب الآخر، فإن المرشح الديمقراطي، جوزيف بايدن، يملك خبرة سياسية طويلة، ولكنها من دون إنجازات مشهودة، وهو في عمر متقدم، وهناك شكوك حول قدراته الذهنية، ولم يتم وضعه تحت مشرحة الإعلام حتى الآن، وهذا أمر ضروري لكل من يترشح للرئاسة، فالحزب الديمقراطي ما زال يتحفظ على بايدن، ويمنع منح الصحفيين فرصة إجراء لقاء مطول معه ، وتعتبر نقطة القوة الوحيدة لبايدن هي أنه يمثل الشرائح المضادة لترامب، وهذه الشرائح ستصوت لأي كان ضد ترامب ، ما يعني أن التصويت لن يكون للمرشح الديمقراطي، بقدر ما هو تصويت ضد ترامب ، ومع كل ذلك ، فإن من سيحسم الفائز بالرئاسة هم المستقلون ، ولا توجد رؤية مؤكدة عن توجه هذه الشريحة المهمة، وإن كانت بعض التقارير تشير إلى أنهم غير راضين عن موجة الاحتجاجات والفوضى التي يرعاها الديمقراطيون حاليا، والخلاصة هي أن توجهات الناخبين حاليا غير واضحة؛ بسبب الانحياز وحملات التضليل الإعلامية ، ويبدو أن هذا سيستمر حتى يوم الانتخابات في الثالث من نوفمبر القادم.