أصبت بتوتر شديد عندما قرأت في الوسائط الالكترونية خبراً مثيراً ومخيفاً يقول بأن الادارة الامريكية تعكف هذه الأيام على اعداد مشروع اتفاق حول سد النهضة لتجاوز الخلاف المحتدم بين مصر واثيوبيا ذلك أن الوسيط الامريكي اعلن على رؤوس الأشهاد انه يعول على تنازل السودان عن جزء من حصته لصالح مصر بهدف طي ذلك الخلاف بين دولتي مصر واثيوبيا.
صحيح أن وزير الري السوداني نفى أن يكون السودان قد ابدى اية رغبة في التضحية بجزء من حصته من مياه النيل، واكد أنه لا يحق لأحد كائناً من كان أن يتنازل عن حقوق الاجيال القادمة ولكن!
هل نسي الناس التنازلات التي يبذلها السودان بغير حساب هذه الايام بما في ذلك اللقاء (المجاني) المثير للجدل الذي عقده الرئيس البرهان برئيس وزراء دولة الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو ثم تصريحات البرهان المؤيدة للتطبيع مع دولة اسرائيل المحتلة ثم عبور طائرات بني صهيون الاراضي السودانية لاول مرة منذ الاستقلال رغم نفي البرهان انهم وافقوا على ذلك؟!
البرهان قدم تلك التنازلات على امل أن تسهم في رفع الادارة الامريكية اسم السودان من قائمة الارهاب بالرغم من أن الاجراء الطبيعي في التعامل السياسي والدبلوماسي بين الدول الا تقدم تنازلات الا في اطار اتفاق مكتوب وممهور بالضمانات على غرار اتفاق كامب ديفيد المبرم عام 1979بين مصر و(اسرائيل) والذي طبع العلاقة بين الدولتين في مقابل التزامات تسترجع مصر بموجبها أرض سيناء مع دعم امريكي ملياري يقدم سنوياً لمصر.
تحدث كل تلك التنازلات (المجانية) رغم أنف الحكومة السودانية وحاضنتها السياسية (قحت)، بل رغم أنف كل الشعب السوداني وقواه واحزابه السياسية، ورغم أن الحكومة – وليس مجلس السيادة – يفترض أنها هي المسؤولة -بموجب الوثيقة الدستورية – عن السياسة الخارجية وليس البرهان او مجلس السيادة!
ايها الناس.. عندما اعترضنا على لقاء البرهان لنتنياهو بحجة أن ذلك لا يعدو أن يكون طغياناً يتجاوز صلاحيات وسلطات رئيس المجلس السيادي، تساءلنا عن ما يضمن لنا ألا يتكرر ذلك السلوك الاستبدادي بقرارات وتصرفات اخرى ينفرد بها البرهان دون إذن من أحد.
لذلك من حقنا الآن أن نسأل: ماهو الضمان ألا يتم التنازل عن جزء من حصة السودان في مياه النيل سيما وأنه ما من شيء – مهما عظم – يمكن أن تقدمه امريكا في مقابل اي تنازل عن حصتنا في المياه التي نعول عليها في أن تجعل السودان أحد أهم السلال التي يعتمد عليها العالم اجمع لتزويده بالغذاء في المستقبل؟!