ربما شاب العلاقة بين الشرطة والثوار شيء من الغشاوة العابرة، كما ساهم استخدام القوة المفرطة من الشرطة تجاه الاحتجاجات سواء كانت قبل الثورة او بعدها في تعتيم اكثر للعلاقة بين الطرفين، كما استغل اعلام النظام البائد الوسائط الالكترونية وبعض الأقلام الموالية لإحداث مزيد من تعكير العلاقة بين تلك الأطراف، كما انه عند ارتفاع جرائم التفلتات الأمنية بالعاصة الخرطوم الولايات، ظل الكثيرون يتساءلون دوماً عن دور الشرطة في احتواء مثل تلك الظواهر المقيتة، بعد أن تحولت من خانة محدودة في أماكن طرفية إلى ساحة الأسواق والمواقف بسفور واجتراء صريح على القانون وهيبته.
لكن للعلاقة وجهاً آخر جديداً ومختلفاً سنستعرضه في هذا التقرير، ويمثل تقاطعات ما بين موقف وآخر.
لقاء الساحة الخضراء
ويشير المتابعون للشأن الأمني والسياسي الى أن ماراج عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن اضراب مزعوم للشرطة لم يكن سوى دعوات معزولة من عناصر لها ولاء للنظام البائد، وكانت المفاجأة عندما اقامت الشرطة حشداً لقواتها شهده وزير الداخلية الفريق أول عز الدين الشيخ، وجاء بهدف تطمين افراد الشرطة الى حرص القيادة والاهتمام بالفرد وبيئة العمل وتحسين الأوضاع الاقتصادية لهم، حيث قدمت هذه العناصر مذكرة حوت بعض المطالب، ثم ما لبثت أن قامت بالهتاف ضد الوزير، مما دعاه للقول لهم: (من لا يريد العمل عليه أن يغادر، لأن البلاد لن تنكسر لأحد، وهذه المهنة لن تنكسر لأفراد)
مطالب المحتجين:
١/ ضمان الحماية القانونية الكاملة لفرد الشرطة ومنحه الحصانة حتى يتم التعامل مع التفلتات الامنية في الشارع.
٢/ فك تجميد قبول الاستقالات بما يسمح للشرطي بحرية ترك المهنة بعد تقديم الاستقالة.
٣/ تعديل المرتبات بالزيادة بما يتماشى مع الوضع الاقتصادي والغلاء المعيشي.
ومن الملاحظ إن اولى مطالب المتقدمين هي اعطاء افراد الشرطة بما سمتها الحماية القانونية الكاملة والحصانة حتى يتم التعامل مع التفلتات الأمنية، لكن المعروف أن قانون الشرطة والجنائي كفلا الحماية للشرطة لأداء واجبها واستخدام وسائل الدفاع عن النفس وفق مجريات الاحداث دون افراط، كما يفرق القانون بشكل محكم ومنضبط وفق البينات الظرفية بين حالة قتل مواطن من قبل شرطي في اثناء اداء واجبه والتهور في استخدام القوة حيث لم تكن هناك ضرورة لها، وما بين ضرورات الدفاع عن النفس، وهو تخريج قانوني معمول به في كل دول العالم بما فيها حتى البلدان القابضة، حيث ان اطلاق يد أية مجموعة عسكرية في استخدام القوة المميتة دون كوابح من شأنه أن يستغل من قبل الحكومات او مجموعات مسيسة، مما يمكن ان يعرض حياة الأبرياء للخطر، وبالتالي تهديد السلام الاجتماعي باكمله.
ما بين إضراب وإضراب
وكانت مجموعة من الشرطة في الثامن والعشرين من عام 2019م بحسب مصادر داخلية وخارجية وبيان تجمع المهنيين آنذاك، قد دخلت في اضراب عن العمل مطالبين بـما سموه (تنظيف الشرطة من سيطرة النظام البائد)، وفق ما أفاد به تجمع المهنيين السودانيين.
ويؤكد المضربون على ضرورة الحفاظ على الشرطة كجهاز قومي مهني يخدم الوطن والشعب وليس الحزب والسياسيين. وتجدر الإشارة الى أن الشرطة في عهد الاستعمار قد نفذت اضراباً تاريخياً عن العمل، مما يعني أن الشرطة جزء لا يتجزأ من هموم الوطن ونبضه، حيث نفذت هذه اللجان إضراب البوليس الشهير في مايو 1951، منادين بالاستقلال وخروج المستعمر من البلاد. كما رفضت الشرطة التصدي للمظاهرات السلمية التي قادها المواطنون ضد المستعمر، بينما تفاعلت قطاعات المجتمع المختلفة مع الشرطة مساندين لها، وشاركت نقابات العمال في حملات الدعم حيث رحبت بهم في دارها لعقد اجتماعاتهم فيها.
دور فاعل
واستعرض عضو لجنة التمكين وجدي صالح الحملات الأمنية التي اسفرت عن القبض على مجموعة من فلول النظام البائد وهي تخطط لعمليات تخريبية لإحداث الفوضى والسيولة الأمنية لتهديد السلامة الاجتماعية، وأشار إلى حملات ناجحة نفذتها الشرطة ضد تلك العناصر، حيث ألقت القبض على جماعات بلغ عددها (79) فرداً من قيادات المؤتمر الوطني المحلول, كما قامت بحملات بإشراف النيابة واعتقالات استباقية، حيث ألقت القبض على عناصر قادمة من الولايات المختلفة كانت تنزل في عدد من الفنادق بوسط الخرطوم والسوق المحلي والسوق المركزي، كما داهمت مجموعات في مناطق طرفية شملت شارعي (الهواء والستين)، وتم احتجاز مجموعة أخرى في ميدان مسجد شروني، كما تم التوجه للقبض على مجموعات مسلحة في ساعة الصفر، لكن لم يتم القبض عليها بعد أن تحولت إلى جهة أخرى.
وكل تلك الأدوار الايجابية وإن شاركت فيها اضلاع أخرى بإشراف لجنة إزالة التمكين، لكن مع ذلك تحسب الحصيلة في صالح الشرطة التي قامت بدورها بهمة ودون تقاعس. وهو دور نتمنى أن يتواصل سيما في ظل غياب جهاز الأمن الداخلي الذي لم ير النور حتى الآن.
أخيراً:
يبدو أن المرحلة الدقيقة والحرجة التي تمر بها البلاد ستفرز العديد من المظاهر التي تحتاج إلى وقفات ومراجعات، ويظل اصلاح الاجهزة الأمنية والعسكرية ليس مجرد مطلب سياسي لرئيس الوزراء وحده ولا قوى الثورة، لكنه يبدو ضرورة قصوى للعبور الآمن للفترة الانتقالية، وتحقيق اهداف ثورة ديسمبر وتطلعات الشعب الذي عانى الكثير من العنت في فترة الانتقال المليئة بالمطبات والأشواك التي جاءت بفعل رياح التحول الطبيعي، أو بفعل المخططات التآمرية من قبل أفراد ومجموعات من النظام البائد.
الانتباهة