عثمان جلال : ياسر عرمان ومراجعات الاسلاميين

by شوتايم4

(1)
في رأي ان الدعوة المتكررة للأخ ياسر عرمان لإعمال التيار الإسلامي الوطني المراجعات الفكرية والسياسية تنم عن إدراكه للعمق الفكري والاجتماعي للاسلاميين،وفاعلية تأثيرهم في مشروع الوحدة الوطنية والتحول الديمقراطي المستدام ،وهذا العرفان بحق الإسلاميين محضه من قبل الدكتور منصور خالد عندما كال المنغصات للتجمع الوطني الديمقراطي واستدرك قائلا(وليتهم تعلموا شيئا من الحركة الإسلامية واستماتة أنصارها في الجود بالنفس والمال والولد في سبيل ما تؤمن به ومن الظلم المجحف نسبة كل مآسي السودان للاسلاميين والذين يجب أن يكون لهم دور في مشروع السودان الديمقراطي الجديد )، انها ذات المجموعات المتحكمة الان باسم الحرية والتغيير والذين وصفهم الإمام الصادق المهدي من قبل بالاغصان الميتة والقطط الخاملة التي لا تستطيع الإمساك حتى بالفئران، صعدوا إلى الحكم بشعارات الحرية والسلام والعدالة ثم طفقوا في نزع هذه القيم الواحدة تلو الأخرى كما ينزع المرء تويجات الزهرة الذابلة حتى لم يبق من تمرهم الا حشفا وسوء كيلة، نشالو الثورة حيث كان لبعضهم موقع عند الرئيس البشير بل وطواف حول بيته يوم ان كان حول البيت طواف عاكفون، أصحاب الوجوه الأربعة الذين يتكاثرون عند الطمع ويقلون عند الفزع.
(2)
ولكن ألم تعمل الحركة الإسلامية المراجعات الفكرية والسياسية الكثيفة خلال سني التجربة؟؟أن تجربة الحركة الإسلامية في الحكم ومنذ بزوغها في يونيو 1989،كانت في حالة إرهاق فكري وسياسي خلاق في التعاطي مع فقه الثورة وصناعة النموذج الوطني الديمقراطي شراكة مع القوى السياسية الوطنية وذلك لإدراك الإسلاميين استحالة ادارة السودان أحاديا، وتمظهرت حالة التنوع بدء في مجلس قيادة الثورة العسكري، وفي تشكيلة الجهازين التشريعي الانتقالي، والتنفيذي،بل فإن التخطيط للخروج الكلي للتنظيم الإسلامي الوطني في ثوبه الجديد كان سيتم بعد عودة الحياة الديمقراطية توافقا مع القوى السياسية الوطنية والتي ابتدر معها الدكتور الترابي حوارات البناء الوطني الديمقراطي في سجن كوبر، وفي يوليو 1989 بدأت حكومة الإنقاذ التواصل مع الحركة الشعبية لتحرير السودان لإنجاز السلام وتحولها لحزب سياسي داعم للتحول الديمقراطي، لأن العمل المسلح فزاعة لاستمرار القبضة الأمنية، ثم انطلق مؤتمر الحوار الوطني الشامل في اكتوبر 1989،واستمر لمدة عامين وشاركت في فعاليته اغلب القوى السياسية الوطنية، ومجموعة من الانتلجنسيا الأكاديمية، والخبراء. ثم أعقب ذلك اعتلاء الشيخ الترابي لرئاسة البرلمان 96 إلى 1999 لتقنين قيم الحريات العامة، وبناء مؤسسات الحكم الاتحادي الذي أثمر عن 26 ولاية، و100 محافظة، و 520 محلية والهدف الاستراتيجي ترسيخ ثقافة قوامة المجتمع في الحكم وإنهاء هيمنة الدولة على المجتمع، وتوج ذلك بدستور التوالي السياسي الديمقراطي عام 1998، وجاهد الدكتور الترابي والذي كان يخوض داخل مؤسسات الحركة الإسلامية والانقاذ المجاهدات الفكرية والسياسية لإعادة الحريات والنظام الدستوري الديمقراطي لإقناع القوى السياسية الوطنية لنبذ خيار المواجهة العسكرية والمشاركة الديمقراطية لتعهد المولود الديمقراطي الجديد حتى يستوي قمحا يسر الناظرين، ومن المفارقات أن ذات القوى السياسية التي احجمت عن المشاركة في رؤية التمكين الديمقراطي التي طرحها الدكتور الترابي جاءوا يتصارعون على الثريد الاعفر بعد اتفاقيات نيفاشا واسمرا والقاهرة.
(3)
ان احجام القوى السياسية المدنية والمسلحة عن التفاعل الفكري والسياسي مع رؤية الحركة الإسلامية للتحول الديمقراطي ، واختيارها المنازلة والمناجزة بالسنان أدى إلى انكماش العقل الفكري والسياسي داخل نظام الإنقاذ، واشتداد قوة التيار الأمني، وتنامي حالة الانحرافات الفكرية والسياسية عن مشروع الحركة الإسلامية للتغيير الديمقراطي تحت زرائع الطواريء الأمنية والسيولة الاجتماعية، والمهددات الخارجية، والحرية والديمقراطية وإعادة قرار الحكم للمجتمع الكابح الاستراتيجي لهذه المهددات ولكن اتسع الخرق على الراقع على النحو الذي تعلمون وتمايزت تيارات الحركة الإسلامية المؤمنة بضرورة تحقيق الانتقال الديمقراطي عن تيار الاستمرار في والحكم.
ولكن في رأي لو اختارت القوى السياسية المعارضة (المدنيةوالمسلحة) مبدأ الهبوط السياسي الناعم خيارا استراتيجيا للتغيير منذ بدايات الانقاذ، ولو اختارت الأحزاب والتيارات التي خرجت من رحم نظام الإنقاذ مبدأ التدافع الفكري والسياسي الصبور والدؤوب من داخل مؤسسات نظام الانقاذ لاكتمل مشروع التحول الوطني الديمقراطي ووحدة السودان، خاصة أن مشروع الإنقاذ في الحكم لم يكن مغلقا بل فتح مسارات التحالفات والشراكات مع معظم القوى السياسية المدنية والمسلحة، وهنا يتبدى الاستدراك العميق وجوهره مدى جدية الطبقة السياسية السودانية عبر التاريخ في التعاطي الاستراتيجي مع مفاهيم الثورة والتغيير وقضايا البناء الوطني الديمقراطي؟؟ أن ترسيخ هكذا مفاهيم تقتضي تشكيل أحزاب وطنية حديثة قاعدتها الاجتماعية تعبر عن السودان بكل تنوعه المجتمعي والعرقي والديني وتؤمن بالديمقراطية الداخلية وتعاقب القيادات، وبروز أجيال قيادية جديدة فهل القيادات السياسية التاريخية على استعداد للرجل وافساح المجال للأجيال الجديدة ؟؟ واين مواقع شباب الثورة السودانية داخل مؤسسات الأحزاب الوطنية؟؟
أن الثورة العميقة ثمرتها أفكار جديدة، وقيادات جديدة، وذهنية وسلوك سياسي جديد.
(4)
ثمة إيجابيات نتجت عن تمايز الإسلاميين الديمقراطيين في أحزاب وكيانات مستقلة، عن تيار الاستمرار في الحكم، وهي التقارب بين القوى الحية للاسلاميين والقوى السياسية المدنية والمسلحة، والشارع السوداني العريض، ونتج عن ذلك تكثيف الضغوط السياسية والجماهيرية على حزب المؤتمر الوطني الحاكم، وأثمر ذلك تنامي قوة تيار الإصلاح والتغيير داخل المؤتمر الوطني، وانكمش تيار الاستمرار في الحكم فوقيا مما اضطره إلى تأجيل المؤتمر العام للحزب الحاكم السابق وإرجاء التعديلات الدستورية الهادفة لإعادة ترشيح الرئيس البشير في انتخابات 2020. وعندما ازفت اللحظة التاريخية للتغيير تلاقت إرادات التغيير وسط المجتمع السوداني والقوى السياسية المدنية والمسلحة، والتيار الإسلامي الوطني العريض، وتيار التغيير والإصلاح الكثيف داخل حزب المؤتمر الوطني، واكتملت عملية النضج الثوري بإزاحة الأقلية الحاكمة التي أرادت معاندة التاريخ ،وهذا ينم أن أكثر من 95% من التيار الإسلامي الوطني يقف بصلابة مع مشروع الثورة والتحول الديمقراطي المستدام،ويعزز ذلك تكليف المؤتمر الوطني للبروف الحكيم غندور لقيادته في مرحلة ما بعد الثورة وتصريحاته البناءة والإيجابية الداعمة للثورة
(5)
كان الأجدر استمرار هذه العقلانية الثورية واجتراح عبقرية اتفاق ومساومة تقضي باستمرار هذه الشراكة الاستراتيجية بين كل هذه القوى السياسية غرسا للنموذج الوطني الديمقراطي المستدام بدلا عن هذه الثنائية المضرة نحن صناع الثورة، وهم أعداء الثورة. ان هذه الثنائية المؤذية تصب في مشروع الأجندة الخارجية الهدامة،أن ثورة ديسمبر في حاجة إلى تبيئة وسودنة.
(6)
اخي ياسر عرمان صفوة القول لعلك تدرك ان رفع التيار الإسلامي الوطني العريض غطاء المشروعية عن النظام السابق، وانحياز القوة الصلبة للنظام(اللجنة الامنية) لثورة ديسمبر 2018 هما الباعث المباشر لسقوط النظام ولو تخندق الإسلاميون حول النظام كما فعل حزب البعث العربي في سوريا لما سقط النظام أو تدحرج السودان في محرقة الحرب الأهلية، وهذا ينم أن ايديولوجيا قضايا البناء الوطني غدت الخيار الاستراتيجي للتيار الإسلامي في هذه اللحظة التاريخية ، ويؤكد فاعلية تأثير الإسلاميين في الثورة السودانية، واستحالة اقصاءهم وعزلهم من بعض تيارات الرمرمة الثورية، ولذلك نحن أمام خيارات اما إدارة مشروع التحول الديمقراطي المستدام وبناء الدولة والامة بذات روح التوافق والإجماع والشراكة التي صنعت الثورة، او إعادة إنتاج لنظام استبدادي جديد،والخيار الأسوأ هو التفكك والانهيار الشامل للدولة السودانية.

الانتباهة

Leave a Comment

9 − ثلاثة =