(1)
كثيرون هم أولئك الذين يظنون أن حمدوك رجلٌ سهل القياد ضعيف (لا يهش ولا ينش) كما يدعي الطيب مصطفى.. بينما يجزم البعض أن الرجل ليس له نصيب من الدهاء والمكر السياسي والتدابير التي يمكن التخلص بها من الخصوم والمنافسين… على المستوى الشخصي بدا لي الدكتور عبد الله حمدوك داهية يعمل في صمت من غير حماس ولا ثورة ولا انفعال مثل الماء يفعل بالصخور العاتية ما يعجز عنه «الديناميت»..
(2)
خاطب حمدوك الأمم المتحدة بطريقة فردية أشبه بالسرية لاستقدام بعثة أممية لتكون له سياج وحماية ودعم وتواصل مع الأسرة الدولية واستقوى بالاتحاد الأوروبي وأمريكا في آن واحد فكسب دعم ومؤازرة الأنظمة العربية الموالية للغرب، وهو بذلك يحصن نفسه من غدر العسكر وهيمنتهم على السلطة، ومع ذلك وضع رجله اليمنى على عتبة شركات ومؤسسات الأمن والجيش والسلطة، ليفعل بها ما تفعل الماء بالصخور… غَنِم حوافز التطبيع دون تحمُّل مغارمه، وظهر في وجه العاصفة آخرون…
(3)
كان للحزب الشيوعي وتجمع المهنيين ولجان المقاومة دور كبير في تلميع حمدوك والدعاية له ودعمه ومساندته، لكن ما لبث أن تقاطعت سياسات حمدوك مع غايات الشيوعي والتجمع واللجان حتى تحول ثلاثتهم إلى معارض شرس لحكومة حمدوك يسعى لإسقاطها وتأليب الشارع عليها، فاستعان الرجل بالعسكر على «الثلاثي» والآن يحاصره بلا ضجيج ويضعه في عزلة كاملة وبهدوء تام…
(3)
كمراقب للأحداث أقول إن ما رأيته من حمدوك حتى الآن من مكر ودهاء يذكرني بحفيد عُقبة بن نافع فاتح المغرب «يوسف الفهري» آخر أمراء بني أمية في الأندلس… فقد كان الفهري رجل «مسكين» ليس له أية تطلعات في الحكم والسياسة فجاء عرب القيسية بزعامة الصُميل بن حاتم فأغروه بالسلطنة والإمارة ولمّعوه وكسبوا له التأييد وقدموه لأنه قرشي حتى يضمنوا به ولاء العامة ويحكموا باسمه ويكون سلطاناً بالاسم فقط ، فقبل على مضض تحت ضغط الأبناء والزوجة والأقارب والقيسية، مثلما فعل (الثلاثي) مع حمدوك وما أن استقر له المقام في الأندلس حتى انفتحت شهيته للحكم فطفق يفكر في طريقه يُبعد بها مؤيديه من القيسية عندما شعر أنهم يريدونه حاكماً اسمياً ليحكموا تحت عباءته، وفعلاً تحالف سراً مع العرب اليمنية واستعان بهم على القيسية، ثم قضى على عامر بن عمرو العبدري وبعدها عَمِد إلى إبعاد الصُميل إلى سوقطرة في أقصى الشمال وأمّره هناك، وبدا «الفهري» الطيب المسكين الزاهد في الإمارة داهيةً في ثوب الزاهدين، ماكراً تتضاءل بجانبه جهابذة المكر والدهاء السياسي، وهو يضع يده مع هذا في هدوء ليتخلص من ذاك، ثم يضعها هنا كي (يعبر) من هناك، والنتيجة الماثلة أمام الناس تحجيم نفوذ ومحاصرة مناوئيه والطامعين في سلطته والذين يريدون أن يحكموا باسمه…
(4)
المثير في القصة أن الصُميل بن حاتم كان صاحب الدور الأكبر في إغراء الفهري بالإمارة والسلطة وصاحب الفضل في الدعاية له وتقديمه للناس وكان هدف الصُميل هو الحكم باسم الفهري، والأخير يعرف ذلك لكنه (تغابى) وعندما تمكّن استعصى على التوجيه فاضطر الصميل إلى إظهار معارضته له لإزاحته… بالله عليكم ألا يبدو الشيوعي وواجهاته كالصُميل بن حاتم وحمدوك كالفهري، ويبدو لي والله أعلم الدور جاي على (عامر بن عمرو العبدري)… أنا هسي جبت سيرة زول…؟…..اللهم هذا قسمي فيما أملك..
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق انه يراك في كل حين.
الانتباهة