مقتلُ حميدتي.. العسكر للثكنات والجنجويد ينحل
بقلم/مُحمّد عُكاشة
الحارث إدريس مندوبُ السودان لدا الأمم المتحدة قدمَ إحاطةً عليمةً أمام مجلسِ الأمن وهو يستصرخُ المُجتمع الدولي لإدانةِ الدعمِ السريع أو إن شئت الجنجويد أو الميليشيا المتمردة حسبما جاء بآخره منتصف أبريل الماضي إذ هي تخبطُ عشواءَ في حربٍ تمتد.
الأفعالُ العنيفةُ يقومُ بها الدعمُ السريع لم تكُ طارئةً قبل شهرٍ من الآن وإنما تتطاولُ لاكثرَ من عقدين فهي ليست قواتٌ لحفظِ السلام ليستدعيها عمر البشير وإنما لحمايةِ عرشهِ تقطعُ الطريقَ ضدَ أي مُحاولةٍ للانقضاضِ عليه حينَ قررَ قادةُ المؤتمر الوطني استبداله ثم إن ما قامَ به الجنجويد في دارفور يجدُ مَوثقهُ في أضابيرِ مجلسِ الأمن ذاتهُ فمواطنو دارفور تعرضوا لعسفِ نيرانها قتلاً وتشريداً ونهباً للاموال وجاوزت المعقولُ حالات الاغتصاب لحرائرِ دارفور.
الدعمُ السريع في الخرطوم يبطشُ بالناس ولن تُجدي محاولاتُ مُستشاريهِ إلقاءُ التُهمة علي الفلول فالإسلاميون يضربونَ مثلاً حالةُ أنس عُمر والجزولي فضلاً عن أن السُودانيين يعرفون “الدعامة” في سَمتهم وفي لحنِ القول وهذي لا تحملُ إيحاءً يغمزُ الجارةَ تشاد فيما يردُ من تعليقاتِ الكثيرين فبعضُ أفرادُ قواتُ الدعم السريع قبائلُ مُتداخلة فعُضو المؤتمر الوطني حسن برقو وهو عضو إتحاد الكرة السودانية والمقربُ من الرئيس البشير سودانيٌ لا شكَ به غيرَ أنَ أخاهُ أبو بكر برقو في العاصمةُ انجمينا تشاديُ الجنسيةِ والأوراق وهو نافذٌ مُقربٌ من الرئيس الراحلُ إدريس ديبي إتنو ومِثلُهم غرسُ التداخلِ الإثني والقبلي ابراهيم حامد محمود وزيرُ الداخلية السُوداني الأسبق وعضو إتحاد الطلبة الارتيريين في مصرَ أيام الدراسة غيرَ أنَ إزدواجُ الجنسيةُ الذي وفرَ غطاءً لافواجٍ من الجنود من افريقيا الوسطي والنيجر لاينهضُ مُسوغاً لحربِ الجيشِ الوطني وهو ماحدا بمجموعاتٍ منهم عند احتدامِ الوغي بالهربِ من الخرطوم.
إحاطةُ الحارثُ لمجلسِ الأمن الدولي تبلغُ مُنتهاها وهُدنةُ اتفاق جدة برعايةٍ أمريكية لا تقدرُ علي خصفِ خُروقات الطرفين مرةً اخري فالجيشُ السُوداني يعزمُ الأمرَ لكسرِ شوكةُ الدعم السريع يستأصلُ شأفتهُ والدعامةُ من أسفلِ المدينةِ يتنشرونَ يبطشونَ تزيدُ من مُعاناةِ مُواطني العاصمة.
الحربُ التي تتسعرُ سوفَ تُغيرُ المشهدَ السياسي في المُستقبلَ فالشبابُ الثائرُ كانَ أكثرَ وعيّاً بمُناداتهِ “الجيشُ للثكنات والجنجويد ينحل” وهو يفتدي الوطن بالموت في الطرقات برصاص الشرطة السودانية ونيران القناصة والطرف الثالث عذرٌ تقول به سُلطة إنقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر تلتفُ علي عملية التحول الديمقراطي.
المشهدُ حينَ تضعُ الحربُ أوزارها سوف يختلفُ كُليةً فالمكونُ المدني بأحزابهِ وقياداته وناشطيه تجري شيطنتُهم لجهةِ موالاتهم المُدعاة للدعمِ السريع وهؤلاء رغم الانتهاكات التي قامت به قواتُ الدعمُ السريع وهي انتهاكات لا تحتاجُ نضارة ولا يحزنون وهم رغم ذلك ظل معظمُهم يُرواغ يتخفي تحت شعار “لا للحرب” ينسبُ الانتهاكاتِ لأحدِ طرفي النزاع دون تسميةٍ واضحة فاحتلال بيوتُ المواطنين لم تقُم بها قواتُ الدفاعُ الشعبي وحالات اغتصابُ الحرائر صرحَ بها أهل الضحايا وأكدتها الصحافة العالمية مثل الغارديان البريطانية.
قوي الحرية والتغيير سوف تلقي نفسها خارج المشهد في مستقبل مابعد الحرب فالإسلاميون من وراء قادة اللجنة الأمنية للبشير شرعوا في ذلك فمن بقي من هؤلاء في السودان سيكون عُرضةً لخطوبٍ مُدلهمة.
المُجتمع الدولي ذاته لم يتقدمَ باداناتٍ لما تمَ من انتهاكاتٍ من قوات الدعم السريع التي تحتل المشافي فالولايات المتحدة الأمريكية رغمَ اعترافها بأن مجموعة فاغنر تقوم بإسناد قوات الدعم السريع وفاغنر ليست جماعةٌ للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإنما جماعة منظمة لنهب ثروات الشعوب وهي توفر غطاءً أمنيا لقائد الدعم السريع وترغب روسيا لإيجاد موطئ قدمٍ علي شط البحر الأحمر ورغم ذلك تصريحات المسئولين الامريكيين تقف علي مسافةٍ واحدة من طرفي النزاع وكذا مجلسُ الأمن الدولي والإتحاد الأوروبي.
الموقفُ الصحيحُ هو دعمُ قواتُ الشعب المسلحة حتي ولو كانت مُعظم قياداتها مُختَطفةٌ لجهةِ تنظيمُ ” الإخوان المُسلمين ” وهو أمرٌ معلومٌ بالضرورة لا غُلاطَ به فمُنذُّ إنقلاب الثلاثين من يونيو 1989م فإن طالبَ الكلية الحربية لا يتم قبُوله مالم يكُن مُنتمٍ إلي التنظيم الإسلامي أو “يُرجي منه” غير أن هَؤلاء تدربوا بحسبِ لوائح الكلية الحربية ودوراتها وليسوا مثلَ عبدالرحيم دقلو من رقيبٍ إلي لواء حتةً واحدة.
إتحادُ الصحافيين السودانيون كان موقفهُ في الحربِ ساكناً بلا حركة سوي أنه يستصدرُ بيانهُ بآخره بادانةِ الدعم السريع وكشفِ انتهاكاته الجسيمة.
مُعظمُ الناشطين والمثُقفين والمنظمات المدنية لم يفتح الله عليهم يومَ صُماتهم الأكبر والمليشيا تعتقلُ ضابطٌ معاشي من الاقباط وهو طبيبٌ جراح ولم تنبسُ ب” قولة خير” حينَ تعتقل الجزولي هذا لو تجاوزنا حالةُ أنس عمر بحسبانه ضابطٌ في جهاز المُخابرات.
صمتَ هؤلاء ثم ليقوموا هبةً واحدة والاستخبارات تعتقلُ د.علاء نقد علي ذمةِ تُهمة ادعتها بالتعاون مع المتمردين.
السيّد قائد الدعم السريع في إختفاءتهِ المجيدةُ والرجل يحبُ الظهورُ والنصريحاتُ غير أن مُستشاريه في المهاجرِ البعيدةِ يقولونَ بأنه مشغولٌ من جنوده في الميدان لذا فأن أمرَ موتهِ وحياتهِ لا ينفي حجمَ الانتهاكات التي قامت بها قواته ضد المدنيين الذين زعمَ أن هذه الحربُ تقومُ لارساء دعائم الديمقراطية والحكم المدني.
انتهت الحربُ بكُلفتها الباهظة فإن علي البُرهان والقادةُ الإسلاميين الخروجُ من المشهدِ كذلكَ مثلَ حميدتي ذاته أفإن ماتَ أو قُتلَ انقلبتم علي ذات الموقف قبل 15ابريل إذ لابُد من التأسيسٍ لنظامِ حكمٍ جديد يعودُ فيه الجيش إلي ثكناته لتعزيز قُدراته القتالية لحماية الوطن وأن يلي حكم البلاد كفاءاتٌ وطنية لبضعةِ أعوامٍ يُمهدُ لانتخاباتٍ حُرةٍ ونزيهة.