ظلت حملات التشكيك في قانونية ودستورية لجنة إزالة التمكين منذ تشكيلها وبداية عملها، تتصاعد بوتيرة متسارعة، ارتفعت في الآونة الأخيرة حد المطالبة بحلها، بعد أن بدأت سهام الانتقادات تصوب تجاهها، عقب تورط بعض منسوبيها في قضايا شبهات فساد مالي وابتزاز. الاتهامات لم تقف حد أعضاء اللجنة وإنما طالت حتى أبنائهم، بعد أن تداولت مواقع التواصل الاجتماعي أمس الأول، صورة لابنة عضو لجنة إزالة التمكين (سماح وجدي صالح) تحوم إدعاءات ومزاعم حول شراء والدها عربة (لاندكروزر موديل 2021م) بمبلغ (28) مليار جنيه لها، من أموال الشعب التي تستردها لجنة إزالة التمكين، ثم لم تمض (48) ساعة على تلك الصورة حتى خرج عضو اللجنة وجدي صالح بمنشور على صفحته الرسمية بـ(فيس بوك) يفند فيه الحديث ومحاولة البعض النيل من عظمة اللجنة والتشبث بالفقاعات خوفاً من الغرق.
ولعل الحديث عن ابنة وجدي يمكن أن يصب في خانة تشويه السمعة حيث أنه لا يستند الى دليل، لكن وبحسب البعض فإن هناك كثيراً من القضايا التي تواجه اللجنة بتهم فساد على رأسها قضية الشركة الصينية التي تجري التحقيقات بشأن تورط بعض منسوبي اللجنة بممارسة الابتزاز، وهو ما يضع اللجنة في( خانة اليك) ويطرح معه تساؤلات حول إمكانية حل اللجنة؟ وهل ما يحدث يضع في إطار الحملات الممنهجة لـ(شيطنة) اللجنة والسعي لإقامة مفوضية مكافحة الفساد أم ماذا؟
عدم رضا
بالنظر إلى المشهد العام نجد، أن ثمة شعورا بحالة من عدم الرضا حيال لجنة إزالة التمكين، من قبل كثيرين حتى على مستويات الدولة، بعد أن كثر النقد حولها، ولعل هذا مادفع رئيسها الفريق ركن ياسر العطا للاستقالة، بعد أن أوضح أن اللجنة تتعرض للانتقاد المستمر من كافة مستويات الحكم ومعظم مكونات الحاضنة السياسيه لقانونها ونهجها، بالإضافة لعدم مباشرة لجنة الاستئنافات لعملها. وهو ما عطل عمل اللجنة وأعاق دورة العدالة. ويعتبر إجازة قانون مفوضية الفساد بذات صلاحيات قانون اللجنة، سببا يضاف إلى أسباب استقالة العطا، الذي اعترض على تعيين مفوض أعلى من رئاسة اللجنة، واعتبره أمرا سيؤدي لخلل في التراتبية البروتكولية، بحسب تصريحات سابقة لـ(الإنتباهة) .
وفيما يرى مراقبون أن الحملة على اللجنة بشأن تكوين مفوضية الفساد، أكد مصدر لـ(الإنتباهة) أن اللجنة تواجه مصيرا صعبا، رغم فصل صلاحياتها عن القانون.
قاب قوسين
(يبدو أن الترتيبات تمضي جيداً لإقامة مفوضية الفساد، من خلال الحملة الممنهجة على اللجنة)… هكذا ابتدر المحلل السياسي وهبي السيد حديثه للصحيفة مؤكداً أن مياها كثيرة تجري الآن تحت الجسر لحل اللجنة.
ويذهب وهبي في حديثه لـ( الإنتباهة) إلى أن عمر اللجنة الآن عقب ما اعتراها اليومين الماضيين أصبح قاب قوسين، منبهاً في ذات السياق إلى أن اللجنة هي التي وضعت نفسها في هذه الخانة.
وأوضح أن المزيد من الشفافية كان يجب أن يصاحب عمل اللجنة في إشارة منه لضرورة ذكر المتحرين من خلال المؤتمر الصحفي الذي عقدته اللجنة بدلاً من ترك الأمر للتسريبات.
غير أن وجدي صالح من خلال منشور خطه على (فيس بوك) أمس، أكد أنه مع تعالي صراخ المتضررين من اللجنة إلا أنه ابن هذه البلاد وقيمها، ويعرف ميقات زرعه وحصاده وما بينهما. وقال(لو أردنا ان نبني الناطحات ونحيا مترفين لفعلناها حيث كان الذين يتعالى صراخهم الآن يوزعون خيرات البلاد على من يهادن أو يطاطئ الرأس، لكننا انتصرنا عليهم مرتين بأننا لم نسقط طوال ثلاثين عاماً من الترهيب والتعذيب والترغيب والإغراءات فكسبت نفسي وانتصرت لها وذقت حلاوة الانتصار مع الشعب باإسقاط نظامهم وعصابتهم).
عش الدبابير
وفي حين يرى البعض أن حديث وجدي تمسك منه بالمنصب ، في ظل الاتهامات والتجاوزات التي ظلت تطارد أعضاءً في اللجنة بالفساد والابتزاز في الآونة الأخيرة، حيث لم يسلم منه هو شخصياً في أسرته، يؤكد بالمقابل آخرون أن طريق اللجنة في طريق دولة الحزب الواحد ومحاسبة رموز النظام المباد بأمر الثورة ما زال طويلاً ، ويجب دعمها وتجويد أدائها لتحقيق واجبها الثوري، وحتى يتسق أداء اللجنة مع مبادئ وقيم العدالة والتطبيق الصحيح للقانون، في ظل غياب المنهج الإجرائي المعني بتحقيق العدالة.
وفي هذا المنحى يذهب المحلل السياسي خالد البشير إلى أن ما تواجهه اللجنة سيجعلها أكثر قوةً ،مؤكدا لـ(الإنتباهة) إلى ما يحدث يؤكد أنها في المسار السليم بعد أن نالت من عش الدبابير. داعياً إلى ضرورة دعمها ،مؤكداً أنها أحد أهم إنجازات الثورة الذي يكشف عن فساد النظام السابق.
ويرى البشير أن كل الاتهامات ستزيد اللجنة منعة.
بالمقابل تعتبر اللجنة أن ما تقوم به هو فاتورة نضال، وهو ما ذكره وجدي في منشوره أمس الذي أكد فيه أنه لا يمن على الشعب بنضالهم أو تضحياتهم، وأقسم وتوعد بالمضي في طريق الثورة وأهدافها مع أبناء وبنات البلاد جندياً مخلصاً لضرب أوكار الفساد والمفسدين ، حتى تفكيك كل مؤسسات وواجهات النظام المُباد بالكامل واسترداد أموال الشعب المنهوبة للخزينة العامة ، قائلاً: (لاترحموني إن هادنت أو تراجعت أو تغير مقالي وبيني وبينكم مهمة مقدسة لاشكراً لي إن وفقت فيها ولاعذر لي إن تراجعت عنها).
(هي لله)
تصريحات وجدي أعادت إلى الأذهان صورة الإنقاذ الأولى، في وقت عده فيه البعض نسخة معدلة من شعارات الكيزان (هي لله هي لله) التي أطلقوها في بداية أيام الثورة، مستشهدين بقول المشير الزبير محمد صالح أحد ضباط مجلس قادة الثورة ، ونائب الرئيس المخلوع وقتها ، بقوله (يا أخوانا نحنا ناس بسيطين وأولاد مزارعين لو شفتونا ركبنا العربات وبنينا العمارات أعرفونا فسدنا).
ويرى مراقبون أن حديث وجدي ردة فعل للحملة التي شنها البعض مؤخراً على لجنة إزالة التمكين ، وقالوا كان يجب أن تكون ردة الفعل بالمعلومات والحقائق المجردة ، بشأن شبهات الفساد التي لحقت باللجنة مؤخراً ، وليس بالكلام ، لجهة أن إيراد الحقائق كاملة والمكاشفة يخرص الألسن التي تهاجم اللجنة ، وأكدوا أن الحديث لن يجدي نفعاً في ظل الدخان الكثيف الذي يحوم حول اللجنة .
حملات تشكيك
وخلال الأيام الماضية تصاعدت حملات التشكيك في نزاهة اللجنة ، وتداول ناشطون في وسائل الإعلام أنباءً عن تورط متحرين شرطيين يعملون مع لجنة إزالة التمكين ، في عمليات ابتزاز ومساومة لأشخاص أخضعوا للتحقيق في تهم فساد مالي ، لتسارع اللجنة وتوضح أنها وجدت في حساباتهم المصرفية مبالغ مالية لا تتناسب مع طبيعة عملهم ، ولم تمض 48 ساعة على الواقعة حتى طفت للسطح حادثة جديدة عن تورط أعضاء بلجنة إزالة التمكين في ابتزاز شركة صينية، بعد أن تداولت مواقع التواصل الاجتماعي خطاباً مسرباً لجهاز المخابرات العامة بتاريخ مارس الماضي، معنونا إلى النائب العام، سرد شكوى شركة صينية من تعرضها لعملية ابتزاز بواسطة أعضاء من لجنة التفكيك وتسلمهم مبالغ بالدولار والجنيه مقابل تسوية ملف الشركة في اللجنة.
ذم ومدح عرمان
وأمس الأول دخل مستشار حمدوك السياسي والقيادي بالحركة الشعبية شمال ياسر عرمان على خط الدفاع والانتقاد للجنة في ذات الوقت للجنة إزالة التمكين ،وكتب منشور سماه بـ( ليس دفاعاً عن مناع ..وعلى الديسمبريين دعم لجنة إزالة التمكين) ،وذكر من خلاله أنه لم يلتق مناعاً ولم يزر مقر لجنة إزالة التمكين ،وقال عرمان إنه يدرك بوضوح الأخطاء التي ترتكبها اللجنة والطريقة الاستعراضية لمناع نفسه والاتهامات التي تدور حوله كرجل أعمال ،إلا أنه أكد أن الحملة التي تدور ضد مناع ليست بريئة ومصنوعة .
وجزم عرمان في خضم دفاعه عن اللجنة أن الفلول مرعوبون من اللجنة لأن إزالة التمكين تعني إزالة الإنقاذ والدولة الموازية ،وشدد عرمان على ضرورة استمرار اللجنة (بلا هوادة وبلا تراجع). ،واعتبر عرمان أن اللجنة هي روح من روح الثورة .
ولم ينس عرمان من خلال دفاعه عن اللجنة أن يطالب بإصلاح منهجها وأن لا تستغل لتصفية الحسابات ،ودعا لضرورة أن تبعد من شبهات الفساد .
فلاش باك
وتم تشكيل “لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة“، في ديسمبر 2019 بعد نحو 8 أشهر من سقوط نظام المعزول، وترأسها حينئذ عضو مجلس السيادة، الفريق ياسر العطا، والرئيس المناوب محمد الفكي سليمان، وضمّت اللجنة في عضويتها، وزراء وقيادات في تحالف “قوى إعلان الحرية والتغيير“، وبدأت منذ ذلك الوقت في مباشرة إجراءات استرداد عقارات وأموال وشركات ومنظمات ترتبط برموز النظام السابق، وفصل موظفين من الخدمة المدنية تقول اللجنة إن قرارات تعيينهم تمت على أساس ولائهم لحزب “المؤتمر الوطني المحلول“ الحاكم قبل سقوط البشير، ودفع رئيس اللجنة، الفريق ياسر العطا بالاستقالة من اللجنة بعد أن وجه في بعض الأحايين انتقادات للجنة مطالباً بحلها، وتشكيل مفوضية مستقلة لمكافحة الفساد، عازياً ذلك، إلى التحفظ على أداء اللجنة وقانونها من كافة مستويات الحكم، ومعظم مكونات الحاضنة السياسية.
الانتباهة