” في عيد الجيش ”
الجيش هو السودان تراثا وثقافة وأدبا وطبعا وأخلاقا وصهوة تاريخ شعوبه ..
الدكتور فضل الله أحمد عبدالله
” نوم الأرض موت ،
ونوم الفكرة موت ”
بالقول أعلاه ، نجاهر بمقالنا دون تذويق الكلام ..
وصدق القائل :
نوم الأرض موت ،
ونوم الفكرة موت ،
موت الكاتب المبدع ، هو أشبه بنوم الموجة على شاطئ البحر ، وللقارئ بعد ذلك أن يسأل نفسه إن كانت الأمواج تنام حقا ،
التعبير عن الوجدان الجمعي للأمة هو أكثر مطلوبات الوقت .
فإنقطاع الكاتب عن الوقت ومطلوباته ، هو وقوع في شراك الموت .
وذلك المعنى نفسه قاله الشاعر الفلسطيني ” معين بسيوس ” :
” إني أنا المتنبئ فوق عصركم
حذاء عصري
أنا المستقبل الزمن ”
وبإسلوبه الخشن في قول الحقيقة يقول :
” ثورة الحق في بلادي كفر
قلمي في الحديد ،
في ظلمة السجن
طريح مكبل لا يصر ”
وعن الذي يكتب وفقا لمصالحه قال :
” كان يصلي دائما خلف علي
ويسأل الطعام من يدي معاوية
خلف علي ،
الصلاة مجزية ،
صلوا وراءه وبعدها ،
خذوا الطعام والشراب من يدي معاوية ”
أما ” صلاح عبدالصبور ” الشاعر المصري يرى أن الكاتب المبدع هو الذي ينظر إلى الحياة في وجهها لا في قفاها .
وقال :
” لست شاعرا حزينا ، ولكني متألم ” .
وأضاف القول :
” لأني أحمل بين جوانحي شهوة إصلاح العالم ” .
مستعيرا ذلك القول من ” شللي ” والذي أستقاه هو نفسه من أحد الفلاسفة الأسكتلنديين .
وكتب صلاح عبد الصبور باحثا عن الإنسانية فقال :
” آه ..
نحن الذين أردنا أن نمهد الطريق للمحبة
لم نستطيع أن نحب بعضنا بعضا ،
أما أنتم ..
فعندما يأتي اليوم الذي يصبح فيه الإنسان صديقا للإنسان
فاذكرونا ، وسامحونا ”
وفي ناصية أخرى يقف شاعرنا السوداني ” محمد مفتاح الفيتوري ” ليقول :
بأن الكاتب المبدع الحق ليس فردا بل إن فرديته تمثل لحياة أمته ومسرى حضارتها .
فهو يعيش صيرورة القيم في حياتها الإجتماعية والجماعية ، فيرى الصحيح منها والمعتل .
وليس أضر على الأمة من أختلال سلم القيم أو فقدانها له بالكلية . لأن الحضارة تنشأ من مراعاة المحرمات التي تضر بالجماعة .
وأول هذه المحرمات النزاعات الداخلية المسلحة لأنها تورث البغضاء وتجعل الدم يستجر الدم .
وثانيها مصانعة الأجنبي على مصالح الأمة لأن هذا يقويه ويضعفها ، ويحدث من أسباب الشقاق ما لا محل معه للمصالحة والمهادنة .
واستنادا على ذلك ، يمكن القول ، أنه في السودان اليوم ، أكثر مظاهر علامات إختلال سلم القيم أو فقدانها بالكلية ، هو محاولات بعض الكتاب السافرة القبح في خدش شخصية القوات المسلحة ، مهادنة للأجنبي وتزلفا وتوددا له .
وليس من جرح يحرق حشى أهل الإنتماء لهذا البلد أكثر من تلك الثرثرات الصاخبة الجاحدة بأفضال ” جيشنا ” .
وما أقبح الوقت الذي يوصد أبوابه في وجوه الحقائق . الحقائق التي رفع ألويتها الأوفياء من أبناء ” الجيش ” في صياصي الجبال ، صائحين به في الشوارع والبيوت ، من باب المسؤولية الوطنية ، متبتلين في محرابه حبا وعشقا ، حاملين لواء السودان تراثا وثقافة وأدبا وطبعا وأخلاقا . هم أعرف الناس بتضاريسه وسهوبه وبشره وعاداته ومجموع أنساق طقوسه وقضايا أهله .
يذهب الآخرون ميمنة وميسرة ويهرولون مشرقا ومغربا ، إلا ” القوات المسلحة ” المؤسسة كالسيف تبقى وحدها ، تمسك بأركان السودان وارثة لأمجادها ، مقدمة صحائف ناصعة من البيان بالعمل وتعلمنا أن الخنوع ومداهنة الأجنبي مذلة والجبن يردي .
” جيشنا السوداني ” عمر طويل من المآثر النبيلة والفئة الأعظم حفاظا على قوميتها واحترامها لنفسها ولمواقفها من العالم وأحواله وتقلباته .
عند الإختبار وورود ساحات المسؤولية الوطنية عند أوان الزحف تولى الكثير وتهاووا كأعجاز نخل خاوية ، ولم يقف عند سداد الثعور ، إلا رجال الجيش ، روح السودان وصورته ، وأسباب وجوده بين العالمين .
هم سموق قمة جبل التاكا
وأزهار هضبة جبل مرة ..
معطاءون كفيوض نهر النيل
وثبات أهرامات البركل
هم قلم البلاد الأوحد وقرطاسه
وخيله وليله …
هذه الأيام من يكتب عن القوات المسلحة السودانية بحب ووفاء وتقدير ، هو كمن إختار المشقة في اتجاه البلد وأهله ، مشقة أليمة الجراح ، شكلا وكيانا .
فقد ربح التافهون الحرب وسيطروا على عالمنا وباتوا يحكمونه .
وصدق ” ألان دونو ” الناقد الكندي إستاذ الفلسفة والعلوم السياسية في كتابه الجديد ” نظام التفاهة ”
الكتاب الذي حملته أسنة أقلام النقاد وجعلت منه الكتاب الأوسع إنتشارا في دول الغرب .
والكتاب يكشف علل الواقع الإنساني والأوضاع الكارثية التي يقودها نظام محكم يسيطر على كل الشعوب الآن دون أن يطلق رصاصة واحده .
ويقدم ” ألان دونو ” متهكما وساخرا مقدما نصيحته للناس في هذا العصر :
لا لزوم لهذه الكتب المعقدة ، لا تكن فخور ولا روحانيا ، فهذا يظهرك متكبرا ، لا تقدم أي فكرة جديدة ، فستكون عرضة للنقد ، لا تحمل نظرة ثاقبة ، وسع مقلتيك ، أرخ شفتيك ، فكر بميوعة ، وعليك أن تكون قابلا للتعليب ، إن التافهين حسموا المعركة ، وسيطروا على عالمنا وباتوا يحكمونه .
وفي السودان الآن لسنا بعيدين من تلك الثقافة الكونية التي تهدف إلى محو شخصيتنا الثقافية بلا إطلاق رصاصة واحدة .
فقد أوكلوا المهمة لمن هم يحملون دمنا وقسمات وجوهنا .
غير أننا لن نتنازل عن السودان وتراثه وتقاليد مجتمعاته وأعرافهم ..
وروح السودان وكيانه هو ” جيشنا ” فله حبنا الأصيل بلا ضوضاء .
” نشر في جريدة القوات المسلحة يوم السبت 6 محرم 1443هجرية الموافق 14 أغسطس 2021م “