قراءة جيوبولتيكية للمشهد السياسي السوداني وتأثير القوى الخارجية
علم الجيوبوليتيك أو الجيوسياسي يدرس العلاقة الموجودة بين القوى الإقليمية والعالمية من الجوانب الجغرافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية ويهدف إلى تحليل وفهم النزاعات الدولية ومن خلال القراءة الجيوبوليتيكية نستطيع أن نفك شفرة الوضع الدولي ويتمتع السودان بوضعية جيوبولتيكية في المنطقة الأفريقية والشرق الأوسط ولديه مقومات تجعل القوى الإقليمية والعالمية تتنافس عليه.
خلقت القوى العالمية قوي وسطى وهي تحالف السعودية والإمارات لوقف التوسع الإيراني ونفوذ تركيا المتزايد ولذلك قامت ثلاثة محاور رئيسية ذات تأثير على السودان والشرق الأوسط وهي السعودي والتركي والإيراني ولها تأثير على المشهد السياسي السوداني وسياسة المحاور أمريكية للسيطرة على الشرق الأوسط وكل محور من هذه المحاور يحاول تعزيز نفسه في تشكيل المشهد السوداني و سنشرح في هذا المقال المحاور الثلاثة لفهم طبيعة الصراع في المنطقة الإقليمية عامة وخاصة السودان من منظور جيوبوليتيكي لاستيعاب الصراع الذي يدور بين المحاور التي يسعى كل واحد منها للهيمنة على السودان وتشكيل المنطقة وفق نموذج معين لتحقيق مصالحه الخاصة.
الأول المحور السعودي الإماراتي يسمى بمحور (الاعتدال) وهو مكون من السعودية والإمارات وبعض الدول يسمى الإسلام المعتدل وهو يدعم كل التيارات المعارضة للاتجاه الإسلامي والإخوان المسلمين وأن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل مع محور الاعتدال وجعلته البديل الأفضل في المنطقة في المدى الطويل ولكن بالمقابل أن المحور عليه هجوم مكثف من المحور الثاني التركي القطري وهذا الهجوم قوي ويستهدف حكومات محور الاعتدال وما يجري يوضح لنا حدة التنافس بين القوى الإقليمية وأيضا محور الاعتدال يتقارب مع مصر لمحاصرة النفوذ التركي القطري وهذه التحركات قد تطور في المستقبل إلى أن تكون أكثر وضوحًا.
أما الثاني المحور التركي القطري يطلق عليه اسم (الأخوان) وتقوده الحركات الإسلامية وتتبنى تركيا النظام الإسلامي وتسعى للسيطرة على العالم العربي والأتراك يعملون على إعادة الدولة العثمانية بسياسات مستقلة عن الولايات المتحدة الأمريكية حيث اتخذت تركيا القرار في غزو العراق عام ٢٠٠٣م ورفضت تركيا السماح للولايات المتحدة باستخدام القواعد التركية ومن هنا ظهرت تركيا على أنها قادرة على تثبيت نفسها وتريد ترجمة ذلك إلى وزن جيوسياسي يجعلها قوة مؤثرة دوليا وهي الأقرب لإدارة المشهد مع السعودية والإمارات كقوة مؤثر ونجد أن الخلاف بين الإخوان وإيران في المقام الأول طائفي إلا أنه أخذ طابع سياسي كما تعتبر الإمارات أن العدو الأول هم الإسلاميين وأن السعودية والإمارات عكس مصر في التعامل مع المشهد السوداني لذلك نجد أن الإمارات والسعودية تخلق في قوي ليس لها تأثير وتقوم بتمويل تلك الجهات لخلق توازن وتحقيق نتائج وسرعان ما تقوم بتغير وجهة نظرها بين الحين والآخر مما أربكت المشهد السياسي السوداني.
الثالث المحور الإيراني يطلق عليه محور (المقاومة) و تقوده الجماعات الشيعية ويتبنى الإسلام الشيعي وهو توسعي وله تحالفات مع روسيا والصين ومع العالم العربي ويقف هذا المحور مع القضية الفلسطينية ضد إسرائيل والولايات المتحدة وهو يدافع للشيعة في جميع أنحاء العالم مما يربك حسابات السعودية والإمارات وهو في خلاف دائم معهم لأن السعودية تتبنى الإسلام السني الوهابي لذلك تتحالف السعودية مع الولايات المتحدة ضد إيران لوقف التوسع الإيراني في المنطقة ونجد أن دور إيران أصبح ضعيف في السودان بعد اختلافهم مع حكومة الإنقاذ وإغلاق المراكز الثقافية الإيرانية في الخرطوم عام ٢٠١٤م وتضامنهم مع السعودية وبعدها لم تكون إيران قادرة على خلق نفوذ جديد أو تعاون عبر وجهاتها في المنطقة لذلك يصبح دورها ضعيف في المنافسة في المشهد السياسي السوداني.
التنافس بين القوى الإقليمية والعالمية وسعيها إلى النفوذ على السودان هو سبب فشل الفترة الانتقالية وعدم وضوح معالمها والصراعات الحالية بين المكونات وعدم التوافق في السودان يعكس تجربة تنافس القوى الإقليمية وما خلفته من صراعات مسلحة في الشرق الأوسط في سوريا وليبيا واليمن ولبنان والعراق وأدت إلى العديد من المشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ما زالت مستمرة ونفس هذه المحاور الثلاثة أدت إلى زيادة الصراع داخل المنطقة في حين أن كل محور يدعم تيار بعينة من أجل مصالحه فمثلا تركيا تدعم الحركات الإسلامية أما السعودية والإمارات تدعم اليسار والعلمانيين لمصالح مشتركة وهذا المحور يريد القضاء على التيارات الإسلامية في السودان ومن ناحية أخرى تتخوف السعودية والإمارات من الفشل في السيطرة على القضاء على الإسلاميين لأسباب كثيرة ومنها تقارب التيارات الإسلامية للمحور الثاني والثالث ورغم الدعم والتسهيلات التي وجدتها قوي الحرية والتغير من المحور الأول للسيطرة واستلام السلطة إلا أنها فشلت في إدارة الفترة الانتقالية مما جعل المحور السعودي الإماراتي يبحث لاختيار بديل وقامت بالتنسيق مع المكون العسكري وحاولت أن تخلق قوى مدنية موازية لأحزاب الحرية والتغير والحركات المسلحة غير الإسلاميين فكل محاولاتها فشلت وحاولت التسويق لبعض القوى ومن ناحية أخرى يعمل التيار الإسلامي بنفس طويل لترتيب الصفوف لإعادة السيطرة مرة أخرى واستلام السلطة بالتنسيق مع محاور مختلفة بواجهات مختلفة وهو الأقرب وسوف تغير مسار العملية السياسية وتربك حسابات القوى الإقليمية كما أن مسار التيارات الإسلامية على مبدأ الخلاف مع إسرائيل مما يجعل محور الإمارات والسعودية التي تحمي ظهر إسرائيل في الشرق الأوسط وسوف تعمل على دعم المعارضة ضد الإسلاميين لتحقيق أهدافهم عبر الحرية والتغير في المنطقة التي أصبح دورها ضعيف.
وأن صانعي القرار السودانيين في هذه المرحلة عليهم أن يفكرون ويخططون لمستقبل البلاد في المدى الطويل لأن قواعد اللعبة متغيرة محليا وعالميا لذلك يجب فهم العالم الخارجي جيدا قبل البدء في أي تحالفات على المستوى الإقليمي والعالمي لابد من تحليل الاستراتيجية الإقليمية واعادة التفكير والنظر لاستيعاب المشهد الإقليمي والعالمي الذي يجري بوتيرة متسارعة وفهم تحركات طبيعة القوى الإقليمية والعالمية وطبيعة اللعبة السياسية وترتيب المشهد السياسي قبل التخطيط لوضع خطط استراتيجية للوطن لابد من اتخاذ سياسات خارجية خاضعة إلى مقياس واحد فقط وهو كيف تخدم هذه السياسة مصالح السودان.