#محمود
1
كنت دوما أشعر أن في الفنان محمود عبد العزيز.؛ سمت من الذات الغريبة ؛ ملامحه خليط من حزن دفين ؛ يقاومه بوداعة ساكنة ؛ تخالف معتاد خيلاء النجوم وعجرفتهم ؛ وهبه الله ذاك الشعاع الطيف الذي تحسسه في ابن البلد و(ود الحلة) مع ثقة يمتاز بها أصحاب المواهب ؛ فلا يتعالون او يتمادون في الظهور بما يملكون ؛ ولا أزعم أني صديقه او قريب منه وفي السودانيين تحباب لتلك المزاعم ؛ وقد جالسته في حياته مرتين ؛ مرة في مناسبة شهدتها ببحري ؛ لحظت ان الفتى مثل كل البحراويين ؛ يجمع بين ضجيج الامكنة ؛ وحميمية التقارب وفصاحة لسان العوام وإشتراكية السمت والظهور وطقوس الختمية والمزاد وبحري القديمة ؛ في خليط الانساب والصفات وسودانية الازقة والرواكيب وبيوت الجالوص ؛ إذ نزع نجوميته وتحول الى ذاك الشخص الذي يتلقى الطرف والتلاوم وإستفسارات الناس عن الصحة والأحوال ؛ والتقيته مرة في أديس ابابا ؛ يجلس يلتقط هدير الموسيقى فيهتز وهو منصت . وفي المرتين اللقيا . تحسست حضور شخص في قمة الأدب والتواضع والتبسط مع من هم حوله وبجواره ؛ كلما زاد صخب الإحاطة به مال للوحدة .ينسحب مثل ضوء لمع في ثانية ثم إنطفأ
2
الحفلات العامة القليلة التي شهدتها له كنت اتقصي في زحامها تلك الخيوط غير المرئية من الحب التي تجمع بينه وجمهوره ؛ شعرت كثيرا انه كأنما يتغذى من انفاس صيحاتهم وانفاسهم ؛ كأنما يغني لهم ليردون عليه موج اول النص موجات تغسل داخله بالراحة ؛ يعرف بشكل غريب بعضهم ؛ كلما كان الحيز لجريان توقيعات اللحن انصرف هو يرسل عينه الى الحشد أمامه ؛ يرسل (كود) بإبتسامة الى أغبش في اقصى المكان ؛ او مستهام في ركن ؛ ومرات طفل مع سيدة ؛ لاحظت ان جمهوره من أعمار على بوابات الحياة ؛ عليهم ملمح الطلاب والعمال ؛ والباعة ؛ سود ؛ بيض ؛ خلاسيون ؛ عتالة ؛ بنات ؛ بنين ؛ مراهقون وشباب ناضجون ؛ فئات نابضة بالعنفوان سلكهم جميعا في طريقته أنصار وأحباب وقوم نصرة . ولذا فظني ان محمود عبد العزيز كان له سر صنع إجماعا مختلف .لم يتاح لفنان قبله ولن يتاح لاحد بعده ؛ فهو مثل (بوب مارلي) اسس قاعدة شعبية تنافس اصحاب المشروعات السياسية كما انه اقام قاعدة من المحبين جمعهم حول الكلمة واللحن الخارج من وسط الجمهور وبهم الى الإعالي ؛ وذاك خلاف المعتاد في تجارب فنانين اخرين صنعهم التنخيب ؛ وانتجتهم الابراج العالية
3
لي ظن ان الفرقة التي عزفت مع محمود عبد العزيز من افضل العازفين ؛ في كل تمرحلات تجربته ؛ لكن لي ثقة أعظم ان خامة صوته كانت ذات اثر اعظم في ذاك التميز الموسيقي فصوت محمود فيما اعتقد يجعل كل عازف خلفه واسع الخيارات فحيثما دخلت (شالك) الصوت العظيم الى الصحيح من المقام والسلم ؛ فبعض المغنيين تصنعهم موسيقى لحون العازفين وبعض اخر تمجده حنجرة المغني وتميزه فهو يقود نفسه ولا ينقاد لعازف و(الحوت) من هؤلاء .
رحم الله الفنان الكبير الذي فاق عمره وظروفه ؛ فقد كان وسيظل جميلا ..موهوبا ..علامة خاصة وظاهرة لا اظنها ستتكرر
…
لذكرى محمود عبد العزيز