شعرت ميراندا كيلي، وهي مساعدة تمريض معتمدة وتبلغ من العمر 44 عامًا، بالخوف من عوارض “كوفيد-19” الشديدة التي أصابتها ومنها الضيق في التنفس، وذلك خلال اليوم الأول من صدور نتيجة فحصها الإيجابية. وهذه العوارض كانت كفيلة بإرسالها إلى الطوارئ، وخصوصًا أنها تعاني من ارتفاع بضغط الدم، والسكري.
وعندما أُصيب زوجها جو، 46 عامًا، بفيروس كورونا، شعرت بالقلق على أطفالها الخمسة المراهقين. وقالت: “صلّيت حتى لا نحتاج إلى أجهزة التنفس. لدينا أطفال. من سيهتم بهم”؟
ووافقت ميراندا وجو وهما يعيشان في مدينة سياتل الأمريكية، بعد تشخيصهما، على الانضمام إلى اختبار سريري في مركز الأبحاث السرطانية “Fred Hutch” الأمريكي، الذي يشكّل جزءًا من جهد دولي لاختيار دواء مضاد لفيروس كورونا، يضع حدًّا لعوارضه.
وفي اليوم التالي، تناول الزوجان أربعة حبوب من هذا العقار، مرتين في اليوم. ولم يعلما إذا كانا قد تناولا دواءً وهميًا أو حقيقيًا. لكنّ عوارضهما خفّت خلال أسبوع، وتماثلا للشفاء بعد أسبوعين.
وقالت ميراندا: “لا أدري إن أُعطيت الدواء الذي يخضع للاختبار، لكني شبه متأكدة من ذلك”. مضيفة أنّه “نظرًا للعوارض الأساسية التي شعرنا بها، أعتقد أنّ عملية الشفاء كانت سريعة جدًا”.
وشاركت عائلة كيلي بمرحلة تجريبية لتطوير عقار يرجّح أن يكون المخرج التالي لمكافحة فيروس كورونا، وذلك عبر تناول حبوب الدواء المضاد يوميًا بعد تشخيص الإصابة بالفيروس باكرًا، والذي يساهم في كبح تطور عوارض كورونا.
وفي هذا الإطار، أوضح اختصاصي علم الفيروسات في جامعة “نورث كارولينا-شابل هيل” الذي كان من الرواد المساهمين في هذه العلاجات تيموثي شيهان، أن أدوية مضادات الفيروس الفموية لديها القدرة ليس فقط على تقصير مدة عوارض “كوفيد-19″، بل الحد من انتقالها إلى أشخاص يقطنون مع المريض في المنزل ذاته.
وتُعتبر الأدوية المضادة للفيروسات علاجًا أساسيًا لالتهابات فيروسية أخرى، مثل “التهاب الكبد الوبائي جيم” و”فيروس نقص المناعة البشرية”. وإحدى أبرز هذه العقاقير “تاميفلو” ذات الانتشار الواسع لقدرته على تقصير مدة الإصابة بالانفلونزا، والتخفيف من خطر الدخول إلى المستشفى، إذا تمّ تناوله بسرعة.
وتعمل الأدوية التي طُورت لمعالجة وحماية انتشار عدوى الفيروسات لدى البشر والحيوانات على نحو مختلف، تبعًا لنوع الفيروس. ولكن هذه الأدوية صُممت لتحفيز جهاز المناعة من أجل محاربة الالتهاب، وحجب المستقبلات، ما يمنع الفيروسات من الدخول إلى الخلايا الصحيّة، أو يخفّض مستوى نشاط الفيروس في الجسم.
وفي الحد الأدنى، تخضع ثلاثة أدوية مضادة للفيروس للتجارب السريرية. ويُتوقع أن تظهر نتائجها في نهاية فصل الخريف أو الشتاء، وفقًا لما صرّح به مدير قسم “فيروس نقص المناعة البشرية” في المعهد الوطني للحساسيات والأمراض المعدية” كارل ديفنباش، الذي يشرف على تطوير الأدوية المضادة للفيروسات.
وقال ديفنباش: “أعتقد اننا سنحصل على إجابات في الأشهر المقبلة حول مفاعيل هذه الأدوية”.
أما المنافس الأول بين هذه الأدوية التي تخضع للاختبارات فهو عقار “مولنوبيرافير” لشركتي “ميرك & كو” و”Ridgeback Biotherapeutics”، والذي شاركت عائلة كيلي في تجاربه في سياتل. كما يتوفر مرشحان آخران، من بينهما “PF-07321332” لشركة “فايزر”، والآخر “AT-527” لشركتي إنتاج الأدوية “روش” و”أتيا”.
وتعمل هذه العقاقير على لجم قدرة الفيروس على التكاثر في الخلايا البشرية. وفي حالة “مولنوبيرافير”، فإن الأنزيم الذي ينسخ المواد الجينية للفيروس، ينتج العديد من الأخطاء التي لا تمكّن الفيروس من التكاثر، ما يخفف من كمية الفيروس لدى المريض، ويقصّر مدة الالتهاب، ويجنب المريض استجابة مناعية ضعيفة قد تعرّضه لأمراض جدية أو الوفاة.
وحتى الآن، تمت الموافقة على استخدام عقار “remdesivir” فقط، كمضاد لفيروس “كوفيد-19”. ويُعطى عن طريق الوريد للمرضى الذين تستوجب حالتهم الاستشفاء، ولا يمكن استخدامه على نطاق واسع في القريب العاجل. فيما الأدوية الأخرى المنافسة والتي صارت في مرحلة متقدمة من التجارب، فستتوفر على شكل أقراص.
وكان الدكتور شيهان، الذي شارك بالإشراف على المراحل التجريبية السريرية لدواء “ريمديسيفير”، قد أجرى دراسة مبكرة على الفئران أظهرت أن عقار “مولنوبيرافير” يمكن أن يوقف المرض المبكر الناجم عن فيروس “SARS-CoV-2″، المسبب لفيروس كورونا. وقد تم اكتشاف المعادلة في جامعة إيموري، وحصلت عليها شركتي “Ridgeback” و “Merck” لاحقًا.
وأعقب ذلك تجارب سريرية، بينها تجربة مبكرة ضمّت 202 مشارك في الربيع الماضي، أظهرت أن هذا العقار يقلل من مستويات الفيروس المعدي بسرعة.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة “ميرك” روبرت ديفيس هذا الشهر إن الشركة تتوقع بيانات من تجارب المرحلة الثالثة الأكثر شمولية في الأسابيع المقبلة، مع احتمال السعي للحصول على إذن للاستخدام الطارئ من إدارة الغذاء والدواء، قبل نهاية العام.
كما باشرت “فايزر” تجربة المرحلتين 2 و3 من منتجها في الأول من أيلول/سبتمبر، بينما يتوقع مسؤولو “Atea” نتائج من تجارب المرحلتين 2 و3 في وقت لاحق من هذا العام.
وأوضح ديفنباش أنه في حال أتت النتائج إيجابية، وأعطي إذن الاستخدام الطارئ لأي منتج، فإن التوزيع يمكن أن يبدأ بسرعة.
وهذا يعني أن ملايين الأمريكيين سيتمكنون قريبًا من الحصول على دواء يومي يتم تناوله من طريق الفم، بمقدار حبة واحدة لمدة تتراوح بين 5 و10 أيام، بعد التأكد الأولي من الإصابة بفيروس كورونا.
وعادت المنافسة إلى أشدها بحثًا عن الأدوية الفموية المضادة لفيروس كورونا وتمويلها، بعدما تباطأت الجهود البحثية جراء توقف انتشار فيروس “السارس” الأساسي في عام 2003 ، وفيروس متلازمة الشرق الأوسط التنفسية، عام 2012، بحسب ما ذكره شيهان.
وستنضم الأدوية المضادة للفيروسات إلى علاجات الأجسام المضادة أحادية النسيلة، التي تستخدم للعلاج من فيروس كورونا وتجنب التعرّض للمرض الشديد والاستشفاء. وكان في الإمكان تطوير هذا النوع من الأجسام المضادة أحادية النسيلة التي تحاكي استجابة الجسم الطبيعية للعدوى، بسهولة لكنّ علاجها يتمّ من خلال الحقن بالوريد فقط.
ولفت جريفين إلى أن الحبوب المضادة للفيروسات، إسوة بالأجسام المضادة وحيدة النسيلة، لن تكون بديلاً عن اللقاح، بل أداة أخرى لمحاربة الفيروس. مضيفًا أنّه “من الجيد أن يكون لديك خيارًا آخرًا”.
وقالت الدكتورة إليزابيث ديوك، الباحثة المشاركة في شركة “فريد هاتش” التي تُشرف على تجربة “مولنوبيرافير”، إن أبرز العوائق التي تواجه تطوير الأدوية المضادة للفيروسات بسرعة يتمثل بإقناع عددًا كافيًا من الناس في منطقة سياتل، من غير المحصنين للمشاركة في التجارب السريرية خلال خمسة أيام من اختبار كورونا الإيجابي، ذلك أن هذه المرحلة تستوجب مئات من الأشخاص.
وتوقع مسؤولو شركة “ميرك” إنتاج أكثر من 10 ملايين دورة علاجية بحلول نهاية العام، بينما لم تصدر “Atea” و “فايزر” أي معلومات في هذا الشأن