كان يكتب بحد السكين.. الطــيـب مصطفــى..الزفرات الأخيرة

by شوتايم4

وعلى اثر ذبح الثورين انتقد عدد من مناوئيه ذلك المسلك باعتبار أن فصل جزء من البلاد أمر لا ينبغي أن يفرح به بل تنكس له الاعلام، غير أن الطيب مصطفى له رؤية مختلفة فهو يرى ان انفصال الجنوب يصب في صالح استقرار البلاد وبسط الأمن الاجتماعي ومدخل لتحقيق النهضة المنشودة، وينفي أن هناك مظالم تاريخية من الشمال تجاه الجنوب إذ أن أحداث توريت الدامية التي قتل فيها عدد من الشماليين في الجنوب بمن فيهم النساء والاطفال والشيوخ كانت في العام 1955 أي قبل استقلال البلاد مما يعني بأن الشمال لم يكن يبسط يده في سدة الحكم ويرى أن ذلك الغبن التاريخي المتوارث والمتجدد طوال عهود الحكم الوطني تسبب في إعاقة الاستقرار والتنمية واهرق كثير من الدماء وزهق الأرواح البريئة وارتال من المعوقين، كما يرى أن ما اسماه بالتباكي على انفصال الجنوب أمر يستند على العواطف وليس المنطق والوقائع العملية داحضاً حجة أن السودان فقد الموارد البترولية الكبيرة في الجنوب بعد الانفصال ويقول إن وقف الحرب الدائم بعد تقرير حق المصير للجنوبيين يحقق مكاسب اقتصادية أكبر من الموارد المفقودة من الجنوب، كما يرد على المنادين بخيار الحلول السلمية وفق اتفاقات السلام بدلاً من الانفصال ويخلص على أن الحركات المتمردة لن تتوقف في الجنوب مهما كانت كثرت اتفاقات السلام المبرمة معها ولن يتوقف تناسلها طالما هناك تقاطاعات خارجية ومطامع ذاتية من اشعال الحرب ولهذا فإن خيار الانفصال هو الأجدى، وينفي الطيب مصطفى كما يروج الكثيرون بأن دعوته لانفصال الجنوب تنطلق من منطلقات عنصرية وهو أمر يشاركه فيه عدد من الذين تعرفوا عليه عن قرب فهو لم يتفوه بأي كلمة عنصرية حتى في نطاق الاحاديث الجانبية مع اصدقائه.
مصداقية سياسية
يرى كثير من المقربين من الطيب مصطفى أن السمر السياسي الاجتماعي للطيب مصطفى لا ينفصم عن خطابه العام في الليالي السياسية أو في كتاباته الصحفية فهو متصالح مع نفسه ومبادئه التي يؤمن بها وينافح عنها بقوة وان اختلف الكثيرون حولها، مما يشير إلى تطابق الأقوال مع الأفعال لديه .
ويقول بعض الصحفيين الذين عملوا معه في هيئة التحرير إنه كان يقول لهم ( عايزين الجريدة دي تدخلنا الجنة) مما يعني بأن الطيب مصطفى كان متمسكاً بقناعاته الدينية كمبدأ ثابت ولم يكن ميالاً للهتافات الدينية والتهريج عند خطبه السياسية كما درج انصار النظام السابق .
خال الرئيس
بالرغم من أن الطيب مصطفى يمت للرئيس المخلوع عمر البشير بصلة القرابة ( خال) ولكن ليس من جهة الأم بيد أنه لم يكن يدافع عنه إلا عندما ادرجت المحكمة الجنائية اسمه في القائمة السوداء كرئيس مسؤول عن الانتهاكات التي جرت في دارفور حيث كان يرى أن المحكمة بحسب رأيه سياسية وتريد النيل من الاسلام .
كما لم يعمل على الحد من الاراء الناقدة ضد النظام في صحيفة «الانتباهة» التي يترأس مجلس ادارتها وأحد مؤسسيها، كذلك لم يمنع التحقيقات الصحفية المتعلقة بالفساد التي تعري النظام، بل ان في عهده اوقفت الصحيفة أكثر من مرة وعلق صدورها أكثر من شهر في أحد الأيام بقرار فوقي من الرئيس إلى أجل غير مسمى، لكنه رفض آنذاك مقابلة الرئيس لاستجدائه لعودة الصحيفة وقيل إنه قابل الرئيس صدفة في المناسبات الاجتماعية بعد ايقاف الصحيفة لكنه تجنب مصافحته .
معركة ضد شقيق الرئيس
عندما أنشأ الطيب مصطفى صحيفة (الصيحة) قبل سنوات عقب خروجه من صحيفة «الانتباهة» حرص على ان يجعل خطها التحريري يتسم بالجرأة وعدم محاباة السلطة لكنه كان حريصاً على المعايير الدينية والاخلاقية المحافظة في التناول الصحفي والمواد المنشورة، وفي تلك الفترة نشرت الصحيفة تحقيقات صحفية جريئة عن الفساد، بل روجت ذات يوم لتحقيق صحفي ينشر لاحقاً عن فساد أحد أشقاء الرئيس المخلوع البشير والذي عندما اطلع على الترويج سارع بالاتصال بالطيب مصطفى محتجاً وطالب بوقف النشر بيد أن الطيب رفض الاستجابة وقال له يمكنك أن تدلي برأيك حول ما جاء في التحقيق الصحفي وسنقوم بنشره كاملاً لكنه لم يوافق على الادلاء بأقواله للصحيفة الأمر الذي دعا الصحيفة لنشر التحقيق متجاهلة رد فعله .
غير أنه بعد فترة قصيرة اقتحمت قوات أمن النظام مبنى الصحيفة ليلاً وقامت بأخذ كل المستندات المتعلقة بالفساد الذي كانت تنوي الصحيفة نشرها في أيام قادمات .
ولم تلبث السلطات أن أوقفت الصحيفة وعلقت صدورها ولم تطلق سراحها إلا بعد فترة غير أن الطيب مصطفى لم يتراجع عن خط الصحيفة المصادم الأمر الذي عرّض الصحيفة للمصادرة بعد الطبع عدة مرات مما عرضها لخسائر فادحة اجبرت لاحقاً ناشرها الطيب مصطفى على بيعها لملاك جدد غيروا خطها السياسي ربما رأساً على عقب .
بغض للشيوعية
عرف الطيب مصطفى ببغضه الشديد للأيدلوجية الشيوعية باعتبارها بحسب مفهومه تتناقض مع الدين حتى في بعدها غير المادي حتى إنه عندما كان مديراً للتلفزيون القومي منع متعاونة تعمل مقدمة في برنامج مجلة المساء بدخول التلفزيون حتى دون اخطارها بالقرار وذلك على اثر تقرير كتبه أحد العاملين في التلفزيون والذي كان يتبع في فترة سابقة لإحدى القوات النظامية حيث ذكر فيه ان الفتاة الشابة عندما كانت تدرس بجامعة الخرطوم كانت تتابع أركان النقاش التابعة للحزب الشيوعي بالجامعة، غير ان الفتاة ذهبت إلى أمين حسن عمر الذي كان وقتها وزير الدولة للاعلام فجاء إلى التلفزيون واقنع الطيب مصطفى بمراجعة القرار وقال له ( يعني شنو حتى لو كانت شيوعية انا ذاتي كنت شيوعي ) فسمح لها بمواصلة تدريبها في التلفزيون .
كما هم ذات يوم بفصل صحفي عندما اطلعه مجهول بأن الصحفي ينتمي للحزب الشيوعي ربما يإيعاز من أمن النظام لأنهم يدركون مدى بغضه للشيوعية ويدركون كذلك اندفاعه الشديد في بعض المواقف دون التثبت لكنه ادرك لاحقاً عدم صحة الحديث المنقول بل قام بزيادة راتب الصحفي وترفيعه لاحقاً في الهيكل الصحفي .
توقف الزفرات
في يوم الأحد السادس عشر من شهر مايو الحالي توقف قلب الطيب مصطفى عن العمل وتوقفت زفراته الحرى للأبد التي ظل يطلقها عبر عموده بصحيفة «الانتباهة» يومياً منذ انشائها في العام 2006 حيث كان يكتبه بحد السكين وبوقع طلقات الرصاص وفي ذلك اليوم الحزين زفر زفرته الأخيرة وودع بها حياته التي امتدت إلى سبع وسبعين عاماً انفق ربعها تقريباً في معتركات السياسية وصفحات الصحف وظلت تشكل رقماً مهماً في التاريخ الصحفي والسياسي وإن اختلفنا مع طرحه .
رحل بهدوء في ذلك اليوم دون أن ينعيه وزير الثقافة أو مدير التفزيون رغم انه كان مديراً لهذا الجهاز كما لم تنعه وزارة الاتصالات رغم انه كان مديراً للهيئة وشمت في موته بعض السياسيين والمدونين في الشبكة العنكوبتية واتهموه بأنه كان يدعو لتقويض النظام مع أن العديد من السياسيين والنافذين كان مسلكهم اكثر خطورة وسفوراً على الفترة الانتقالية كلها ومع ذلك كانوا في منأى عن الاعتقال والتعنيف اللفظي .
الطيب مصطفى في سطور
درس الطيب مصطفي هندسة الاتصالات بمعهد السودان للتكنولوجيا سابقاً ثم درس بجامعة الخرطوم لكن بعيداً عن هذا التخصص ثم عمل في الامارات العربية وعاد بعد انقلاب الجبهة الاسلامية ليتولى منصب مدير التلفزيون ثم مديراً للاتصالات لكنه اختلف مع الوزير وقدم استقالته، وعقب توقيع اتفاقية نيفاشا أنشأ مع آخرين منبر السلام العادل للترويج لانفصال الجنوب، ثم أنشأ الكيان الجديد صحيفة «الانتباهة» كمنبر له قبل أن تحدث بعض التطورات الادارية ادت إلى خروج المنبر من كنف الصحيفة ليتحول الطيب مصطفى كناشر لصحيفة ( الصيحة) وبعد أن قام ببيعها لاحقاً ظل كاتباً متعاوناً مع صحيفة «الانتباهة» حتى وفاته أول أمس متأثراً بإصابته بمرض الكورونا .

الانتباهة

Leave a Comment

واحد × 1 =