(1)
اعترف اننا دخلنا على الصحافة في زمن تعتبر فيه الكتابة عن الايجابيات (منقصة)، والاعتراف بالفضل (ضعف)، والوقوف عند المحاسن (عيب) – اذ لا زلنا نعتبر الثناء والإشادة (كسير ثلج) هكذا ورثونا لها – هناك من ثبّت هذا المفهوم عند الناس، حتى اصبحنا نتحاشى حتى الشهادة بالحق في بعض الظواهر الجميلة والمشرقة والتي تستحق ان نقف عندها.
اعترف اننا كزملاء في الاعلام، وفي العمل الصحفي على وجه الخصوص نادراً ما نكتب عن محاسن بعضنا البعض ولا نذكرها إلّا بعد الموت.
في ظل هذه العتمة– من حين لآخر دعونا نكفر عن بعض ما نكتب ونذهب نحو الاتجاه الايجابي وما اكثر الامور الايجابية والنجاحات الكبيرة عند الكثير من الزملاء الذين يجب ان نقف عندهم وان نشد على أزرهم، لا سيما وان اهل النجاح قد يلاحقهم الحسد والحقد وهم قد يكونوا في حاجة للدعم مثل الذين يخفقوا او يفشلوا فيحتاجوا الى المساندة والدعم ليتجاوزوا مرحلة الاخفاق بشيء من النجاح.
سوف اكتب عن بعض الاسماء والنماذج في مجال الصحافة والتي وجدت الجرأة في ان اتجاوز مرحلة الاشادة بها سراً الى الكتابة عنها علناً.
(2)
هيام تاج السر.
انتظرت كثيراً كي اجد كتابات وتكريمات واستضافات على مستوى الفضائيات والاذاعات للزميلة هيام تاج السر – صاحبة تجربة الكفاح الصحفي الطويل، وهي تفوز بجائزة (دولية) على مستوى العالم وتحقق نصراً للسودان قبل ان يكون نصراً لها بعد فوز تحقيقها الصحفي المصور عن فساد المدينة الرياضية.
هيام تاج السر ظلت في (مضمار) السبق الصحفي الدائم تحقق الميدالية الذهبية او الخبرية الاولى – ثابرت واجتهدت وعملت في صمت ولم تتوقف مع كل الظروف والضغوطات من اجل ان تقدم خدمة صحفية متميزة.
كنت ألحظ هيام وهي تلاحق الاخبار والمسابقات في الملاعب والاندية والمطارات (وسط الرياح تحت المطر) في اناء الليل واطراف النهار بجهد ومشقة – سعدت بجائزة هيام تاج السر واسعدني فوزها (العالمي) هذا حتى تثبت لكل الناس ان لكل مجتهد نصيب وان التقدير والانصاف ان لم تجده في وطنك يمكن ان تجده في الخارج من مجتمعات اكثر انصافاً وتقديراً للعطاء والإبداع والعمل.
لقد احسنوا تقديرها وتقييمها عندما لم نحسن نحن ذلك.
اتمنى ان تلتفت وزارة الاعلام والثقافة لهذا الفوز الذي حقق للسودان وليس لهيام تاج السر، وان يقدموا لها (الشكر) وهي ترفع اسم السودان في الخارج.
وزير الاعلام حمزة بلول انت صحفي يفترض ان تكون اكثر من يشعر بذلك (الفخر) – فهو شيء محسوب للصحافة السودانية.
(2)
الطاهر ساتي.
يمكن ان تختلف مع الاستاذ طاهر ساتي ويمكن ان تحتد في الاختلاف معه – لكن يظل قلبه الكبير يسع كل شيء دون ملل او ضجر.
ساتي قلبه بـ (32) بوابة رئيسية مثل استاد القاهرة الدولي.
قدم الطاهر ساتي تجربة (ممتازة) في صحيفة (الصيحة) وابقى الصحيفة على مسافة واحدة من الجميع رغم ان الصحيفة ذات انتماء فكري وأيدلوجي معروف – لكن الطاهر ساتي في فترة وجيزة استطاع ان يخرجها من هذا الانتماء وهو يقدم (صحيفة) تتميز بالمهنية وتحقق النجاح وتحجز موقعاً صدارياً بين الصحف.
يبدو ان مهنية الطاهر ساتي واستقلالية الصحيفة في فترة ادارته للصحيفة تحريرياً كانت سبباً في ان يترجل من رئاسة تحرير الصحيفة. ..الخطوط المستقيمة دائماً اكثر (تقاطعات) من غيرها.
هم لم يحتملوا منه ذلك.
للطاهر ساتي تجربة ناجحة ومميزة اخرى عندما كان رئيساً لتحرير صحيفة (الحقيقة) التي خلق منها بصمة ما زالت باقية رغم توقف الصحيفة بعد ايام قليلة من تاريخ الصدور.
(3)
شمائل النور.
هي من الاقلام النسائية القوية– والتي تفوقت على اقلام الرجال في الكثير من الجوانب من حيث القوة والشجاعة والشفافية والوضوح.
شمائل النور فوق قدرتها العجيبة على التقاط المواضيع والكتابة عنها بمشرط (مهني) بديع، وسلاسة بالغة، وفكرة عميق بدون بنج موضعي هي منتج صحفي للأفكار والرؤى، عرفت عنها ذلك من قرب بعد ان كنت اتابع كتاباتها من بعد.
دون هذا فهي صحفية صاحبة (موقف) – لا تكتب لمجرد الكتابة والعمل، وإنما تكتب من اجل القضية والموقف والفكرة والوطن.
قضيتها ليست في (أكل العيش).
عروض كثيرة وكبيرة يسيل لها اللعاب قدمت لشمائل النور في الفترة الاخيرة وقد كنت شاهداً على جزء منها – رفضتها شمائل النور كلها لأنها ترفض الكتابة في صحيفة لا تتوافق مع قناعاتها الشخصية.
حزين أنا ألا اطالع في كل صباح (العصب السابع) لشمائل النور في صحفنا السودانية، وقد كان لشمائل النور بكتاباتها دور عظيم في ثورة ديسمبر المجيدة وفي نجاحها.
غريب ان تكتب شمائل النور في زمن تكميم الافواه والاستبداد والقمع بقوة وتقابل ذلك بصبر وجلد وايقافات ونيابات ومطاردات وترهيب، وتبتعد في زمن نقول فيه (زمن الدسدسة والغتغتة انتهى)، لتحشد الصحف باقلام لا علاقة لها بالثورة.
كل يوم يمر على الصحافة السودانية دون (العصب السابع) يبقى خسارة على الصحافة السودانية والتي مازالت تتخبط في ضلالها القديم.
(4)
اقلام النور ورهان المستقبل.
سوف اظل احمل في دواخلي بقعة ضوء تمور بالامل والحياة والتفاؤل والرهان على المستقبل القريب.
سأظل احمل لهم شيئاً من الجميل– فقد تعلمت منهم الكثير وهم مثل طل الندى في صباحات ممطرة.
الاعلام الحر والسودان الجديد اراهن فيه على هؤلاء الشباب الذين يمثلون عندي فلق الصباح.
هؤلاء الشباب ترقبوهم وتوقعوا منهم الكثير – هم (وديعتنا) في مستقبل الاعلام المستقل والمهني.
احددهم بالاسم – صبري جبور-سفيان نورين- علاءالدين موسى– علي فارساب – محمد ابراهيم قرقوري- محمد الجزولي – احمد النظيف– امتنان الرضي– ساجدة دفع الله– رباب الامين.
هذه الاسماء كفيلة بان تضعنا في الجانب المشرق من الاعلام.
ترقبوهم زرافات او وحدانا.. فاني مفاخر بهم الصحف.
اخرون سوف اكتب عنهم في غد اكثر اشراقاً من بينهم الصحفي محمد البشاري – ذلك الكتلة الملتهبة من العفاف والنقاء والطهر… والحيبب معاوية الجاك الذي يعلو بجراحاته… والعشاي ابراهيم ومحمد ادروب (وقف الكلام) واخرين.
ولا اقول لهم اكثر مما قال صلاح احمد ابراهيم :
في غدٍ يعرف عنّا القادمون
أيَّ حُبٍ قد حَمَلْناه لَهُمْ
في غدٍ يحسبُ منهم حاسبون
كم أيادٍ أُسلفت منا لهم
في غدٍ يحكون عن أنّاتنا
وعن الآلام في أبياتنا
وعن الجُرحِ الذي غنّى لهم
كل جُرحٍ في حنايانا يهون
حين يغدو رايةً تبدو لهمْ
جُرحُنا دامٍ، ونحن الصابرون
حزننا داوٍ ونحن الصامتون
(5)
بغم /
الصحافة السودانية جديرة بالاحتفاء والافتخار بها.
لا اعتقد ان هناك فخراً وإعزازاً اكثر من ان تسأل عن المهنة فتقول برأس مرفوع: (صحفي)– ليس هناك في الوجود اجمل من ذلك.
الانتباهة