سخر المواطنون من عبارة (صيف بلا قطوعات) التي تطلقها هيئتا المياه والكهرباء كل عام، واستنكروا القطوعات المتكررة للمياه التي دخلت شهرها الثاني في بعض من المناطق بالعاصمة خاصة منطقة ابو سعد مربع (١٦) الشقلة، وافادنا المواطنون بأنهم يقيمون الليل في انتظار المياه موجهين انتقادات لاذعة لاداء الهيئة القومية للمياه، وانطبق هذا المثل تماماً على مواطني ولاية الخرطوم (عطشان والبحر جنبك) وبعض منهم يقول: (نعاني نشاف الريق ونسهر الليالي للحصول على قطرة مياه)، ووجهوا انتقاداً حاداً للحكومة لعدم تطبيق شعار الثورة (حرية سلام وعدالة) في إشارة لعدم رفع المعاناة عن كاهل المواطن. وقالوا ان الحكومة حريصة على تحصيل الرسوم وعاجزة عن توفير خدمة الإمداد المائي التي يستحيل العيش بدونها.
إغلاق الأنابيب
وفي ظل انقطاع المياه لأكثر من شهرين بمنطقتي الفتيحاب والصالحة وارتفعت وتيرة الاحتجاجات وصعد المواطنون احتجاجاتهم، وقف مدير هيئة المياه على المحطة ليجد الاكتشاف الصادم بأن خطوط انابيب المياه التي تُغذّي احياءهم تم سدّها بالخرصانة.
سعر برميل المياه
وارتفعت نبرة المواطنين من شدة الغضب لعدم استجابة الجهات المختصة لمعالجة المشكلة التى استمرت اكثر من شهرين وصعوبة توفر مياه الشرب والاستخدامات الأخرى ، وبدأت الأزمة في استفحال في غضون شهر رمضان، ووردت شكاوى مواطني منطقة ابو سعد مربع (16) غرب، وامتدت الأزمة لأكثر من يوم وصعوبة في الحصول عليها. وأكد عدد من المواطنين في حديثهم لـ (الإنتباهة) امس انه بالرغم من استخدام البعض موتورات باغلب المنازل لسحب المياه الا انها استعصت عليهم.
وشهدت المنطقة اصطفافاً وتزاحماً لعدد كبير من المواطنين بحثاً عن المياه في الأماكن التي تتوفر فيها، وسردت المواطنة إخلاص بمنطقة المربعات معاناتهم في شراء المياه، حيث ارتفع سعر البرميل من (١٥٠٠) الى (2000)، وقالت: (ان المشكلة بدأت منذ بداية شهر مارس، وكمواطنين ومواطنات ذهبنا للهيئة العامة للمياه مرتين ووعدوا بحل المشكلة، لكن حتى الآن لم تحل وجزء كبير من سكان الحي ما عندهم مياه لاكثر من شهرين، مع العلم انه بندفع فاتورة المياه شهرياً بدون ايفاء بوجود خدمة المياه، وعلماً بأن فاتورة المياه تتراوح بين (١٠٠٠ ــ ٢٠0٠) جنيه في الشهر وما في مويه وبنشتري مويه يومياً من الكارو بـ (١٥٠٠) جنيه الى (١٨٠٠) جنيه، وحالياً بـ (٢٠٠٠) جنيه، واجمع المواطنون وقالوا: ( قروشنا كملت من شراء الموية).
تخاذل
واستنكر عدد من الموطنين ازمة المياه وقالوا لـ (الانتباهة) ان المهلة التي حددها المدير العام لهيئة مياه الخرطوم كانت بناءً على معالجة الأنبوب المغذي للشبكة من بئر مربع (26)، الأمر الذي لم يتم حتى الآن، وهناك تلكؤ وتخاذل واضح من إدارة مياه ام درمان ومكتب مياه ابو سعد في هذا الصدد، وبالتالي أصبح لا بد من الاستعداد لمقابلة مدير مياه ام درمان مقابلة حاسمة وعملية, واللجوء للقضاء مباشرة في حال لم تكن الاستجابة فورية وعاجلة.
وبعض منهم قال احتمال تكون شجرة (المؤتمر الوطني) قفلت الشبكة المغذية للمنطقة الوسط، لجهة ان المياه منسابة في عدة جهات عدا مربع (16).
(بغشونا ساي)
وشكت امل حسن من المعاناة قائلة: (اشكالنا في الشارع، والجرادل والخراطيش الموصلة من مسافات بعيدة أمر محزن جداً) وأردفت: (حتى أصحاب الكوارو يتمنون في الأسعار ويقفلون الموبايلات).
وأكدت عدم قناعتها بالحل وأضافت: (بيغشونا ساي) لجهة ان الأزمة استمرت لأكثر من شهرين دون اي تدخل من الجهات المختصة، وأردفت: (أزمة الغلاء عرفناها وهذه مقدور عليها، لكن أزمة العطش صعب جداً، وهددت بتصعيد الامر ونشر معاناتهم في كل القنوات لعدم وجود حل لمشكلتهم.
معاناة قاسية
وقطع عضو لجنة الخدمات بمربع (16) وليد بابكر محمد باستمرار المعاناة ما قبل فترة الصيف، وقال لـ (الانتباهة): (بسبب عشوائية الشبكة وتم عمل إحلال في مناطق كثيرة لشبكاتها ما عدا مربع (١٦). وجزم قائلاً: (لكن الصيف الحالي الازمة اشد بسبب خروج آبار ومحطة ضخ ود البشير من الخدمة، والمفترض تتم صيانتها في الشتاء استعداداً للصيف، وتم التحرك فيها بعد ذهابنا للمدير العام للهيئة، وكنا نظن في بداية الامر ان الازمة عامة بسبب عدم استقرار الامداد الكهربائي لمصادر المياه، ومن خلال متابعتنا للملف اتضح ان مشكلتنا مشكلة خاصة). وتساءل وليد قائلاً: (هل المصادر القديمة كافية لتغطية التمدد والكثافة السكانية؟ وهل توجد عمليات مقصودة من قفل بلوفة او فتحها بنسبة قليلة وتوجيه المياه لمناطق دون الاخرى، وكمية المياه القادمة من محطة المقرن لام درمان غرب كافية لتغطية العجز المائي بالمنطقة)، مبيناً ان الحلول المفروض تتم عمل إحلال لشبكة مربع (١٦) كبقية المربعات،
وحفر بئر او اكثر في المربعات لتغطية التعداد السكاني المتزايد في المربعات، وصيانة محطة ضخ ود البشير وإعادتها للخدمة، والحلول على المدى البعيد هي إنشاء محطة ابو سعد النيلية التي ستسهم في حل مشكلة المياه بامدرمان جنوب وغرب).
عربات الكارو
أزمة عطش حادة ضربت مناطق عديدة مع دخول فصل الصيف، ونجد ان أزمة قطوعات المياه المتجددة في بعض المناطق من العاصمة المثلثة، وجأر العديد من المواطنين بالشكوى من قطوعات المياه لايام ممتدة واضطرارهم لشرائها من عربات (الكارو) التي تجوب شوارع العاصمة وايضا في عدد من الولايات المختلفة.
وكشفت جولة (الانتباهة) عن حجم ازمة انقطاع المياه بوسط الخرطوم وبعض المناطق الطرفية، وطالب عدد من المتأثرين بالقطوعات الجهات المختصة بوضع حلول جذرية تقتضي استمرارية الامداد المائي والكهربائي.
سوق المياه
وقد شهدت مناطق الشقلة الواقعة جنوب مدينة أبو سعد بمحلية أم درمان موجة عطش بدأت منذ العام الماضي، واصبحت ربات المنازل يقضين كل اليوم في الركض وراء اصحاب الكارو للحصول على برميل مياه، وفي بعض الأحيان يباع في السوق الاسود كالدولار بـ (١٥٠٠) جنيه بحجة جلب المياه من أماكن بعيدة.
وأكدت المواطنة ندى احمد بمنطقة الشقلة غرب، انقطاع المياه بالمنطقة لأكثر من عام، وطالبت الهيئة بالتدخل السريع لإيجاد حلول جذرية للمشكلة لأنهم يصرفون للحصول على الماء مبالغ ضخمة أثرت في ميزانية الأسر واغلب سكان المنطقة من اصحاب الدخل المحدود، وأضافت قائلة: (ان سعر برميل المياه الآن من الكارو الفا جنيه ويتم استخدامه لغسل الملابس والاستحمام، بل نعتمد على شراء مياه الصحة للشرب، ونحن نعاني نشاف الريق قبل شهر رمضان المعظم، ونسهر الليالي للحصول على قطرة مياه)، وتساءلت قائلة: (لماذا لم تترجم الحكومة شعار الثورة (حرية سلام وعدالة)، وبالرغم من مضى اكثر من عامين على سقوط النظام مازال المواطن يعيش معاناة حادة للحصول على ضروريات الحياة من صحة وتعليم ومياه شرب، وأصبحنا نحلم بالحصول على جرعة ماء) ونوهت باتجاه كثير من الأسر لبيع منازلهم والذهاب لمناطق أخرى تتوفر فيها مياه.
سهر من أجل الماء
وقالت المواطنة زينب آدم: (إن انعدام المياه أصبح مشكلة متكررة بالمنطقة، وأصبح السهر حتى الساعات الأولى من الصباح ديدن السكان من أجل الحصول على الماء، وأحياناً لا تأتي ليلاً بسبب انقطاع التيار الكهربائي، أما بالنهار فلا يفكر أحد فيها مجرد التفكير)، ولماذا تحرص الحكومة على تحصيل الرسوم وتعجز عن توفير خدمة الإمداد التي يستحيل العيش بدونها).
وأبلغ مواطنو منطقة (المربعات) ان القطوعات لأكثر من شهرين وزادت مع ارتفاع درجات الحرارة، ومنذ بداية شهر رمضان يعانون من نضوب المياه في منازلهم.
وقالت المواطنة سلوى انهن يلجأن الى البيوت التي بها مواسير بعمق اكبر في الارض لجلب المياه منها، وتوجد فيها الصفوف الطويلة من الجيران فيفقد الزمن، واضافت قائلة: (اصبحنا نشتري برميل الماء بواقع (١٨٠٠) جنيه وهو غير متوفر، وازمة المياه اجبرتنا على ترشيد الاستهلاك والاستغناء عن مكيفات التبريد على الرغم من ارتفاع درجات الحرارة الى اكثر من (٤٣) درجة هذه الايام، وعلى الرغم من الاوضاع القاسية التي يعيشها المواطن الا انه يسدد رسوم المياه المدمجة مع فاتورة الدفع المقدم للكهرباء).
فيما أكدت المواطنة من منطقة شمبات احلام متوكل انقطاع الامداد المائي طوال الفترة النهارية وتأتي بعد منتصف الليل، ويستطيع من يملك موتوراً سحب المياه وملء الخزانات (الصهاريج) والبراميل، واحياناً تكون في غاية الصعوبة مما يضطرهم للسهر لملء البراميل.
وامتدت ازمة المياه الى احياء الريف الجنوبي بمنطقة صالحة، وشكا المواطن مصطفى من انقطاع المياه لفترة طويلة ولا يعلمون ما هي الاسباب، واوضح قائلاً: (ان منظر صفوف المياه اصبح مألوفاً لدينا، وتعودنا على ذلك، ويذهب الكثيرون للتزود من المرافق العامة التي تقع بالقرب من المنطقة).
محطات قديمة
وبالمقابل اعترفت هيئة مياه ولاية الخرطوم بوجود ازمة عطش طاحنة في مناطق لم تعرف العطش من قبل بالعاصمة، خاصة التي تعتمد على المحطات النيلية، وارجعت ذلك الى قدم المحطات وعدم مواكبتها للتوسع الافقي والرأسي.
وكشف مدير هيئة المياه بولاية الخرطوم مأمون عوض حسن عن خطة اسعافية تشمل التدخل العاجل بالتناكر، وذلك بتكوين لجنة فنية من جهات مختصة بصورة عاجلة تتولى توزيع المياه في مناطق العطش، وأردف قائلاً: (لا ننتبه للازمة الا بعد حدوثها، وتنظيف البيت يوم الوقفة) .واتهم مأمون جهات لم يسمها بقفل البلف بمنطقة ود البشير، وقال: (في ظل شح المياه كثر أصحاب المصالح (بائعو المياه بعض موظفي الهيئة)، وقد تكون هنالك أهداف سياسية لقفل البلف)، مشيراً للاتفاق مع مديري المحليات السبع للتنسيق مع لجان الخدمات لمراقبة المحطات والخطوط منعاً لتكرار ما حدث، مبيناً ان الهيئة استعانت بمهندس معاش لمعرفة خطوط توصيلات المياه القديمة، واعلن عن اتجاه للاستعانة بالمعاشيين وقدامى العاملين بالهيئة لمعرفة الخطوط القديمة، وزاد قائلاً: (ما كل الناس عارفين البلوفة مكانها وين)، وقال ان الاستعانة بالمعاشيين مهمة للمصلحة العامة .
وحمل مأمون الحكومة مسؤولية الازمة قائلاً: (لا بد من التخطيط والتنفيذ، وان هذه الازمة متوارثة لاعوام، ولكنها تمضي للاسوأ).
واكد في تنوير صحفي امس ان تغطية حاجة الولاية تتطلب انتاج (١.٥) مليون متر معكب لسد الفجوة، وذلك بانشاء ثلاث محطات نيلية الصالحة، المرحلة الثانية من سوبا وام دوم، وحذر قائلاً: (حال عدم تنفيذ تلك المحطات ستعيش الخرطوم في عطش)، مقراً بوجود تعقيدات مالية تسببت في تأخر انشاء المحطات، واضاف ان خطوة بنك السودان المركزي بايقاف الضمانات المالية للمشروعات الحكومية شكلت عائقاً في تنفيذ المحطات الثلاث.
ووعد مأمون بحل هذه الازمة في غضون ثلاثة اسابيع، من خلال اكمال الصيانة لمحطة المقرن باضافة (١٨) الف متر مكعب، وإعادة تشغيل محطة بري بنحو (١٢) الف متر مكعب، بجانب ادخال (٢٥) بئراً تدريجياً لتضيف (٥٣) الف متر مكعب يومياً، وستكون الاولوية حسب مناطق العطش، مبيناً ان انتاجية المياه في الخرطوم اكثر (٨٣٣) الف متر مكعب يومياً، ويتوقع ان تصل الى (٩١٢) الف متر مكعب بنهاية ابربل الحالي.
وقال مأمون ان الحاجة الفعلية للمياه بالخرطوم اكثر من (٢.٧٠٦) مليون متر مكعب يومياً بينما المتوفر حالياً (١.٨١٩) مليون متر مكعب، مشيراً الى ان ولاية الخرطوم رصدت مبلغ (٦٥٠) مليون جنيه لحل مشكلة العطش بالولاية، مؤكداً توفر نصف المبلغ حالياً، مبيناً ان الفجوة في الوقت الراهن فوق المليون ونصف المليون متر مكعب تزيد وتنقص مع عمل المحطات, واشار الى الجهود المبذولة لتأهيل الشبكات والخطوط القديمة وبعضها محرمة دولياً مثل الاسبستوس في المدن الثلاث، مشيراً الى ان الصيانات سوف تسهم في زيادة الانتاجية، كاشفاً عن ان صيانة الخط الناقل للمقرن ستزيد (18) الف متر مكعب، الى جانب (12) الف متر مكعب من محطة بري و (15) الف متر مكعب من محطة بحري بعد تأهيل المحطات، الى جانب إدخال (25) بئرا جديدة، وقال ان الاولوية سوف تكون للمناطق أكثر عطشاً, واشار الى التنسيق مع المديرين التنفيذيين بالمحليات ولجان الخدمات والتغيير لعمل مراجعات للخطوط، ونبه الى التحوطات المبكرة للملء الثاني لسد النهضة من خلال المتابعة اليومية عبر اللجنة المكونة لذلك لتفادي انحسار النيل من محطات المياه.
وكشف مأمون عن ان إنتاج محطة سوبا يبلغ (100) الف متر مكعب من المياه، وارتفع الى (110) آلاف بعد الإضافة، فيما تنتج محطة المقرن (108) آلاف متر مكعب من جملة (135) الف متر مكعب، ومحطة جبل اولياء (98) الف متر مكعب، ومحطة شمال بحري تنتج (40) الف متر مكعب من جملة (50) الف متر مكعب، ومحطة ام كتي تنتج (500) متر مكعب من جملة (1200) متر مكعب، ومحطة الصالحة تنتج (28) الف متر مكعب من المياه من جملة (30) الف متر مكعب، ومحطة الجريف (11.5) آلاف متر مكعب من جملة (15) الف متر مكعب . وجزم بأن الهيئة ظلت تعاني من نقص وارتفاع اسعار الوقود منذ العام الماضي مما يتسبب في العجز عن تغطية المناطق البعيدة عن الشبكة، كما توجد مشكلات إدارية ومشكلات مالية ومحطات خارج الخدمة، وقال ان التعرفة لا تمكن من تنفيذ العمل على الوجه الأكمل، موضحاً ان الهيئة تنسق بشكل مستمر مع وزارة الري ويصلها تقرير يومي عن حالة المناسيب، مشيراً الى وجود مشروع إسعافي لوقف تدهور قطاع المياه الذي قال ان وضعه مستمر في التدهور عاماً بعد الآخر، لافتاً إلى ان الحلول الآنية تشمل تطوير وإنشاء محطات نيلية، والتفكير المستقبلي في كيفية توفير المياه وجعل الإمداد مستقراً بالتوازي مع التوقعات بتزايد حجم الاستهلاك حسب النمو السكاني وتوقع دخول مشتركين جدد .
الانتباهة