قبل أن تسترد الجنينة حاضرة ولاية غرب دارفور أنفاسها في اعقاب الدمار الذي لحق بها في الايام الماضية جراء تجدد الصراعات القبلية، اشتعلت بالمقابل أمس الأول ولايتا جنوب وشمال دارفور، للحد الذي تم على إثره إعلان حالة الطوارئ في الاخيرة، في وقت يتطلع فيه السكان إلى استقرار دائم بموجب اتفاق السلام، مما يثير عدداً من التساؤلات حول استعصاء دارفور على السلام؟ فما هي العلاجات الناجعة لتطبيب هذا الإقليم المنكوب؟ لماذا كلما هدأت إحدى ولاياته اشتعلت الأخرى؟
مخطط
على الرغم من أن الاحداث التي وقعت بكل من ولايتي شمال وجنوب دارفور أمس الأول منددة بالأوضاع الاقتصادية وتردي الخدمات، الا انه وبالنظر لمجريات الأحداث، فإن ثمة مخططاً الغرض منه الإبقاء على هذا الإقليم بالصورة التي عليه لاسباب عدة. وفي حين أن السيناريو الذي بات متوقعاً لدى عامة الشعب هو الإبقاء على هذا الإشعال تمهيداً لانقسامه أسوة بالجنوب، الا ان خبراء يستبعدون حدوث ذلك، سيما في هذا التوقيت من المرحلة الانتقالية. ويرى الخبراء أن الحكومة لا تحمل تفويضاً شرعياً يخول لها فعل ذلك، وأن كانت تحمل فإن التبعات التي جنتها البلاد من تقسيم الجنوب، تجعل أي حاكم يفكر كثيراً قبل الإقدام على مثل هذه الخطوة.
لكن بالمقابل يرى المحلل السياسي نصر الدين أبو بكر، أن الأمر يمضي في اتجاه التقسيم، خاصة في هذه المرحلة الانتقالية التي تتسم بالهشاشة.
ويعتبر نصر الدين في حديثه لـ (الإنتباهة) أن أفضل وقت لاسرائيل والدول الغربية لتنفيذ مخططاتها المرحلة الانتقالية التي يشهدها السودان، والصراع بين المكونات الحاكمة، والتي ترى في الغرب المخرج لها من عنق الزجاجة التي تعيشها، وتسعى لتنفيذ كل متطلباتها.
وقال: (هناك انقسامات واضحة داخل الحكومة ولكل منها تحالفات وتيارات مختلفة، وهذا يقود بشكل كبير لتقسيم الاقليم في ظل الهشاشة والتنازع). واكمل قائلاً: (بعض أبناء دارفور من قادة الحركات يلعبون دوراً كبيراً في ما يحدث، وهذا من خلال النظر للصراعات والحرائق بالإقليم مكتوفي الأيدي).
مخطط مستتر
وهنا سيناريو أو مخطط آخر، يراد من خلاله الإبقاء على إقليم دافور بالصورة التي عليه. وهذا السيناريو وفق مصادر (الإنتباهة) هو استبدال الولاة المدنيين بعسكريين، وذلك لاعتبارات حساسية الاقليم الذي يتطلب حسم وصرامة مع الأحداث، وبالنظر لتصريحات والي غرب دارفور محمد عبد الله الدومة، عقب أحداث الجنينة الأخيرة، بطلبه تعزيزات عسكرية لكنها لم تصله، يتأكد ذلك. ويرى البعض من خلال التظاهرات التي اندلعت بالفاشر أمس الأول، وتعدت حدود الاحتجاج السلمي إلى محاولة حرق منزل الوالي محمد حسن عربي، فإن الصورة تمضي في اتجاه تعيين ولاة عسكريين، وذلك أيضاً بجانب الحريق الذي قضى على أجزاءً واسعة من مدينة قريضة بجنوب دارفور، والاحتجاجات التي اندلعت في نيالا تنديداً بانقطاع الكهرباء والمياه وزيادة تعرفة المواصلات.
وبحسب الخبير الأمني اللواء حنفي عبد الله، فإن المناطق ذات الحساسية العالية يجب أن يكون على رأسها والٍ مدني بخلفية عسكرية.
ويقول حنفي لـ (الإنتباهة) إن الأمر لا تتم قراءته في خانة التقليل من المدنيين، ولكن وفق التجارب فإن هشاشة الوضع تتطلب ذلك، لأن الخلفية العسكرية لديها باع في التعامل مع الاحداث.
ويتابع قائلاً: (في حالة المناطق الملتهبة مثل دارفور قبل تعيين الوالي يجب أن يتم تعيين قوة أمنية ضاربة لحفظ الأمن في المنطقة)، ويكمل قائلاً: (وعلى الرغم من كل شيء يظل الجانب المهم جمع السلاح بصورة نهائية وضوابط حاسمة، لأن السلاح الحقيقي مخبأ في المنازل).
إبقاء اليوناميد
توقيتات الاشتعال الدامي في إقليم دارفور من وقت لآخر، بعد أن بدأ يشهد استقراراً في أعقاب توقف الحرب، مما جعل السودان ينتقل من الفصل السابع إلى السادس الذي يحتم خروج قوات حفظ الأمن والسلام (يوناميد) والانتقال لخانة السند السياسي من الأمم المتحدة، تجعل أصابع الاتهام توجه لبعض الحركات المسلحة وعلى رأسها حركة جيش تحرير السودان عبد الواحد محمد نور التي ترفض خروج اليوناميد من السودان الذي كان مقرراً له الأول من يناير. وبحسب مراقبين فإن أيادٍ خفية تقف وراء الأحداث والغرض منها الإبقاء على قوات اليوناميد، وكان لقاء قد جمع عبد الواحد والمبعوث البريطاني خلال الأشهر الماضية في كمبالا، طلب فيه عبد الواحد الإبقاء على القوات، وكان المبعوث قد طلب للقاء لاعتبارات مركزية وثقل عبد الواحد في معسكرات النازحين.
وشهدت جلسة مجلس الأمن الدولي في الأشهر الماضية صراعاً بين الدول العظمى بسبب خروج اليوناميد، وكانت ألمانيا وبريطانيا وغيرهما من الدول ترتب لبقاء القوات بالسودان، لكن اعتراض الصين وبعض الدول الافريقية عطل الجلسة، وجعل المجلس في الجلسة التالية يعمد لتمرير مقترح الخروج وفقاً لاتفاق بعثة (اليونامتس).
الانتباهة