تحقيق: انتصار فضل الله
بينما يقترب العام الدراسي (2021) على الانتهاء في ولاية الخرطوم، يدور نزاع كبير بين وزارة التربية والتعليم الولائية ومؤسسي (6) مدارس اجنبية خاصة تضم نحو (4800) طالب وطالبة يهددهم عدم الاستقرار الدراسي متأثرين بتوتر الاجواء، بعد ان سحبت الادارة العامة للتعليم الخاص بالوزارة، بتاريخ 18 مارس الجاري وبموجب قرارات ادارية بالارقام (20 ـ 26 ـ 27 ـ 29 ـ 31)، سحبت تصاديق المدارس لرفضها توجيهات الوزارة بتكوين مجالس آباء تقوم بوضع وتحديد الرسوم الدراسية، بالاضافة لمخالفة القوانين وفرض رسوم جديدة، الى جانب منعهم طلاباً من دخول المدارس لعدم سداد الرسوم، فيما ضربت المدارس بقرار الإغلاق عرض الحائط ورفضت تنفيذه .
أصل الحكاية
بدأت الازمة بين وزارة التربية والتعليم ومدارس (كامبردج العالمية بالسودان ـ كبيدة العالمية ـ لتل هاندز ـ المدرسة الانجليزية للعلوم العامة ـ سودان قرامر اسكول ـ وايه بي سي)، في، يناير عام 2020م، عندما ارسلت الوزارة خطابات لكل المدارس الخاصة والاجنبية بالخرطوم بعدم اجازة رسوم دراسية الا بعد موافقتها، وعندما تأخرت طلبات تحديد الرسوم من قبل المدارس قامت الوزارة بعمل استمارات مفصلة تحتوي على الرسوم القديمة لعام 2019م بالاضافة لاسعار الترحيل والكتب، وبضغط منها التزمت المدارس بالتوجيهات عدا الـ (6) مدارس المشار اليها.
سحب تصاديق
وفي يوم 24 يناير 2021م، ارسلت ادارة التعليم الاجنبي خطابات للمدارس المعنية وامرت المؤسسين بتكوين لجنة ومجلس آباء مهمتهم وضع وتحديد الرسوم الدراسية، فرفض الملاك بحجة انهم لا يستطيعون تكوين مجلس آباء لانه مخالف للقانون، واعتبروا ما جاء في الخطاب امراً مجحفاً، واستغربوا ان يحدد الآباء الرسوم في مدارسهم الخاصة، وعليه اصدرت الوزارة انذارات ووضعت المؤسسين امام خيارين اما تكوين المجالس او سحب التصاديق والاغلاق .
عدم رد
ولايجاد حل للمشكلة لجأ الملاك الى مدير عام الوزارة محمد ابراهيم لانصافهم، لكنه تجاهل القضية ولم يرد عليهم، فتقدموا بطعن لدى محكمة الطعون الادارية ضد قرارات الوزارة بعد مرور (30) يوماً من تقديم الشكوى وفقاً لنص القانون، غير ان المحكمة ايدت قرار الوزارة في ما يتعلق بارجاع الطلاب الذين عجز اولياء امورهم عن السداد، وعليه استأنف الملاك لدى المحكمة العليا لانصافهم .
بلاغات جديدة
وتزامناً مع استلام دائرة المحكمة العليا للاوراق، بتاريخ 18 مارس تفاجأوا باعلان الوزارة سحب االتصاديق، وبحسب الاعلان اصبحت المدارس المذكورة خارج المنظومة التعليمية ولا يجوز لها ممارسة اي نشاط تعليمي، كما لا يجوز اعتماد اي مستند صادر من قبلها، واكدت ادارة التعليم الخاص التزامها بتوفيق اوضاع جميع التلاميذ والطلاب المسجلين بها للعام الدراسي (2019 ـ 2020م )، ووفقاً لذلك شرع ملاك المدارس في مقاضاة مدير ادارة التعليم الخاص بالوزارة نهاية الاسبوع المنصرم، بسبب التشهير بهم عالمياً عبر القنوات والاعلام وإشانة السمعة والحاق الضرر .
مؤتمر صحفي
واكد مؤسسو المدارس تمسكهم بمواصلة المعركة مع الوزارة والاحتفاظ بالحق القانوني، وقالوا لـ (الإنتباهة) ان الوزارة قانونياً ارتكبت خطأً تاريخياً لا يغتفر في حقهم وسعت للتشهير بهم والاضرار بسمعتهم، واتفقوا على ان قرار سحب التصاديق غير مسؤول وغير قانوني ولا علاقة له بمخالفات او زيادة رسوم دراسية، وانما هو استهداف وعداء وتكبر وحرب يقودها عشرة الى عشرين فرداً من اولياء امور يريدون قبول ابنائهم برسوم عام 2019 دون النظر الى التغيرات الاقتصادية التي تأثر بها الجميع، مشيرين الى عدم وجود اي مستند يخصهم كمدارس معتمد من الوزارة غير نسبة الـ (2%) التي تتحصلها من رسوم كل طالب، واشاروا الى انهم طلبوا من الوزارة اصدار بيان بايقاف القرار والاعتذار لكنها لم تهتم، مما دفعهم للاعلان عن مؤتمر صحفي يقام في غضون الاسبوع الحالي لتمليك الرأي العام الحقائق كافة .
تخريب وزعزعة
وانتقد الملاك صدور القرار في ظل استمرار التقاضي بمحكمة الطعون الادارية واكدوا انه يخل بسير العدالة، واضافوا ان القصد منه زعزعة اولياء الامور وحثهم على عدم التسجيل للعام الدراسي الجديد الذي يبدأ بداية ابريل القادم ويغلق يوم 30 مايو بمدارسهم، مؤكدين عدم رفضهم ادخال الطلاب الذين لم يسددوا الرسوم، بل طلبوا من اولياء الامور كتابة خطابات تؤكد انهم غير قادرين على السداد مع توضيح الاسباب، غير ان اولياء الامور قالوا انهم قادرون على السداد وان اعتراضهم على الزيادات الجديدة، واشاروا لمدارس خاصة واجنبية تعمل بدون تصاديق وتفرض رسوماً فلكية لم يتم ايقافها ومنعها، واردفوا بالقول: (لن نسكت على اساءة بعض اولياء الامور لنا).
إلغاء لائحة
وفي ما يتعلق باسباب رفض المدارس تكوين مجالس آباء، قال مدير مدرسة )قرامر اسكول( الخاصة محمد حامد لـ (الانتباهة) ان تكوين مجالس آباء للمدارس الحكومية والخاصة سنته لائحة عام 2012م التي الغاها قانون 2015 للتعليم الخاص، وهو آخر قانون ولم ترد في مقدمته ان اللائحة مرجعية، ونفس القانون نص على ان يكون مؤسس المدرسة جسماً من (7ـ 10) اشخاص لديهم علاقة بالتعليم ولديهم وضعهم الادبي والاجتماعي ومن بينهم بروفيسورات تحت مسمى (مجلس الامناء) يختص بوضع الرسوم للطلاب والاعفاءات السنوية والمنح الدراسية ومراقبة المدرسة اكاديمياً ومنهجياً، بالاضافة الى وضع السياسات العامة، واشار الى دعم هذه المجالس لهم، مما يؤكد ان اسباب القرار وهمية والقرار مخالف للقانون ولا يفترض ان تمتد القضية حتى تتحول لعداء .
إهانة للتعليم
ونفى حامد زيادة رسوم الطلاب قبل مرور ثلاث سنوات، وقال انهم طلبوا من مدير التعليم بصورة ودية تقديم قائمة باسم طالب واحد قاموا بزيادة رسومه قبل اكمال الفترة المحددة، لكنه عجز، واضاف قائلاً ان بحوزتهم خطابات من الوزارة تقر زيادة الرسوم لمجابهة الوضع الاقتصادي، واستنكر البلاغات التي فتحها مدير التعليم في القسم الجنائي ضد مديري المدارس واصدار اوامر قبض في مواجهتهم كمعلمين، واعتبر ذلك اهانة كبيرة للمعلم والتعليم لا يمكن تجاوزها. وفي ما يتعلق بمصير الطلاب (المطرودين) قال: (مفترض ان يكون تم تسجيلهم في مدارس اخرى.(
التزامات أخرى
ولفت حامد الى ان زيادة الرسوم جاءت لتغطية التزامات اخرى ممثلة في رسوم تجديد تصاديق الوزارة التي زادت من (70) الى (700) الف جنيه، بالاضافة الى تحصيل المحليات مبلغ (351) الف جنيه محددة من الوالي لكل مدرسة، ولا يدرون ما هي، ولكنهم قالوا ان الوالي قررها، هذا بالاضافة للجبايات والعوائد الشهرية، هذا بجانب الصرف على مرتبات المعلمين ومستلزمات التعليم وغيرها، واشار الى انه زاد الرسوم من (80) الى (200) الف جنيه بما يعادل الدولار، وقال انه تحمل العام الماضي خسائر مالية كبيرة جراء شيكات راجعة لاولياء امور بملايين الجنيهات ومازال ابناؤهم يدرسون ولم يقم بمقاضاتهم حفاظاً على العلاقة .
اتباع المواصفات
وتساءل حامد قائلاً: (لماذا تقف الوزارة ضد ست مدارس من عدد يفوق الـ (4) آلاف مدرسة؟ وأجاب بأن هذه المدارس من اكبر المدارس في الخرطوم وتتبع نظماً عالمية في الدراسة، ويتسابق اولياء الامور لحجز مقاعد لابنائهم فيها لعلمهم انها تتبع المواصفات العالمية، ولثقتهم فيها والسمعة، وتضم كوكبة مميزة من المعلمين، والتقديم لها يتم بعد اختبار الطلاب، ومدارسنا ليست شكة ساي).
وترى مؤسسة مدرسة (لتل هاندز) ياسمين كمال، ان الهدف من تمسك الوزارة بتكوين مجلس الآباء ايجاد جهات وتمكينها حتى تفرض سيطرتها على المدارس والتدخل في الشؤون الادارية، واشارت الى ان خلاف مدرستها مع واحدة فقط من اولياء الامور رفضت سداد الرسوم، كما رفضت عرض الادارة باستيعاب طفلها مجاناً طالما انها لا تستطيع، لكنها رفضت هروباً من سداد متأخرات سنتين، واكدت ان القضية برمتها تهدف لخلق بلبلة والتشويش.
مسلسل استهداف
فيما هدد الامين العام للجنة تسيير المدارس الخاصة بولاية الخرطوم امين محمد عثمان، باغلاق كافة المدارس الخاصة والاجنبية بالخرطوم حال عدم تراجع الوزارة عن القرار الذي لم يحترم هيبة القانون، واعتبر العملية مسلسل استهداف للتعليم وتدل على قصر نظر، مؤكداً احترامهم للقانون والقضاء السوداني الذي وصفه بالوعي والنزاهة، واردف قائلاً: (اذا حاولت الوزارة التعامل معهم بشكل شخصي وتعسفي فلتستعد للمواجهة)، ويؤكد ضرورة زيادة الرسوم في ظل تضخم تجاوز نسبة (400%)، وعاد ليقول: (في النهاية المسألة تراضٍ ما بين ولي الامر والمدرسة، والواقع اثبت ان هناك اتفاقاً تم، والدليل ان الطلاب موجودون في المدارس عدا نسبة 1%).
عدم وضوح
واضاف عثمان ان الاتحاد يعمل على معالجة كل المشكلات التي تواجه المدارس الخاصة والاجنبية، وهناك اتفاق بين الاتحاد والوزارة على ان تحدد الرسوم من قبل المدرسة، وكونت لذلك لجنة رباعية من الاتحاد وادارات التعليم بالمحليات لحل الخلافات ما بين اولياء الامور والمدارس لكن رفضت الوزارة ذلك، مؤكداً وجود تعسف وشيء غير واضح في موقف الوزارة، مما يتطلب تكسير القرار لان المدارس نوعية ولا يوجد بديل لها، وذكر ان الوزارة تفتقر لكوادر مؤهلة تدير المدارس الاجنبية ولا يوجد بها موجهون للمراقبة، داعياً لضرورة الانتباه لهذا الجانب.
مخالفات وتحدٍ
ومن جهته اكد مدير ادارة التعليم الخاص اساس وثانوي بوزارة التربية والتعليم ولاية الخرطوم، عبد الكريم حسن محمد علي، ان هذه المدارس خالفت القانون وتحدت قرار الوزارة، ودعا لضرورة جبر الضرر الذي لحق بالطلاب وتغطية الدروس كاملة ومن ثم الجلوس للتفاوض في المخالفات المتمثلة في مخالفة قانون ولوائح التعليم الخاص وزيادة الرسوم قبل مرور ثلاث سنوات. ويرى ان منع الطلاب من الدراسة امر منافٍ من ناحية تربوية ونفسية.
قرار قديم
وقال مدير الادارة لـ (الانتباهة): (الوزارة لا تتحصل رسوماً من المدارس وانما يتم التحصيل عبر جهاز التحصيل الموحد التابع لوزارة المالية حسب قرار المجلس التشريعي، وان نسبة الـ 2% تورد لخزانة المالية، وهو رسم مقابل خدمات تقدم للمدارس)، موضحاً ان قرار الاغلاق قديم ويعود لمطلع عام 2020م، عندما رفض المؤسسون طلب الوزارة الخاص بالتوافق مع اولياء الامور في مسألة الرسوم، وظل التفاوض مستمراً طوال تلك الفترة حتى فتحت المدارس في اكتوبر الماضي، وعندما فشلت الوزارة في الوصول لحلول جذرية معهم اعلنت قرارها.
قضية محورية
واشار عبد الكريم الى ان المحكمة اوقفت التنفيذ في تسليم الاختام وكشوفات المدرسة على ان تغلق المدارس لاحقاً، مؤكداً عدم سعي الوزارة للاغلاق لكنهم لم يتركوا مجالاً لغير ذلك، خاصة بعد رفضهم قبول عدد من الطلاب رغم اصدار القاضي قراراً بفتح المدارس امام الجميع دون استثناء. وانتقل الى نقطة اخرى تتعلق بالرسوم الدراسية التي اعتبرها القضية المحورية الاولى في التعليم الخاص خلال السنوات الاخيرة، واشار لوجود فقرة في قانون 2015م تنص على ان يتم القبول الخاص بالتراضي بين ولي الامر ومؤسس المدرسة، وفقرة اخرى تمنع زيادة رسوم الطلاب المقبولين إلا بعد مضي ثلاث سنوات، غير ان كل المدارس الخاصة خالفت ذلك.
وقفة جادة
فيما اتهم بعض اولياء الامور المدارس الاجنبية الخاصة بالجشع والطمع بفرض زيادات مضاعفة في رسوم عام 2020م، وانها تعمل فوق القانون وتتحدى قرارات وزارة التربية والتعليم القاضية بعدم الزيادة الا بعد مرور ثلاث سنوات، وفي هذا الجانب يقول عبد الرحمن محمد عباس، ولي امر طالبين يدرسان في واحدة من المدارس لـ (الانتباهة)، ان ادارات المدارس زادت الرسوم الدراسية من (87) الف جنيه الى (260) الف جنيه للطالب الواحد، وهناك مدارس اقتربت رسومها من المليون الامر الذي يستدعي وقفة جادة.
تدخل الوالي
واضاف عبد الرحمن قائلاً: (ان اولياء الامور جلسوا لمناقشة الزيادة مع ملاك المدارس مع مراعاة الوضع الاقتصادي المحيط بالسودان لكنهم لم يقبلوا، وهذه القضية تتطلب تدخلاً من والي ولاية الخرطوم ايمن نمر لانهاء فوضى الرسوم الدراسية ودعم قرار الوزارة وتنفيذ القانون وإرجاع هيبة الدولة)، واشار الى ان بعض المدارس لجأت الى طرق جديدة وصفها بـالملتوية من خلال خلق توتر وعداء بين اولياء الامور المتوافقين وغير المتوافقين وهو امر غير سليم وغير صحي.
احتيال واضح
واردف عبد الرحمن قائلاً: (ان اولياء الامور المحتجين على الزيادات اتبعوا القانون والضوابط، فعندما سد اصحاب المدارس الباب في وجوههم، لجأوا الى الوزارة باعتبارها الجسم الذي ينظم العلاقة بينهم وبين المدارس التي احتالت على قرار الوزارة على الا تتجاوز الزيادة 20% كل ثلاث سنوات، وبالرغم من تجاوز ذلك لم نمانع كاولياء امور في زيادتها ولكن ليس بهذا الشكل، وكنا نتمنى الجلوس مع المدارس والتوصل لحلول للاستقرار الدراسي، على الا يكون الاطفال طرفاً في النزاع والقانون، وتفتح المدارس بشرط قبول كل الطلاب بدون استثناء، لكن الملاك سعوا لعدم قبول الاطفال وبالتالي تحولت القضية الى صراع يقوده المؤسسون، وخلق حرب بيننا وبين اخوتنا الآخرين)، ونادى بالعدل والقانون في مواجهة اصحاب المصلحة والرأسمالية الذين يتلاعبون بالتعاليم، ويجب ايجاد دولة القانون وهيبتها .
غلاء فاحش
فيما قالت ايمان هاشم والدة طالبة بواحدة من المدارس: (ان الغاء التصاديق هو اجراء غير كافٍ، فلا بد من محاربة الغلاء الفاحش للرسوم وإغلاق المدارس بقوة القانون)، واستغربت تحصيل رسوم العام الدراسي الماضي كاملة والطلاب لم يدرسوا سوى بضعة شهور جراء وباء (كورونا)، واشارت الى ان رسوم المدارس الخاصة في السودان عالية جداً وتفوق طاقتهم في ظل تدهور التعليم بالمدارس الحكومية، وانها حرمت ابناءهم من دخول المدارس ما لم تسدد الرسوم كاملة، وتعاملت معهم تعامل التجار وليسوا معلمين وتربويين، فهي تربح اموالاً طائلة لسنوات طويلة، ولديهم المقدرة والاستطاعة لدفع الرسوم، ولكنها غير منطقية وفيها استغلال واضح، وغير مستحقة وفيها ابتزاز لاولياء الامور .
الانتباهة