لساعة ونصف شهدت محكمة جنايات جرائم الفساد والتحقيقات المالية برئاسة القاضي المعز بابكر الجزولي ، جلسة عاصفة لمحاكمة المدير العام السابق للشركة السودانية لنقل الكهرباء ومدير الشئون الإدارية والمالية والموارد البشرية والامدادات السابق لذات الشركة ،بتبديد وخيانة الامانة للموظف العام بما يفوق المليون ونصف المليون يورو عبارة عن قيمة شراء آليات ثقيلة (كرين ) وملحقاتها من المانيا بصورة مخالفة لقانون الشراء والتعاقد تستخدم لنقل حمولات محطات الكهرباء المختلفة بالشركة .
وكانت ذات المحكمة وفي جلسة سابقة قد وجهت تهماً متفاوتة للمتهمين المسئولين السابقين بالشركة السودانية لنقل الكهرباء تتعلق بالاشتراك الجنائي وخيانة الامانة للموظف العام ومخالفتهما لنص المادتين (21/ 177/2) وذلك من القانون الجنائي السوداني ، بينما وجهت ذات المحكمة تهمة أخرى للمتهمين الاول والثاني تتعلق بمخالفتهما لنصوص المواد (17/18/54/82/) وذلك من قانون الشراء والتعاقد .
فيما رصدت (الإنتباهة ) مثول اثنين من وكلاء نيابة الاموال العامة لتمثيل الاتهام عن الحق العام في القضية وهما ( حاتم محمود بله خرطوم / ومصطفى احمد الطيب )، فيما تبين بان المحامي (فيصل عمر ) يمثل دفاع المتهم الثاني .
إجراءات ومستندات
في ذات الوقت مثل شاهد الدفاع الثالث مستشار مال الضمان للعاملين بالجمارك د.ياسر موسى آدم كباشي، وافاد بانه يعمل مستشارا قانونيا بالجمارك ، مبينا بانه قام بمراجعة مستندات توريد آليات الكرين محل الدعوى الجنائية والمتعلق بالشركة السودانية لنقل الكهرباء واتضح بانه ادخل للشركة عبر الجمارك بطرق واجراءات جمركية صحيحة بالميناء الشمالي ، وعزا الشاهد مسألة الاجراءات الصحيحة الجمركية للكرين لوجود ضمن المستندات رقم استمارة العملية وتاريخ انشائها في تاريخ 10/2/2015م ،اضافة الى وجود رقم اسم العميل وهي الشركة السودانية لنقل الكهرباء ووجود الرقم المتسلسل للفاتورة، وأوضح الشاهد عند مناقشته بواسطة المحامي د.عادل عبدالغني ، ممثل الدفاع عن المتهم الاول بانهم كجمارك ليسوا طرفا في هذه الدعوى الجنائية ،وتساءل قائلاً : ( مفترض ما كان اجي المحكمة لان آليات الكرين التابعة للشركة ادخلت اليها باجراءات جمركية صحيحة ومطابقة لمواصفات التخليص بالجمارك ) بحد تعبيره .
عدم رؤيته للكرين
في ذات السياق افاد شاهد الدفاع الثالث للمحكمة عند مناقشته بواسطة ممثل الاتهام عن الحق العام وكيل نيابة الاموال العامة اميمة سعد ،بان ليس له اي علاقة بالاعمال الفنية للكرين محل الدعوى الجنائية ، في وقت افصح فيه شاهد الدفاع الثالث المحكمة عند استجوابه بواسطة المستشار القانوني للشركة الشاكية انتصار صديق ، بان مال الضمان للعاملين بالجمارك لديه قانون ولائحة يعمل به ، ويترأس مجلس ادارته ضابط برتبة لواء ، منوها الى ان الآليات والكرين وغيرها من المعدات الثقيلة هي تتبع لهذه الادارة ، مشددا على انه كمستشار قانوني بذات الادارة يحق له المثول أمام المحكمة والشهادة والترافع ايضاً ، نافياً في ذات الاتجاه رؤيته او مشاهدته بالعين المجردة للكرين محل البلاغ وانما علم بمطابقته للمواصفات وادخاله الشركة بصورة واجراءات صحيحة بناء على المستندات التي أوفدتها له المحطة الجمركية بالميناء الشمالي بحسب قوله .
دعم لوجستي بالشركة ..
من جانبه مثل شاهد الاتهام الرابع المدير السابق بادارة الشئون الادارية بالشركة السودانية لنقل الكهرباء د.عمر الامين أزرق، موضحاً بانه يعمل حاليا استاذا جامعيا بكلية الادارة ، منبها الى انه كان مديرا سابقا للشئون الادارية بالشركة منذ شهر سبتمبر للعام 2012م وحتى الثلاثين من مايو للعام 2015م ، موضحا بانه وبحكم عمله بهذه الادارة فانه كان مسئولاً عن جميع الدعم اللوجستي بالشركة بما فيها ادارة التشغيل والصيانة باعتبارها من اهم الإدارات لان عملها ينصب في استمرار الشبكة وامداد الكهرباء .
نصب خيمة لستة أيام ..
وعدد شاهد الدفاع الرابع للمحكمة التحديات والمشاكل التي كانت تواجه الشركة خلال عمله وتتعلق بضرورة توفير الكرينات لتشغيل المحولات الكهربائية وتحريكها – لاسيما وان أحجامها وأوزانها كبيرة تفوق الـ(120) طنا وماهو متواجد بالسوق بحد تعبيره ، مشيرا الى ان الشركة تعرضت لصعاب لعدم توفر الكرينات لحمل حمولة المحطات الكهربائية المختلفة مما جعلها تتجه لاستئجاره من عموم السوق واستخدامه في اعمال صيانة تلك المحطات ، منوها الى انه وفي ذات المرات لجأت الشركة لاستئجار اثنين كرين ونفذت به عمل نقل محطة كهرباء ابان تعرضها للحريق ، لافتا الى ان مشاكل الشركة ظلت تتابع حول توفير الكرينات في ظل تراجع اصحاب الكرينات بالاسواق عن الاتفاق مع الشركة في تنفيذ اي أعمال لديها لخوفهم من السقوط موتى نتيجة لمخاطر العمل الكهربائي ، كاشفا بانه وفي ذات المرات حدثت اشكالية بمحول محطة كهرباء الخرطوم شرق وواجهتهم صعوبة في ادخال اثنين كرين لانتشال الحمولة ومعالجتها مما جعل طاقما بالشركة ينصب خيمة لستة أيام متتالية جوار المحطة لاصلاح الخلل فيه وذلك لعدم توفر كرينات بالشركة ،ونبه شاهد الدفاع الرابع المحكمة الى انه وبعد تكرار الحريق بالمحطات او حدوث اي خلل فيها مقابل عدم توفر الكرينات وشعورهم بـ(الرهق ) جراء ذلك جعل ادارته تتجه لوضع استراتيجية لاستجلاب وتوفير الشركة لكرين ليقابل عمل (27) محول كهرباء ، لافتا الى انه اداراته خاطبت الادارة العامة للشركة ومديرها آنذاك المتهم الاول بتوفير الكرين شريطة ان يكون بوزن (180) طنا ، مبينا بانه وفي تلك الاثناء لجأوا الى عروض الشركات الداخلية والخارجية عبر (الانترنت) لشراء كرين لحمولة محطات الكهرباء ، في وقت افاد فيه الشاهد المحكمة بمخاطبة ادارته وحدة الأعمال الترابية بوزارة الكهرباء بامر مواصفات الكرين باعتباره الجهة الفنية الوحيدة التي تتعامل في الآليات والمعدات الثقيلة للكهرباء ، لافتا الى ان وحدة الأعمال الترابية افادتهم عبر خطاب بان الكرين المتوفر حاليا هو بحمولة (137) طنا فقط وطالبوا بضرورة ايجاد حمولة أكبر من ذلك .
قبول ثلاثة مستندات للدفاع ..
في ذات الوقت تقدم ممثل دفاع المتهم الاول بثلاثة مستندات للدفاع عبارة عن مخاطبات شاهد الدفاع الرابع للادارة العامة للشركة بشان اختيار وتوفير مواصفات الكرين للشركة ، في المقابل لم يعترض ممثلو الاتهام عن الحق العام والخاص على المستندات لتقرر المحكمة قبول المستندات والتأشير عليها بمحضر المحاكمة.
إيميل ومخاطبات بين المتهمين ..
وواصل شاهد الدفاع الرابع اقواله للمحكمة ونبه الى انه وبعدها قد توالت الخطابات حول الكرين بالشركة حتى وردتهم (4) عروض لشركات لشراء الكرين عبر الايميل ،لافتا الى انه وبدوره قام بارسال هذا الخطاب للمتهم الاول مدير الادارة العامة السابق للشركة، فيما نفى ذات الشاهد للمحكمة علاقة المتهم الاول بتقديم العروض واختيارها ومواصفاتها للكرين موضوع القضية او تقديمها لوحدة الاعمال الترابية بحد تعبيره ، منبهاً الى ان المتهم الاول قام برفع الخطاب حول الامر الى المتهم الثاني مدير الشئون المالية والادارية والامدادات والموارد البشرية السابق للشركة .
2015م وصول الكرين للشركة ..
وكشف شاهد الدفاع الرابع في خواتيم شهادته للمحكمة بان ادارته وقتها كانت على متابعة مع ادارات نظام الشركة الشاكية وتبين حينها اكتمال الاجراءات في شراء كرين للشركة وفي انتظار وصوله فقط ، مؤكدا بانه وفي مارس العام 2015م وصلت آليات الكرين الى الشركة ونفذ به اول عمل في منطقة الازيرقاب في الكيلو (10) ، ومن ثم توالي العمل به في محول محطة كهرباء جبل اولياء.
المتهمون والتصديق وأمر شراء ..
ونفى شاهد الدفاع الرابع عند مناقشته بواسطة ممثل الاتهام عن الحق العام وكيل نيابة الاموال العامة اميمة سعد ، قيامه باي اجراء ات عطاء او مناقصة عامة عبر ادارته الشئون الادارية للشركة بشأن شراء واستيراد الكرين محل البلاغ ، مبينا بان جميع الإجراءات لشراء الكرين قام بالتصديق عليها المتهم الاول بوصفه مديراً للادارة العامة للشركة وان أمر الشراء للكرين اجراه ايضا وقام به المتهم الثاني بوصفه مدير الشئون المالية والادارية والامدادات والموارد البشرية السابق للشركة ،مشددا على ان كل الاجراءات التي قام بها بالشركة لاستجلاب الكرين هي تقديمه للطلبات بشأنها للمتهمين الاول والثاني وبقية الادارات المتسلسلة والمتدرجة بالشركة آنذاك وذلك لحل الاشكالات فيها ، مؤكدا بان الشركة وقتها كانت تحوز على كرين بحمولة (137) طنا فقط قابلة للزيادة وذلك بحسب ما ابلغه به مدير الادارة العامة للتشغيل والصيانة آنذاك المهندس محمد التوم ، ونفى ذات الشاهد للمحكمة علمه بقيمة شراء الكرين.
فصل شاهدة بواسطة لجنة التمكين..
من جهتها مثلت شاهدة الدفاع الخامسة مديرة المشتريات السابقة بالشركة السودانية لنقل الكهرباء علوية محي الدين عثمان ، وافادت للمحكمة بانها تحمل ماجستيرا في علوم المحاسبة ، ولفتت الى انها حاليا بدون عمل وذلك بعد انهاء خدمتها بقرار من لجنة ازالة التمكين واسترداد الاموال العامة في الرابع والعشرين من شهر يناير للعام الحالي ، وابانت بانها كانت تعمل لـ(28) عاماً بالشركة وتدرجت فيها حتى وصلت لمنصب مدير المشتريات فيها في العام 2016م ، وكشفت الشاهدة للمحكمة معلومات مثيرة حول شراء الكرين محل الدعوى الجنائية في العام 2014م لاسيما وانها كانت وقتها موظفة بادارة المشتريات بالشركة .
إجراءات التصديق لشراء الكرين ..
وأبانت شاهدة الدفاع الخامسة للمحكمة بانها استلمت جميع المستندات المتعلقة بشراء الكرين وعبارة عن (الفاتورة / والتصاديق المالية / والمواصفات /وجميع بيانات الشراء للكرين ) بحد قولها ، ولفتت الى انها قامت بإعداد (أمر الشراء للكرين ) يحتوي على جميع البيانات المتعلقة به من مواصفات للكرين وطريقة شحنه وشرائه من الشركة المعنية وعنوانها وعنوان البنك الخارجي الذي سيحول الاموال له ومستندات الشحن وطريقة الدفع ، مشددة على انها وبعد ذلك قامت برفع ( امر الشراء ) للكرين للمتهم الاول مدير الادارة العامة للشركة السابق وذلك للتصديق النهائي عليه ولأغراض انفاذ اعمال المراجعة الداخليه له ، وابانت الشاهدة للمحكمة بانها وبعد ذلك قامت بمراجعة جميع المستندات التي كانت تحمل ختماً وتوقيع بسلامة الاجراءات الصحيحة من المراجعة الداخلية للشركة ومن ثم قامت برفع ذلك الى المتهم الثاني مدير الادارة الشئون الادارية والمالية والموارد البشرية والامداد لدفع المبلغ لشراء الكرين .
شراء دون مناقصة وعطاء..
فيما فجرت ذات الشاهدة معلومات مثيرة للمحكمة كشفت خلالها عن شراء (الكرين ) للشركة بصورة مباشرة دون عطاء او مناقصة ، وعللت ذلك الى انه لا حاجة لهم بذلك نسبة لشراء الكرين من خارج البلاد ، منوهة الى انه تم شراء الكرين من شركة المانية مصنعة له تسمى (ستك) وتحمل ماركة تجارية باسم (تادان)، وعزت ذات الشاهدة في شهادتها شراء الكرين لشركة حكومية وقتها دون مناقصة او عطاء وذلك لعملهم بالشركة السودانية لنقل الكهرباء منذ تسعينيات القرن الماضي وحتى العام 2016م بقانون الهيئة القومية للكهرباء لسنة 2001م ، ونبهت الى ان ذات القانون اعطى لهم الحق في شراء المعدات والآليات وغيرها للشركة بصورة مباشرة ، في وقت لفتت الشاهدة كذلك الى انه وقتها لم يأتهم اي قانون معدل لقانون الهيئة حتى جاءهم في العام 2016م مراجع من وزارة المالية وقام بكتابة واعداد تقريره للمراجعة للشركة ومن ثم وفر لهم القوانين واللوائح للتعامل في عمليات الشراء والتعاقد للشركات الحكومية ، واضافت بقولها : ان ذات المراجع الزمهم بالتعامل في عمليات الشراء وغيرها وفقا لقانون الشراء والتعاقد للشركات الحكومية فيما يتعلق بسقوفات الشراء المحلي وليس الخارجي بحد تعبيرها .
دون عقد وإذن من وزير المالية
ممثل الاتهام عن الحق العام وكيل نيابة الاموال العامة اميمة سعد ، باغتت شاهدة الدفاع الخامسة بحزمة مباشرة وسريعة حول طريقة وعملية تنفيذ شراء الكرين من قبل الشركة ، وهنا اجاباتها الشاهدة بان الشراء للكرين كان دون إذن من وزير المالية وقتها ، فيما اكدت ذات الشاهدة للمحكمة بان الشراء تم بعد تكوين لجنة له من ادارة المشتريات مكونة من مدير الادارة العامة للشركة ومدير قسم المشتريات فيها بجانب (3) اعضاء آخرين بالشركة إلا انها لم تزح الستار عن اسمائهم للمحكمة او وصفهم ومسماهم الوظيفي آنذاك بالشركة ، ولفتت الشاهدة الي انهم في الشركة كانوا يقومون بعمليات الشراء وغيرها وفقا لقانون الهيئة القومية للكهرباء ، فيما افادت قائلة بان الكرين تم شراؤه دون عقود وانما بأمر شراء فقط من شركة المانية بمبلغ يفوق المليار إلا انها لا تتذكر اذا كان بعملة الدولار او اليورو بحجة طول المدة .
عدالة واضحة بالبلاد..
في خواتيم جلسة الأمس التمس ممثل الدفاع عن المتهم الاول المحامي د.عادل عبدالغني من المحكمة اعلان مهندس بالهيئة الاستشارية بكلية الهندسة الميكانيكية جامعة الخرطوم د. محمود اونسي ، معد تقرير فحص (الكرين ) محل الدعوى الجنائية للمثول امام المحكمة في الجلسة القادمة للإفصاح عن محتوى نتيجة فحصه للكرين محل القضية ، حيث اردف عبد الغني في معرض طلبه الى ان البلاد في ظل عهد وصفه بـ(كويس) وبه عدالة واضحة وان هذه محكمة مال عام وانه يراه كماله ومال جميع الشعب السوداني ، فبالتالي انه يلتمس عدالة من المحكمة اعلان معد تقرير فحص الكرين للمثول امام المحكمة لسماع افادته حول ذلك حتى وان كلفهم ذلك الادانة للمتهمين .
في المقابل وافق قاضي المحكمة باعلان معد تقرير فحص الكرين وذلك بعد ان لم يعترض اي من ممثلي الاتهام عن الحق العام او الخاص علي مثوله، فيما حددت ذات المحكمة جلسة اخرى لسماعه الأسبوع المقبل.
الانتباهة