البروفسير والعالم السوداني محمد عبد الله الريح غني عن التعريف والشهرة ولكني لم أجد مقالا اعتز به في الآونة الأخيرة مثلما وجدت هذا المقال أو البحث في صفحته على الفيسبوك فآثرت أن يستفيد معي القارئ الكريم :
أكبر عملية تزوير في تاريخ الصحافة العالمية
لماذا إنتحر كافين كارتر ملتقط الصورة الأكثر إثارة في تاريخ التصوير الصحفي بعد أن نال جائزة بوليترز بعد شهرين من تسلمه للجائزة ؟
هل أصبحنا (ملطشة) لشذاذ الآفاق من سياسيين وعملاء وصحفيين ومصورين ينالون من مآسينا الجوائز والشهرة بدون حق؟
أ.د. محمد عبدالله الريّح
بسبب المجاعة والحروب التي مرت بالسودان وبسبب سياسات الحكومة (حكومة الإنقاذ) التي قوبلت بعداء شديد من عدد من الحكومات والجهات المناوئة والدعم غير المحدود للحركات المتمردة والمعارضة إنفتح باب كبير لجوع من نوع آخر. إنه جوع الإعلام العالمي للحصول على الأخبار المثيرة والخبطات الصحفية الدسمة التي يمكن بين ليلة وضحاها أن تقفز بصحفي أو مصور مغمور إلى شرفات ليلة القدر التي يتمنى الوقوف عليها كل حالم أو مغامر. فاندفعوا نحو السودان يزورون ويلفقون ويدبجون التقارير التي تحولهم إلى أرقام في دنيا الإعلام العالمي. وخير مثال لذلك هو المصور المغمور كيفين كارتر.
كيفين كارتر ولد عام 1960 لوالدين من البيض في جوهانسبيرج في جنوب أفريقيا. ولم يكمل دراسته الجامعية بسبب أدائه الضعيف في جميع المواد وأراد أن يعمل بالصيدلة فلم يوفق وقابلته سلسلة من الإخفاقات. وبسم له الحظ ذات مرة عندما إلتقط صورة لإعدام تمت داخل أحد السجون بواسطة طريقة قاسية وهي أن يرغموا الشخص على إرتداء إطار سيارة بداخله بنزين ويشعلون فيه النار ويموت الإنسان في عشرين دقيقة وهو يصرخ من آلام الإحتراق. وقد نشرت صحيفة جوهانسبيرج ستار تلك الصورة وقد كان يعمل يومها عندها كمصور ولاقت تلك اللقطة إستحساناً من القراء مما لفت إليه الأنظار.
ولعله كان يبحث عن لقطة أخرى تخرجه من الإحباط الذي لازمه بسبب إخفاقاته مما دفعه للإنغماس في تعاطي المخدرات. ولاحت له الفرصة في مارس عام 1993م حيث قام بزيارة للسودان مع رفيقه جوا سيلفا ووصلا مدينة أيود التي كانت بها عمليات شريان الحياة لإغاثة الجوعى. يقول كيفين إنه تجول بعيداً عن مركز الإغاثة عندما شاهد تلك الطفلة وقد سقطت من الإعياء في منتصف الطريق وهي تتجه نحو مركز الإغاثة. ولمح كيفين نسراً كبيراً من النسور الأفريقية وهو يتبع تلك الطفلة. ويقول كيفين إنه إنتظر عشرين دقيقة ليلتقط صورة للنسر وهو يهم بالإنقضاض على الطفلة ولكنه لم يفعل فإلتقط له تلك الصورة وطارد النسر بعيداً عن االطفلة لكنه لم يقل إنه أنقذ الطفلة أو حملها إلى مركز الإغاثة وهاجمه عدد من الكتاب والمنتقدين إنه إذا كان يعتبر النسر مفترساً فهو المفترس الأكبر لأن همه كان منصباً على إلتقاط الصورة.
كيفين باع حق نشر تلك الصورة لجريدة نيويورك تايمز التي نشرتها وأقامت الدنيا ولم تقعدها. وتبارى الكتاب والمعلقون في الإطراء على كيفين والهجوم على السودان بوصفه سبب كل تلك البلاوي. غير أن عدداً كبيراً من القراء كان يتساءل عن مصير الطفلة مما حمل رئيسة التحرير أن تكتب إفتتاحية تقول فيها إن الطفلة تحاملت على نفسها وزحفت حتى وصلت مركز الإغاثة الذي يبلغ كيلومتراً كاملاً ولكنها لا تدري ما الذي حدث لها بعد ذلك. وكيفين نفسه لم يقل ماذا حدث للطفلة وكان يتجنب الحديث عن ذلك لأنه حسب تبريره يذكره بمرارة التجربة التي خاضها. ولكن حلاوة التجربة جاءته يوم أن إتصلت به سكرتارية جائزة بوليترز في أبريل عام 1994م لتخبره إنه قد نال الجائزة عن صورته تلك وعليه فقد وجهت له الدعوة لمكتبة جامعة كولمبيا لتسلم الجائزة في 23 مايو من نفس العام. وعندما تسلم الجائزة كتب لأبيه يقول أن التصفيق الذي ناله لم يسبقه عليه أحد. وعاش في نيويورك وقضى أحلى أوقاته وهو يوقع على الأتوجرافات من عشرات المعجبين والمعجبات ويلبي الدعوات والسهرات.
بعد شهرين من تسلمه للجائزة وفي السابع والعشرين من يوليو إنتحر كيفين بإستنشاق غاز أحادي أكسيد الكربون من عادم عربته. وترك مذكرة يقول فيها إنه كان مكتئبا بسبب الظروف التي تحيط بهً فهو بدون تلفون أو مصاريف إيجار وديون متراكمة عليه (لا أعرف ماذا فعل بمبلغ الجائزة وهو قد تسلمه قبل شهرين) وتقول إحدى المعلقات إنها لا تعتقد إنه إنتحر بسبب تلك الصورة وتقول إنه ربما لم يحتمل ذلك النجاح والشهرة التي هبطت عليه وهو في الثالثة والثلاثين من العمر. وبمثل ذلك النجاح الصاروخي الذي حققه ، سقط كنيزك محترق.
شبهات حول الصورة:
ــــــــــــــــــــــــــــ
لقد تفحصت الصورة جيداً ووجدت إنها صورة غير حقيقية للأسباب الآتية:
أولاً : النسر الأفريقي من جنس ونوع Gyps africanus المسمى عندنا ب(كلدنق أبصلعة) لا يوجد بمفرده بل يوجد في جماعات قد تصل إلى مائتين عندما يكونون يلتهمون فيلاً ميتاً والصور المصاحبة لهذا المقال توضح ذلك. وحتى في حالة وجود واحد منها ولمدة عشرين دقيقة كما ذكر كيفين فإن المكان كان سيكتظ بالعشرات منها.
ثانياُ : واضح أن الصورة مركبة لأنني قمت بإزلة النسر ووضعت نسراً آخر فارداً جناحيه وتعمدت أن أجعله أكبر نسبة من حجم الطفلة لأجعل الصورة أكثر تأثيراً. قد ركبت على الصورة ضبعاً أو مرفعيناُ مخططاً من جنس ونوع (Crocuta crocuta ) ولا احد من القراء العاديين يستطيع أن يتبين التزوير في تلك الصورة. إن تركيب الصور أمر في غاية السهولة ويستطيع أن يقوم به أصغر صبي يعرف كيف يتعامل مع الفوتوشوب.
ثالثاً : لا يمكن أن يجد كيفين الطفلة بمثل ذلك الوضع ولا يحملها لأقرب مركز.. وهو يقول إنه قد طارد النسر بعيداً عنها وتركها وذهب وكيف يستيقن أن ذلك النسر – لو كان هناك نسر لا يعود مرة أخرى ومعه مجموعة من فصيلته. وأنا أتحدى أي شخص يثبت لي إنه قد وجد نسراً من ذلك النوع بمفرده.
رابعاً: زوغان كيفين عن الإجابة على تساؤلات القراء عن مصير الطفلة يؤكد إنه ربما وجد طفلة بمثل ذلك الوضع بالقرب من معسكر وإلتقط لها صورة ولكن لا يوجد نسر وأضاف لها من عنده صورة لذلك النسر كما فعلت أنا بكل سهولة وبالفعل تظهر بعض العشش في الخلفية للصورة التي إلتقطها كيفين مما يدل على أن الطفلة كانت بالقرب من موقع أهلها.
خامساً : الشخص الوحيد الذي يمكن أن يثبت أن كيفين قد قام بإلتقاط تلك الصورة بذلك الوضع هو رفيقه جوا سيلفا ولكن جوا سيلفا قال في إفادته إنه عندما وصل مع كيفين للسودان ذهب هو في طريق وترك كيفين يذهب في طريق آخر.
سادساً : أستطيع أن أخلص إلى أن سبب إنتحار كيفين كارتر هو مناقشته لنفسه عن التزوير الذي قام به وخوفه من إفتضاح أمره ويومها لكم أن تتصوروا ما سيلحق به من عار.
والتاريخ العلمي ملئ بمثل هذه الأشياء وخاصة للذين يستعجلون الشهرة وربما كان أشهرها قضية رجل بلتداوون المتورط فيها المحامي شارلز دوسون الذي قام بدفن جمجمة رجل مع فك لقرد وقام (ببرد) الأسنان والأنياب حتى تبدو كأنها أنياب إنسان بعد أن دهنها بصبغة اليود حتى تبدو مصفرة وأعلن إنه قد عثر على الحلقة المفقودة في نظرية داروين وقد كان هذا في عام 1912م وظل محل تقدير وإحترام حتى برهن العلماء عام 1953م أن القصة كلها مفبركة. ولذلك تجد في عدد من الكتب القديمة عبارة تقول: Any reference to Piltdown man should be ignored
(أي إشارة إلى رجل بلتداوون يجب أن تهمل).وقد ذكرت ذلك في كتابي (طبيعة الأشياء).
نحن لا ننكر ما خلفته الحرب من مآس ومجاعات في بلدنا ولا ننكر أن ضحايا المجاعات والحرب ربما يفوق مئات الآلاف ولكن أن يستغل ذلك للتنديد بنا دون وجه حق.. هذا لا نرضاه. وقد دفعني إلى كتابة هذا المقال أن تلك الخدعة قد إنطلت على كثير من أبناء أمتنا بل أخذوا يروجون لها ويتخذونها شعارا لإعلان الحرب على الجوع والفقر. وبالفعل هناك منظمة تطوعية سودانية تتخذ تلك الصورة شعاراً لها…. وليس كل ما تورده أجهزة الإعلام العالمية لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه بل إن بعضه هو كل الباطل ولا شئ غير الباطل … ويا أمة قد (لعبت) على (غفلتها) أمم من بينها المدعو كيفين كارتر.
lملحوظة : رد على مقالي هذا الأخ الصحفي طلحة جبريل مفندا ما قلته وهو يميل إلى تصديق كيفين كارتر فيما ذهب إليه ولكني وبعد فحص الصورة الأصلية وجدت أن مكان العشب الذي ثبت فيه النسر المزعوم قد حدث فيه خدوش ظاهرة لتركيب الصقر كما قمت أنا بتركيب المرفعين الذي جعل الصورة أكثر شراس ة . وفوق كل ذي علم عليم . ولكم أن تحكموا .
1 comment
تحية واحترام لك بروف محمد عبد الريح ،بمثلها انت امين علي علمنا ومعرفتنا فأنت امين علي كرامتنا