(لعنة) الحوار.. هل أصابت (الشعبي) و (الاتحادي) ومن قبلهما (الأمة)؟

by شوتايم3

يبدو أن لعنة الحوار وموالاة العسكر تسربت بكلياتها مجتمعة على مختلف المستويات والأحزاب السياسية دون أن تنجو من ذلك حتى الوساطة الاممية الافريقية، ففيما يعيش حزب المؤتمر الشعبي ازمة تنظيمية حادة بسبب انعقاد مؤتمر الشورى للنظر في التمديد لعلي الحاج الذي يرفض التعامل مع التيار الإسلامي ويتعامل مع فولكر، لا يختلف الوضع كثيراً داخل الحزب الاتحادي الديمقراطي الاصل الذي عقد مؤتمراً صحفياً أمس الأول بحضور جعفر الميرغني، أفضى إلى تغيير وُصف بالجذري في اعمدة الكيان التنظيمي وابعاد الحسن الميرغني. ومن قبل ذلك دخل حزب الامة القومي في صراعات اسفرت عن استقالة الفريق صديق اسماعيل من منصبه نائباً للرئيس قبل ان يتراجع عنها، ليعقبه د. ابراهيم الامين باستقالته التي تشدد فيها بشكل مفاجئ. وبتتبع تفاصيل الاحداث داخل المكونات الثلاثة نجد أن ثمة تبايناً في الرؤى نتج عن المواقف بداخلها بشأن حوار الآلية الثلاثية تمخضت عنها تيارات متنازعة داخل هذه القوى، في وقت تمر فيه البلاد بظرف سياسي بالغ التعقيد تسوده ضبابية حوار الآلية وكذلك الدعوات للثلاثين من يونيو من لجان المقاومة، فهل أصابت لعنة الحوار هذه الأحزاب؟
(١)
يظل الخلاف وتباين الآراء على امتداد التاريخ احد ادبيات العمل السياسي بين مكونات الحزب الواحد، فليس ثمة إجماع مطلق يجيز رأياً او يعتمد موقفاً ما، فالصراع غالباً ما يقود إلى تكوين تيارات تقود بدورها في الغالب إلى انقسامات، وقد بدا ذلك واضحاً داخل المكونات الحزبية السودانية التي تعاني من الانقسام بين تياراتها المختلفة في قوائم طويلة وفق مراقبين، ويدخل حزب المؤتمر الشعبي حيز الاحزاب المحتضنة لاكثر من تيار قبل اشهر وتحديداً منذ اعفاء بشير آدم رحمة ود. سهير وآخرين، لينشأ صراع بين مجموعتين إحداهما تقودها مجموعة بشير وابناء الترابي والسجاد ضد مجموعة الامانة العامة التي يتقدمها الامين عبد الرزاق وكمال عمر وآخرون، ليشتد الخلاف وتدعو المجموعة الاولى إلى عقد مؤتمر الشورى الذي ترفضه مجموعة د. علي الحاج بذريعة ان الظروف المحيطة للبلاد غير ملائمة لعقده، وكذلك نقطة خلاف أخرى يرى خبراء انها جوهرية، وتتمحور في رفض مجموعة علي الحاج قرارات الخامس والعشرين واصطفافهم بجانب حوار الآلية عوضاً عن رفضهم التيار الاسلامي العريض، غير ان مجموعة الشورى كان لها رأي واضح برفض تطلعات حوار فولكر والاصطفاف في تيار الاسلاميين، لينشأ صراع مؤتمر الشورى الذي انعقد امس الاول مكتمل النصاب وبمشاركة واسعة افضت قرارتها إلى عزل الامانة العامة مع الابقاء فقط على د. علي الحاج اميناً عاماً، فيما رفضت الامانة العامة هذه القرارات.
(٢)
وعلى ذات وتيرة القرارات والتغييرات أعلن الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، امس الاول، عن تغييرات في هياكله، وذلك بقرارات من رئيس الحزب مولانا محمد عثمان الميرغني تمثل ابرزها في تعيين إبراهيم الميرغني أميناً للقطاع السياسي وعثمان حلمي مقرراً للقطاع وعثمان الشايقي أميناً للقطاع التنظيمي وحافظ سيد أحمد مقرراً للتنظيم، كما تم تعيين الفاتح السر للأمانة المالية وبخاري الجعلي للجنة الانتخابات واللواء محمد ميرغني لدور الحزب وآخرين.
وفسر نائب رئيس الحزب جعفر الصادق مغزى التعديلات التي طرأت في مؤتمر صحفي يوم السبت الماضي، بأنها في اطار ترتيب البيت الداخلي والعبور لمرحلة جديدة لتطوير الاداء للوصول إلى مؤسسة عملاقة تلبي طموحات الشعب وتسعى لحكم البلاد، في وقت شدد فيه على ضرورة قيام فترة انتقالية قصيرة واختيار حكومة كفاءات مستقلة بعيداً عن المحاصصات الحزبية.
وفيما تبدو التغيرات عادية الا انها فسرت ــ بحسب مراقبين ــ على أنها نتاج طبيعي للصراع الخفي الذي يشهده الحزب بين الشقيقين جعفر ومحمد الحسن، حيث ان الاخير يقود مجموعة بها شذى عثمان الشريف ومالك ضرار وآخرون ضد السياسة العامة للحزب، ولعل آخرها حالة الارتباك التي حدثت حينما شارك الاتحادي بوفد يقوده البخاري الجعلي في حوار الآلية لتخرج المجموعة الأخرى رافضة هذه الخطوة.
ولسنوات طويلة يغيب مولانا محمد عثمان الميرغني عن البلاد مكتفياً بادارة الحزب من الخارج، الامر الذي يراه كثيرون قد اسهم سلباً في الاداء التنظيمي للحزب خلال السنوات الماضية.
(٣)
ولا يختلف حال حزب الامة كثيراً عن الشعبي والاتحادي، فقد دخل موجة من الصراعات افرزت اكثر من تيار داخل كيان الانصار السياسي، فمنذ رحيل الصادق المهدي ظل الحزب يشهد حالة من الارتباك والتشاكس بين رئاسته من جهة والامانة العامة من جهة أخرى، ولا يخفى على الكثيرين تحول الصراع من الخفاء إلى العلن، لاسيما في اعقاب استقالة نائب رئيس الحزب الفريق صديق اسماعيل بسبب موقف الحزب من حوار الآلية، حيث يرى صديق ضرورة المشاركة في حوار الآلية، وبالمقابل فإن تياراً آخر يقوده صديق الصادق المهدي ومريم الصادق وآخرون يرفض هذا النهج تماماً مصطفين مع تيار اليسار بقوى الحرية والتغيير مجموعة المجلس المركزي.
وبعد أن تراجع الفريق صديق عن استقالته وتكليفه برئاسة الامة إلى حين عودة اللواء برمة ناصر الذي غادر الى لندن مستشفياً، قدم د. ابراهيم الامين استقالته بسبب التهميش لقيادات الحزب من الكبار في مواقف مهمة مثل الحوار، وذلك على حد تعبير مقربين منه لـ (الانتباهة).
(٤)
ويرى الخبير والمحلل السياسي سليمان احمد سليمان ان هذه القوى الثلاث تفتقد للرؤية السياسية مما يجعلها تقع تحت تأثير قوى الحرية والتغيير، ويذهب في حديثه لـ (الانتباهة) الى أن حزب المؤتمر الشعبي ليس جزءاً من تحالف قوى الحرية والتغيير غير أنه تأثر بمنهجيتها.
ويعتقد سليمان ان رحيل المهدي اسهم بشكل كبير في الاداء التنظيمي لحزب الامة، وكذلك تأثر الشعبي برحيل الترابي، فيما اثر ابتعاد مولانا محمد عثمان الميرغني في وضعية حزب الختمية بشكل بائن، عوضاً عن صراع ابناء القيادات في هذه الاحزاب. وتابع قائلاً: (حوار الآلية الثلاثية اصاب القوى السياسية باللعنة، خاصة ان اداء الآلية وتحديداً فولكر لم يكن مقنعاً وشابه الانحياز لقوى الحرية والتغيير، الأمر الذي اثر في تباين الرؤى داخل المنظومات السياسية، وعلى هذه الأحزاب ترتيب وضعها الداخلي والابتعاد عن تأثيرات الراهن السياسي عليها، والعمل على تقوية صفوفها استعداداً للمحفل الانتخابي، خاصة ان هذه القوى تحتكم الى رصيد شعبي كبير مقارنة بمجموعة المجلس المركزي).
ويرى مراقبون ان تأثيرات حوار الآلية الثلاثية امتدت تنظيمياً لعدد من القوى السياسية، حيث خلقت صراعات داخلية بين التيار الشبابي الرافض اجراءات الخامس والعشرين من اكتوبر وقيادات الاحزاب المتمسكة بضرورة المشاركة في الحوار لايجاد مخرج للازمة السياسية.
(٥)
وربما تقود الاوضاع داخل الاحزاب الثلاثة ــ وفق خبراء ــ إلى انشقاقات جديدة، لاسيما أن موقف حزب المؤتمر الشعبي وما يشهده من احداث يعد الأصعب مقارنة بحزبي الأمة والاتحادي، لعدة جوانب تتلخص في ان تشدد اطراف الازمة داخل حزب الشعبي قد يقود إلى انشقاق جديد يضاف لسلسلة الانشقاقات التي طالت القوى السياسية السودانية عبر حقب وازمان مختلفة، فيما يعد الوضع هادئاً نسبياً داخل الاتحادي الذي فرض جعفر سيطرته عليه فيما لا يحظى الحسن بقاعدة عريضة على غرار أخيه.
وفي المقابل فإن مقبل الايام سيكون حاسماً في ما يخص مشاركة الامة في حوار الآلية من عدمه، لكن يعتقد البعض الآخر من المراقبين أن الخلافات داخل هذه الأحزاب تاريخية ولا علاقة لها بالحوار او عمل الآلية لكنها تزامنت معه.

Leave a Comment

خمسة عشر + عشرين =