(1)
في الساعات الاولى من صباح الجمعة 30 يونيو 1989م كانت اذاعة امدرمان وتلفزيون السودان تعلن عن بيان قادم للقوات المسلحة وتدعو الشعب الى ان يترقبوه.
والترقب للبيانات العسكرية يحدث من خلال موسيقى عسكرية مثيرة.
في صبيحة يوم الجمعة اعلن العميد عمر حسن أحمد البشير عن استيلاء بعض من الضباط التابعين للجيش السوداني على الحكم، لم يكن الاسلاميون الذين دبروا لهذا الانقلاب يملكون الجرأة للإعلان عن مسؤوليتهم عن هذا الانقلاب ، كانوا (اجبن) من ذلك، وقد بدا البشير في بيانه الاول مثلما ظهر في بيانه الاخير قبل سقوطه بأقل من اربعة اشهر (متخفياً) عندما اعلن انه يقف على مسافة واحدة من الجميع بعد ان تخلى عن رئاسة المؤتمر الوطني ليوكل بها الى احمد هارون. وقد كان هذا هو الفصل الثاني من مسرحية (اذهب الى القصر رئيساً وسوف اذهب الى كوبر حبيساً).
بدأ بيان البشير في 30 يونيو بهذا القول : (أيها الشعب السوداني الكريم إن قواتكم المسلحة المنتشرة في طول البلاد وعرضها ظلت تقدم النفس والنفيس حماية للتراب السوداني وصوناً للعرض والكرامة . وترقب بكل أسى وحرقة التدهور المريع الذي تعيشه البلاد في شتى أوجه الحياة ، وقد كان من ابرز صوره فشل الأحزاب السياسية في قيادة الأمة لتحقيق ادنى تطلعاتها في صون الأرض والعيش الكريم والاستقرار السياسي ، حيث عبرت على البلاد عدة حكومات خلال فترة وجيزة ما يكاد وزراء الحكومة يؤدون القسم حتى تهتز وتسقط من شدة ضعفها وهكذا تعرضت البلاد لمسلسل من الهزات السياسية زلزل الاستقرار وضيع هيبة الحكم والقانون والنظام).
قال البشير في بيانه الاول : (عبرت على البلاد عدة حكومات خلال فترة وجيزة ما يكاد وزراء الحكومة يؤدون القسم حتى تهتز وتسقط من شدة ضعفها وهكذا تعرضت البلاد لمسلسل من الهزات السياسية زلزل الاستقرار وضيع هيبة الحكم والقانون والنظام). الغريب ان هذا الذي رفضه البشير على حكومة الصادق المهدي وكان سبباً في قيامه بالانقلاب عليه وقع فيه هو عندما اصبح رئيساً حيث كان يشكل حكومة كل (45) يوماً وبعض الوزراء يؤدي القسم وبعضهم لا يؤديه.
وصلنا مع البشير للحد الادنى من الحكومات التى جاءت بحسن اسماعيل وروضة الحاج.
جاء في البيان رقم واحد للبشير : (لقد تدهور الوضع الاقتصادي بصورة مزرية وفشلت كل السياسات الرعناء في إيقاف التدهور ناهيك عن تحقيق أي قدر من التنمية مما زاد حدة التضخم وارتفعت الأسعار بصورة لم يسبق لها مثيل واستحال على المواطن الحصول على ضرورياته إما لانعدامها أو ارتفاع اسعارها مما جعل الكثير من ابنا الوطن يعيشون على حافة المجاعة وقد أدى التدهور الاقتصادي إلى خراب المؤسسات العامة وانهيار الخدمات الصحية والتعليمية وتعطيل الإنتاج بعد أن كنا نطمع أن تكون بلادنا سلة غذاء العالم أصبحنا امة متسولة تستجدي غذاءها وضرورياتها من خارج الحدود وانشغل المسؤولون بجمع المال الحرام حتى عم الفساد كل مرافق الدولة وكل هذا مع استشراء التهريب والسوق السوداء مما جعل الطبقات الاجتماعية من الطفيليين تزداد ثراءً يوماً بعد يوم بسبب فساد المسؤولين وتهاونهم في ضبط الحياة والنظم).
قارنوا بين تلك الاسباب التى جعلت القوات المسلحة حسب قول البشير تتدخل وبين ما يحدث الآن.
اما اغرب ما نهى عنه البشير في بيانه الاول وجاء ووقع فيه هو قوله : (لقد امتدت يد الحزبية والفساد السياسي إلى الشرفاء فشردتهم تحت مظلة الصالح العام مما أدى إلى انهيار الخدمة المدنية ولقد أصبح الولاء الحزبي والمحسوبية والفساد سبباً في تقديم الفاشلين في قيادة الخدمة المدنية وافسدوا العمل الإداري ضاعت بين أيديهم هيبة الحكم وسلطان الدولة ومصالح القطاع العام). هذا عينه ما حدث في فترة الانقاذ.
تحدث البشير عن (العزلة) التى لم يشهد السودان لها مثيلاً في فترته وقال في اول ظهور له : (أيها المواطنون لقد كان السودان دائماً محل احترام وتأييد من كل الشعوب والدول الصديقة كما انه أصبح اليوم في عزلة تامة والعلاقات مع الدول العربية أصبحت مجالاً للصراع الحزبي وكادت البلاد تفقد كل صداقاتها على الساحة الأفريقية ولقد فرطت الحكومات في بلاد الجوار الأفريقي حتى تضررت العلاقات مع اغلبها).
لا شيء يمكن ان يدعو للضحك اكثر من ذلك.
(2)
في صبيحة يوم الخميس 11 ابريل 2019 كانت الاذاعة السودانية وتلفزيون السودان وقناة الجزيرة تعلن عن بيان رقم واحد للقوات المسلحة وتدعو الى ترقبه .. وقد كان الشعب السوداني يترقب ذلك البيان وينتظره والقلوب قد بلغت الحناجر.
حيث اعلن وزير الدفاع السوداني وقتها عوض بن عوف الإطاحة بنظام الرئيس عمر حسن البشير واعتقاله، وتشكيل مجلس انتقالى لإدارة البلاد لمدة عامين.
جاء في البيان الاول للقوات المسلحة : (لقد ظلت اللجنة الأمنية العليا المكونة من القوات المسلحة وقوات الشرطة وجهاز الأمن والمخابرات وقوات الدعم السريع ، تتابع ومنذ فترة طويلة ما يجرى بمؤسسات الحكم بالدولة، من سوء الإدارة، وفساد فى النظم، وغياب عـــــدلى فى المعـــاملات، وانسداد للأفق أمــــام كــل الشعب، خاصةً الشباب، فـزاد الفقـير فقـراً، وزاد الغنى غـــناً، وانعـدم حتى الأمل فى تسـاوى الفرص لأبناء الشعب الواحد وقطاعاته المختلفة وعاش أفراد تلك المنظومة الأمنية ما عاشه فقراء الشعب وعامته رغم تعدد وتنوع الموارد التي تجود بها بلادنا).
تحدث عوض بن عوف عن شباب السودان وقال : (إن شبابه خرج فى تظاهرات سلمية عبرت عنها شعاراته منذ 19 ديسمبر 2018 حتى الآن، حيث الأزمات المتنوعة والمتكررة والاحتياجات المعيشية والخدمات الضرورية، وذلك لم ينبه النظام بل ظل يردد الاعترافات المضللة والوعود الكاذبة ويصر على المعالجة الأمنية دون غيرها).
ونحن نسأل القوات المسلحة وماذا يحدث الآن؟ هل سوف تعترفون بذلك بعد فوات الاوان وبعد ان وصل عدد الشهداء بعد انقلاب 25 اكتوبر الى (102) شهيد، ويمكن ان يتضاعف هذا العدد في 30 يونيو القادم.
ماذا تنتظرون؟
(3)
في يوم 25 اكتوبر 2021 ظلت الاذاعة والتلفزيون منذ الساعات الاولى تعلن عن بيان للقوات المسلحة. الى ان ظهر البرهان بعد منتصف النهار وألقى رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني كلمة إلى الشعب السوداني، أعلن فيها عددًا من القرارات المهمة، منها فرض حالة الطوارئ في البلاد، وحل مجلسي السيادة والوزراء، وإعفاء كافة الولاة ووكلاء الوزارات، وتجميد عمل لجنة إزالة التمكين.
جاء في بيان البرهان : (أحييكم تحية عز وشموخ ومهابة مستوحاة من عزة وشموخ شعب السودان. في نصف قرن من الزمان وقف العالم ثلاث مرات ليكتب في تاريخه أن الشعب السوداني رفض أن يحكمه فرد أو فئة لا تؤمن بالحرية والسلام والعدالة، لذلك عندما هتف شباب ثورة ديسمبر المجيدة بهذه الشعارات واحتشد الآلاف منهم أمام القيادة العامة للقوات المسلحة؛ فاستجابت القوات المسلحة وعزمت من وقتها العمل على تحقيق حلمهم في بناء الوطن الذي جوهره هذه الشعارات “الحرية والسلام والعدالة” هي القناعة التامة بأن شباب وأهل السودان يستحقون أن يكون لهم وطن يحلم بتحقيق هذه الشعارات، فيه نؤكد مضي القوات المسلحة في إكمال التحول الديمقراطي حتى تسليم قيادة الدولة لحكومة مدنية منتخبة تحقق لهم طموحهم في هذه الشعارات).
الانتباهة
السؤال الذي يفرض نفسه من يحكم السودان الآن؟ واين هي الحرية والسلام والعدالة التى استجابت لها القوات المسلحة؟ والتى تمثل حلماً لشباب هذه الامة ؟ وهل هناك تحول ديمقراطي حدث في البلاد بعد 25 اكتوبر؟
قال البرهان في خطابه هذا : (انقلب التراضي المتزن إلى صراع بين مكونات الشراكة قاد بلادنا ومكوناتها المختلفة إلى انقسامات تنذر بخطر وشيك يهدد أمن الوطن ووحدته وسلامة أرضه وشعبه) ولا شيء نرد به على هذا القول غير ان نقول لكم انظروا الى الواقع السوداني الآن.
تحدث البرهان عن الاوضاع وقتها وقال : (إن ما تمر به بلادنا الآن أصبح مهدداً حقيقياً وخطراً يهدد أحلام الشباب ويبدد آمال الأمة).. ويا للعجب يخشى على احلام الشباب والآن حياة الشباب انفسهم صارت في خطر دعك من احلامهم.
التهديد اصبح حقيقة.
(4)
بغم /
لا شيء يمكن ان نقوله سوى ان نرد تلك البيانات الى القوات المسلحة قبل زلزال 30 يونيو.
لا تعليق لنا.
ولا كلمة.
هذه بضاعتكم ردت اليكم.
فهل من (بيان)؟
وكل الطرق تؤدي الى (المدنية).