(إن الحكومة الحالية لا مناص أمامها إلا إصلاح الاقتصاد، وحتى إن سقطت الحكومة فما تأتي بعدها ليس لديها خيار غير المضي في ذات الإصلاحات، أو عليكم إسقاطها هي الأخرى) ..هذه العبارة اطلقها وزير المالية جبريل ابراهيم بعد ان اعلن رفع الدعم عن المحروقات، وبدأت احتجاجات متفرقة في العاصمة (الخرطوم)، وتنامي الدعوات لإسقاط الحكومة. ووقتها اكد وزير المالية العزم على مواصلة انتهاج سياسية التحرير حتى يتعافى الاقتصاد السوداني من التشوهات، التي قال إنه ظل يعاني منها كثيراً، ويعترف في الوقت ذاته بأن تلك السياسات ستخلف معاناة كبيرة وسط المواطنين، وشبهها بأنها ستكون جراحات مؤلمة جداً وعميقة وشديدة؛ لكن لا علاج إلا عبر استئصال المرض، ولم يكن التحرير خاصاً بالمحروقات فحسب بل شمل كافة السلع الاستهلاكية التي يعتمد عليها المواطن بشكل يومي من دقيق وكهرباء ودواء وغيرها.
جيب المواطن
وفي برنامج (مؤتمر اذاعي) صرح وزير المالية جبريل ابراهيم بتصريحات وصفها البعض بالمحبطة والمؤلمة ولا تمت لكرامة المواطنين بصلة، وانما مضي الحكومة في تعذيب المواطن واستنزافه بشكل اكبر وفوق طاقته عندما يرسم وزير المالية جبريل ابراهيم لوحة واقعية غير متفائلة عن الحالة الاقتصادية، وانها ليست في احسن حالاتها تضمنت الغلاء الطاحن وضعف حركة الاسواق بجانب الانكماش التضخمي والمواطن الذي يعيش اوضاعاً لا يمكن انكارها، وهي حالة غير مرغوب فيها وتحتاج الى جهود لتتغير، مقراً بأن المالية لا تملك الموارد الكافية وتعتمد في مواردها على جيب المواطن قائلاً: (نجيب موارد من وين ما عندنا موارد الا جيب المواطن) عبر الضرائب التي تأتي من جيب المواطن.
أمر معيب
ويقول المحلل الاقتصادي بروف محمد شيخون لـ (الانتباهة) ان اعتراف وزير المالية باعتماده على جيب المواطن لتسيير الدولة امر معيب لاحتياجه ان يمد يده ليقبض من جيب المواطن بدلاً من ان يدخل الوزير يده في جيب وزارته ويعطي المواطن المطحون الذي يقع تحت خط الفقر. وقال شيخون ان هذا التصريح يوضح ان النهج الاقتصادي معكوس وبعيد عن الاصلاح. واضاف ان اخذ الدولة ما تسير به من المواطن يأتي عن طريق الضرائب غير المباشرة المتمثلة في السلع الضرورية وانتزاع الاموال من المواطن بشكل اسرع عن طريق شراء الخبز الذي اما ان يرتفع سعره او تتقلص احجامه، وفي الحالتين النتيجة واحدة، بجانب شراء الكهرباء التي اثقلت كاهل المواطنين ولا مفر من الحاجة اليها، بجانب الوقود الذي يرتبط بشكل مباشر بحياة المواطنين.
واشار شيخون الى ان فرض الضرائب يعيق الانتاج ويحبطه، لاسيما ارتفاع التكلفة مما يكدس او يقلل ،الانتاج وقال: (كان يفترض على الوزير اطلاق تصريحات مطمئنة ومحفزة، ويعلن دعمه لصغار المنتجين خاصة في القطاعين الزراعي والحيواني بالاضافة الى الصناعي)، واضاف ان كلام الوزير ليس اقتصادياً فيجيب ان يحتوي الحديث على تبريرات للضرائب ورفع الدعم وليس افتخاراً بتسيير الدولة بواسطة جيب المواطن.
شفافية الحديث
ومن منظور آخر يرى الخبير الضريبي د. عادل عبد المنعم ان حديث وزير المالية به كثير من الشفافية خاصة السياسات التي اتبعتها الدولة منذ عام ٢٠٢١م، لافتاً الى ان السياسات الاقتصادية بالبلاد يتبناها صندوق النقد والبنك الدوليان، وقال لـ (الانتباهة): (كان لا بد ان يتم تحرير اسعار الوقود واسعار الصرف والدولار الجمركي لصد انهيار اقتصادي اكثر من الواقع الحالي)، ولفت الى ان الاقتصاد في هذه الظروف يحتاج لتطبيق السياسات الضريبية والاستفادة من حصيلة الضرائب والناتج المحلي، ولفت الى ان الاجمالي للناتج المحلي الضريبي وصل الى ٤٪ من اجمالي حصيلة الضرائب بينما يوغندا واثيوبيا ١٢٪، اما مصر ١٨٪، مبيناً ان المغرب افضل دولة في الوطن العربي من حيث اجمالي حصيلة الضرائب البالغة ٢٤٪.
وقال عبد المنعم ان الموازنة سنوياً تصاب بالعجز، مما يتطلب التوجه لطباعة النقود واصابة الدولة بالتضخم.
الانتباهة
واوضح ان الحل يكون في ارتفاع حصيلة الضرائب، وذكر ان الشعب السوداني مقاوم للضرائب خاصة رجال الاعمال الذين يقاومون اية زيادات ضريبية، الامر الذي جعل الحصيلة ضعيفة وسببت الازمة وجعلت الدولة تلجأ لجيب المواطن. وقال ان معظم الشركات الكبرى والقطاعات الاقتصادية لديها اعفاء عن الضرائب ومن الصعب فرض الضريبة عليها لصعوبة الوصول لحساباتها، ولكن بعد ان يتم التطور والالتزام الضريبي ستتمكن الدولة من العبور بالاقتصاد ورفع الحصيلة الضريبية.
وقال ان سياسة الوزير لا غبار عليها لجهة امكانية زيادة النسبة، واضاف ان الوزير متخوف من الاقدام على قرار زيادة الضرائب لتأزم الوضع اكثر مما هو عليه.