السودان..بعد الارتفاع الكبير في المعدلات مسلسل (الاختفاء)… متى سينتهي ومن المسؤول؟؟

by شوتايم3

خرجت نون- اسم مستعار لشخصية حقيقية- من منزل ذويها بغرض الذهاب للجامعة كالمعتاد فهي في السنة الثالثة من جامعة خرطومية شهيرة ، ولم يدر بخلد ذويها انها لن تعد مرة اخرى ، فنون شخصية متزنة ومتدينة ولم يعرف عنها التصرفات الغريبة الطائشة ،وعند مواعيد عودتها اليومية والتي في الغالب تكون بعد مغيب الشمس لم تحضر نون للمنزل ،وتوقع اهلها بحسن نية ان تكون أزمة المواصلات هي الإشكال فحاولوا الاتصال بها ولكن كان هاتفها مغلقا ،وبحسن نية ايضا رجح ذووها ان يكون هاتفها قد أغلق بسبب بطارية الهاتف الفارغة، ولكن عندما جاءت الساعة الثامنة مساء هنا دب القلق في أمها وانتقل تلقائيا لوالدها واخوتها فليست من عادة نون ان تتأخر لما بعد الثامنة مهما كانت الأسباب ،فهنا تحركت الاخوات عبر الاتصال بصديقات نون ،وكانت الاجابات غريبة نوعا ما فكلهن قالن ان نون لم تحضر اليوم للجامعة ،وهنا بلغ القلق والخوف ذروته عند أهلها فذهب اخوتها للبحث عنها في المستشفيات تخوفا من ان يكون مكروها قد اصابها ،وذهب الوالد لقسم الشرطة المجاور للمنزل عندما جاءت الساعة الحادي عشرة مساء ولم تظهر نون بعد ،وبعد ان كان البحث دون فائدة في المستشفيات ،وهنا تحول المنزل لخلية أزمة وتم الاتصال بالمعارف المقربين وبعدد من النظاميين ذوي القربى للعائلة ،خصوصا وان قسم الشرطة اشترط لتدوين البلاغ ان تمر 24 ساعة للاختفاء كما ينص القانون الجنائي السوداني لسنة 1991 .
وبارتفاع معدلات القلق مر اليوم الاول للاختفاء ولم تظهر نون ومر اليوم الثاني والأسبوع الثاني وهكذا،وسعت الشرطة للبحث عنها عبر شريحة الهاتف حال اذا ما فتحت الشريحة ولكن بدون جدوى فالهاتف مغلق منذ اليوم الاول للاختفاء ،وتحول المنزل لبيت عزاء بانتشار الأخبار خصوصا على السوشيال ميديا والتي اضطر الأهل للمساعدة للبحث عن نون بإنزال صورتها على صفحات على شاكلة مفقود وأبحث معنا في الفيس بوك.
ولكن دون جدوى ..وفجأة وبعد مضي أكثر من شهرين ونصف عادت نون دون مقدمات وكأن لم يكن هناك شيء ،وطلبت من ذويها ان لا يسألها أحد عن مكان اختفائها واكدت لهم بانها اختفت بمحض إرادتها …انتهت قصة نون ولكن لم تنته قصص أخرى مشابهة لأخريات لم يعرف مكانهن حتى الآن ولا يعرف ما اذا كن قد اختفين بمحض إرادتهن ام تم اختطافهن ام قتلن.
ويبدو ان ظاهرة الاختفاء قد تصاعدت في الآونة الأخيرة بصورة مخيفة ومعظم البيوت السودانية لا تخلو من مفقودين لم يتم العثور عليهم وأصبحوا في حكم المختفين وبحسب مختصين فإن الظاهرة لها أسباب عديدة منها أمنية وسياسية ونفسية بجانب تردي الأوضاع الاقتصادية.
وتقول مصادر شرطية لـ(الإنتباهة) ان الظاهرة في تصاعد مستمر مما جعل عبارة خرج ولم يعد على لسان الكثيرين ونشرات البحث عن المفقودين عن طريق الملصقات التي نجدها معلقة امام المساجد وعلى أعمدة الكهرباء والطرقات تشكل هاجساً على المجتمع وتكررت ظاهرة اختفاء الفتيات كثيراً حتى أصبحت مصدر قلق للأسر ولا يمر يوم إلا وتظهر قصة مشابهة تفاصيل مثيرة رصدناها خلال رحلة بحث وتقص حول حقيقة الظاهرة وكانت المفاجأة وجود العديد من الحالات التي اختفت بمحض الإرادة ولم يتم التبليغ عنها خوفاً من الوصمة الاجتماعية، الخطير في الأمر أن الظاهرة انتشرت وسط الفتيات أكثر من الشباب. (الإنتباهة) التقت بمختصين وعدد من أسر المفقودين وبعض الذين تم العثور عليهم وخرجت بالتالي :
اختفاء الفتيات
وأصبحت ظاهرة اختفاء الفتيات تمثل تهديداً للمجتمع بصورة عامة والأسرة بصورة خاصة وتناولت وسائل الإعلام والتواصل في الفترة الماضية العديد من حالات الاختفاء لأسباب غير معروفة والملاحظ في الأمر أن هذه الظاهرة بدأت تأخذ طابع الإثارة مؤخراً وهناك حالات عثر عليها وأخرى لم يتم العثور عليها ووفقاً لمراقبين فإن معظم حالات الاختفاء للفتيات تتم بمحض الإرادة تساؤلات كثيرة تفرض نفسها لماذا تزايدت الظاهرة وما الجهة التي تقف وراء ذلك ولماذا تكتفي الاسرة بالسكوت عند الحصول على مفقوديها؟.
خروج وعودة
وبشأن اختفاء الفتيات تروي الشابة (س م) لـ(الإنتباهة) تفاصيل اختفائها لمدة ثلاثة أشهر حيث قالت تشاجرت مع أخي لأنني رفضت الزواج من إبن خالتي فقام أخي بضربي وكسر يدي بعد ذلك قررت الهروب من المنزل فقمت ببيع هاتفي وذهبت الى بيت صديقتي في أحد الأحياء الطرفية بالخرطوم وكنت على تواصل مع والدتي ولكني طلبت منها عدم إخبار اي شخص بمكاني ومرت ثلاثة أشهر على اختفائي ولا أحد يعلم مكاني وقمت باستخراج جوازي للسفر خارج البلاد وفي يوم ما طرق طرق باب المنزل بطريقة غريبة وعندما قامت والدة صديقتي بفتحه وجدت أبي وعمي وسأل عني خرجت له وأخبرته بأني لا أريد العودة الى منزلنا مرة أخرى فتعهد لي بعدم ضربي وقال لي “أخوك تاني ما بضربك إلا لو انا مت” وبعد ذلك عدت معه.
من جانبها قالت الشابة (أ ن) التي تبلغ من العمر 16 عاماً لـ(الإنتباهة) خرجت منذ 8 أشهر من إحدى المناطق بجنوب كردفان بعد أن قام عمي بضربي بعد أن ضبط عندي هاتفا كنت أحمله سراً وقررت الهروب بعد ذلك خوفاً من أن يعلم والدي بذلك ويقوم بمعاقبتي لأنه صعب جداً لذلك هربت الى الخرطوم كي لا يجدني أحد من أهلي وعند وصولي السوق الشعبي أمدرمان وجدت امرأة تعمل بائعة شاي فقلت لها (عايزين يعرسوني لولد عمي عشان كدا هربت وما عندي مكان أمشي ليهو) فقالت ليس لدي مانع أن تعملي معي وبعد ذلك ذهبنا الى منزلها بالثورة وكان لديها أربعة بنات فجلست معهن وكنت في الصباح أذهب معها الى العمل ونعود في المساء وقمت بتغيير اسمي حتى لا يعرفني أحد ومرت الأيام والشهور وأهلي لم يتركوا مكانا إلا وذهبوا اليه وقدموا كثيرا من البلاغات وفي نهاية الأمر رآني أحد أقاربي بالسوق واتصل بخالي الذي يقطن بالصفوة فجاء خالي ومعه شرطيين واقتادوا المرأة الى القسم وانا معهم فقلت لهم أن جئت لها بإرادتي ولم تقم بخطفي وتم إطلاق سراحها وأعادني خالي الى منطقتنا واذا تكرر معي الأمر سوف أخرج مراراً وتكرارا.ً
حرقت قلبي
أما المواطنة (ر ع) فروت لـ(الإنتباهة) تفاصيل خروج إبنتها واختفائها شهرين حيث قالت بنتي تدرس في السنة الأولى بكلية التمريض بإحدى الجامعات وخرجت ذات يوم دون أي إنذار لمدة شهرين ولا نعلم مكانها لم نترك مكانا إلا وذهبنا له للبحث عنها الكل يتساءل لماذا اختفت وما هي الأسباب وفي يوم ما عادت لوحدها ولم نسألها أين كانت خوفاً من هروبها مرة أخرى وبعد أيام لاحظت تصرفات غريبة تقوم ثم سمعتها تقول لأختها (انا حامل وما تسأليني من وين) فأصابتني صدمة وكدت أموت قررت الانتحار الا أنني تراجعت لأن لدي أطفال ابنتي حرقت قلبي وسودت وجهي أمام الناس ولا أستطيع التحدث أكثر من ذلك.
خرج ولم يعد
ويقول المواطن أيوب حسن لـ(الإنتباهة) إن ابنه الأكبر قد خرج من منزلهم قبل ثلاثين عاماً ولم يعد حتى الآن مما دفعه للبحث عنه في كل مكان وأضاف أملي لم ينقطع في عودة ابني يوماً برغم الإحباط من قبل الآخرين إلا أنني أصبحت على قناعة بأن ابني سيعود لي بنفس الباب الذي خرج منه .
من جانبها قالت المواطنة ام الحسين بركات لـ(الإنتباهة) ان ابنها قد خرج منذ عشر سنوات بسبب خلاف بينه وبين والده حول الارتباط بفتاة حيث رفض والده تلك الفتاة لأسباب خاصة مما دفعهم للدخول في نقاشات حادة الامر الذي أدى الى خروج الابن وأضافت وصلتني رسالة من أحد الأشخاص أخبرني فيها بأن ابني لن يعود حتى تعود اليه تلك الفتاة وتابعت المشكلة لا تزال قائمة وأنا أشعر بالذنب على ما حدث وأحمل والده المسؤولية الكاملة على ذلك الاختفاء.
وفي ذات الاتجاه تقص المواطنة فاطمة الشايب لـ(الإنتباهة) تفاصيل خروج أخيها حيث قالت أخي كان يريد الزواج من فتاة خارج العائلة ولكن ابن عمها رفض ذلك ومنذ العام 2007 خرج ولم يعد وقمنا بالبحث عنه في كل مكان المستشفيات المشارح الأقسام وحتى المقابر والآبار على أمل أن نحصل على جثته توفي أبي بحسرة فقدانه كما فقدت والدتي سمعها وبصرها من كثرة البكاء عليه وبين حين والآخر نسمع عنه في مدينة وعندما نذهب لا نجده ونصحنا كثير من الناس بعمل مراسم عزاء له ولكننا رفضنا لأننا نأمل في عودته يوما.
اختفاء بمحض الإرادة
ولاستكشاف الجوانب النفسية والعصبية لهذا الأمر يقول استشاري الطب العصبي والنفسي علي بلدو لـ(الإنتباهة) ان أكثر من 90% من حالات الاختفاء في السودان تتم بمحض الإرادة نتيجة لضغوط نفسية محددة كالاكتئاب والقلق والخوف من التزويج بشخص لا يرقبون في الزواج منه أو رفض الأسرة لذلك والعنف الأسري الذي يمارس تجاه بعض الأشخاص مما يجعل الشخص يعيش في بيئة غير آمنة ويرغب في التخلص من هذه الحياة بالبحث عن ملاذات آمنة بالاختفاء عن الأنظار مشيراً الى وجود حالات مرضية كالزيادة في كهرباء المخ والاضطرابات الهرمونية والغدد الصماء التي تؤدي الى التشويش في التفكير والإدراك ومجرى الأمور مع تزايد حالات الخرف المبكر والمزمن ومرض الزهايمر بجانب ظاهرة تعاطي المخدرات التي تتسبب في الخروج الى أماكن بعيدة أو الاختفاء وتابع هناك حالات اختفاء نتيجة للعجز عن ممارسة الحياة الطبيعية بكافة أشكالها وعدم القدرة على تحمل المسؤوليات مما تجعل الشخص يفضل الطفشان بدلاً من ذلك.
ونوه بلدو الى أن معالجات هذه الظاهرة تشمل تضافر الجهود بين الجهات العدلية والقانونية والطبية وتوفير الحياة الكريمة للمواطنين بجانب حل قضاياهم وتوفير الأمن وتطبيق القوانين الخاصة بالحرية الشخصية وزاد حال استمر تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية فإن الجميع سيخرجون ولن يعودوا مرة أخرى .
العنف والتنمر
من جهته قال أستاذ علم الاجتماع حسن وهبي لـ(الإنتباهة) أن الاختفاء في البلاد يرجع الى العديد من الأسباب أهمها الضغوط الاقتصادية والمعيشية بجانب كثرة الخلافات داخل الأسر وتهتك النسيج المجتمعي بصورة عامة وأضاف من الأسباب أيضاً الشعور بعدم القدرة على تلبية الطموحات وتحقيق الأحلام مما يلقي بالعبء على الشخص ويجعله يشعر بالرغبة في الخروج وعدم العودة خاصة في ظل ما يمارس عليه من عنف وتنمر وشعور بالضغوط تجاه الآخرين والتهرب من المسؤولية والتنصل من الواجبات الموكلة له وتابع لا أنفي وجود أسباب أخرى تتعلق بالشخص نفسه أو المجتمع أو الواقع الذي يدفع بالأشخاص للخروج من منازلهم وعدم العودة مرة أخرى.
زيادة مستمرة ومقلقة
وفيما يتعلق بالجوانب القانونية عن حالات الاختفاء تقول المستشار القانوني مها عثمان لـ(الإنتباهة) ان اختفاء الأشخاص في السودان يمكن الإبلاغ عنه بعد مرور 24 ساعة بحسب القانون الجنائي ومن ثمة يتم التحري مع الأسرة أو المبلغ يلي ذلك تعميم أوصاف المختفي على الأقسام والمستشفيات والمشارح وغيرها كما يمكن الاستعانة بالقروبات في مواقع التواصل وأضافت ذلك يتطلب جهدا من الأسرة تتأكد من أن المفقود على قيد الحياة مؤكدة ارتفاع نسبة المفقودين بالبلاد .

الانتباهة
بالمقابل كشف مصدر شرطي لـ(الإنتباهة) عن أن حالات الاختفاء في السودان أصبحت في زيادة مستمرة وذات وتيرة عالية ومقلقة للسلطات الامنية بحسب قوله مشيراً الى تزايد جرائم الخطف بغرض الحصول على فدية الأمر الذي يحدث في الأسر الغنية والمعروفة لافتاً الى وجود اختفاء بغرض الزواج في حالة وجود نزاعات بين الأسر حيث تقوم الفتاة بالهروب مع الشاب من أجل الزواج بها في منظقة أخرى مؤكداً أن ذلك يشكل جريمة يحاسب عليها القانون والمجتمع وقال هناك عديد من حالات الاختفاء نتيجة لمشاكل أسرية غالباً ما يتم فيها عمل ترضيات بعيداً عن القانون خوفاً من الملاحقة بسبب الاتهام بالبلاغ الكاذب تحت المادة 114 من القانون الجنائي السوداني.

Leave a Comment

15 − اثنان =