تتسارع وتيرة الأحداث في البلاد وتتباطأ، لكنها لا تنتهي ابداً، فمنذ سقوط البشير عام ٢٠١٩ والاوضاع في فترة الانتقال تتشابك هنا وهناك، وتتلاحق في قاسم مشترك واحد يجمع بينها عنوانه العريض هو البحث عن كيفية الخروج من الازمة والمأزق معاً، مما يجعل الجديد حاضراً في الأحداث بل ومتوالياً. ومع هذا التلاحق والتشابك نظل نستعرض ونحلل ونقف على مجريات الأحداث حال وقوعها، وفق ممكن ومُتاح المساحات، خلال مشابك الأسطر التالية.
بدا رئيس البعثة الاممية لدعم الانتقال في السودان فولكر بيرتس، وهو يفصح عن عدم نيته التحدث مع الإسلاميين او حتى اشراكهم في الحوار التي تسهله البعثة لحل الازمة في السودان، أكثر حصافة وهو يضع في بريد التيار الإسلامي الرافض له رسائل رداً على اتهاماته المتواصلة بالتدخل في سيادة البلاد والتحكم في شوؤنها، وذلك من خلال الدعوات والمسيرات الحاشدة الداعية لذلك، بأن كان اكثر دبلوماسية حين قال في مقابلته أمس الأول لقناة (الحرة): (إن السودان دولة ذات سيادة، وإن كانت هناك قوانين تقول إن هذا الحزب ممنوع فلا أستطيع أن أعمل معه، وأنا أعمل تحت قوانين هذه الدولة).
وفيما اعتبر كثير من المراقبين تصريحات فولكر عادية وذلك من واقع ما اقتضته مرحلة الانتقال التي حكمت بابعاد الإسلاميين من المشهد السياسي لحين قيام انتخابات حرة ونزيهة، انتقد في الأثناء البعض هذه التصريحات لاعتبارات كثيرة في أولها طبيعة المشهد الذي يتطلب مهادنة الجميع، سيما أن أصابع الاتهام تشير نحوهم بالعبث في المشهد الحالي.
وبحسب المحلل السياسي خالد البشير لـ (الانتباهة) فإن فولكر عبر رسالته، أراد أن يقول للاسلاميين الرافضين والمتهمين له بالتدخل في سيادة الدولة، انه لا يعمل خارج نطاق سيادتها، كما انه لا يفرض رأيه عليها، وإنما يعمل وفق القانون الذي قام بحل الحزب منذ سقوط البشير في أبريل ٢٠١٩، وذلك عقب إجازة قانون تفكيك نظام الثلاثين من يونيو ١٩٨٩م. ويرى البشير أن فولكر يحق له توضيح ما يوجه له من اتهامات بالعبث في سيادة الدولة وعودة عهد الاستعمار القديم.
وأكد بيرتس على عدم مهادنة البعثة لأية أطراف بعينها، مشدداً على عملهم وفق قوانين البلاد، مشيراً إلى ما وصفها باتهامات شديدة اللهجة وبعض التجمعات خارج مكتبهم من قبل حزب النظام المخلوع (حزب المؤتمر الوطني).
وفي موازاة ذلك أكد القيادي الإسلامي أمين حسن عمر رداً على تصريحات فولكر أنهم كذلك لا يأبهون لحوار يديره الأجانب، وقال في حسابه على فيسبوك انهم لا يريدون أن يكونوا طرفاً في حوار يقوده أصحاب الأجندات المعلومة، وأوضح انه إن لم تكف أيادي فولكر عن الحوار فسيصبح غباراً تذروه الرياح إلى حيث تلقى حمولها.
وظل الآلاف من الإسلاميين يسيرون مسيرات حاشدة امام مبنى البعثة الاممية بالخرطوم للمطالبة بطرد فولكر بيرتس، وذلك تنديداً بعمل البعثة وتدخلاتها التي وصفوها بالسافرة في الشأن السياسي السوداني والتعدي على السيادة الوطنية للبلاد.
تراجع عن قرار إعفاء ديون السودان
تعليق إعفاء الديون.. هل تجبر الخطوة على التعجيل بالتوافق؟
ضغوط جديدة تواجهها السلطات من أجل ضرورة العودة إلى المسار المدني الديمقراطي، وذلك بان أعلنت مجموعة نادي باريس تعليق قرار إعفاء ديون السودان المقدرة بنحو ٦٤ مليار دولار، بسبب اجراءات انقلاب ٢٥ أكتوبر. تداعيات الانقلاب وما اعقبه من تمترس وانسداد للافق السياسي بين جل المكونات عجل بهذه الخطوة، رغم الحوار الذي تسهله الآلية الثلاثية المشتركة بين الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة والايقاد.
وطبقاً لوسائل إعلام عالمية، أمس الاول، قال تقرير للمجموعة في جزئه الثالث إن أعضاء المجموعة اتفقوا بشكل جماعي على تعليق الخطوات التي بدأت العام الماضي ودخل بموجبها السودان مبادرة تخفيف أعباء البلدان الفقيرة المثقلة بالديون (هيبيك).
وأشار التقرير إلى أن المجموعة ستواصل التنسيق مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومؤسسات التمويل الدولية حتى التأكد من عودة السودان إلى المسار الانتقالي المدني الذي حصل بموجبه على تلك الإعفاءات في أعقاب مؤتمر باريس الذي عقد في منتصف مايو ٢٠٢١م.
وبحسب متابعين فإن القرار يعتبر بمثابة كرت ضغط على جميع المكونات المدنية والعسكرية بضرورة التوصل الى اتفاق فيما بينها. ويذهب مراقبون إلى أن تداعيات القرار من شأنها أن تعجل بالتوصل إلى صيغة تفاهمية لإدارة ما تبقى من الفترة الانتقالية، ووفق المحلل السياسي نصر الدين بابكر فإن الصراع السياسي والتشبث بالمقاعد قاد البلاد إلى حافة الهاوية، وتعليق قرار الاعفاء يعتبر حرباً على السودان وعودة إلى المربع الأول. وتوقع نصر الدين في حديثه لـ (الانتباهة) أن تدفع الخطوة عملية الحوار الذي يمضي الآن، فيما دعا السياسيين إلى احكام صوت العقل والتوافق بدلاً من الانشقاقات.
وفي النصف الثاني من العام الماضي أعلن صندوق النقد الدولي توصل السودان إلى نقطة النهاية للاستفادة من مبادرة تخفيف أعباء الديون، مما أهله للحصول على تمويلات وخطوط ائتمان بأكثر من ثمانية مليارات دولار.
وخلال مؤتمر باريس الذي عقد في مايو ٢٠٢١م حصل السودان على تعهدات ضخمة شملت إعفاء الحصص الأكبر من الديون الجماعية والفردية، إضافة إلى تمويلات لعدد من مشروعات البنية التحتية والتنمية، لكن الولايات المتحدة الأميركية وبلدان الاتحاد الأوروبي ومؤسسات التمويل الدولية أعلنت تعليق تلك التعهدات بعد استيلاء الجيش على السلطة وإقالة حكومة عبد الله حمدوك التي أشرفت على المؤتمر حينها.
ومن جانبه يتأسف الخبير الاقتصادي د. عبد العظيم المهل بسبب قرار تعليق إعفاء الديون، مشيراً إلى أن ما حدث يؤكد أن الأطراف السياسية في البلاد لا تكترث لمصلحة المواطن السوداني ولا بمصلحة البلاد. وقال المهل لـ (الانتباهة) إن القرار كان متوقعاً ويعتبر بمثابة حرب اقتصادية على السودان، لان تداعياته تعني عدم مقدرة السودان على اخذ قروض، وقال: (بهذا القرار سيكون هناك إحجام من المستثمرين، مما يقود إلى حدوث شح في النقد الأجنبي وارتفاع في الأسعار وزيادة في معدلات التضخم مرة أخرى)، وتابع قائلاً: (اللوم كله يقع على القوى السياسية بالوانها المختلفة، بتمترسها وعدم التوصل إلى اتفاق سياسي، وذلك من اجل الكنكشة في المقاعد دون معرفة قيمة اعفاء هذه المليارات بسبب تعنتهم، وهذا القرار سيتبعه المزيد من القرارات).
مطالب هناك باعتقاله
حميدتي.. هل يزور تل أبيب؟
منذ لقاء البرهان برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مدينة عنتبي اليوغندية بواسطة الرئيس اليوغندي موسيفيني في فبراير ٢٠٢٠، والحراك السري بشأن عملية التطبيع وتعزيز العلاقات مع إسرائيل لم يتوقف، بل انه يمضي في خطوات حثيثة، على الرغم من حالة التكتم من قبل المكون العسكري. وفي خضم تلك الزيارات السرية المتبادلة بين كبار المسؤولين في البلدين، تحدثت مصادر عن زيارة مرتقبة لنائب رئيس مجلس السيادة قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) إلى إسرائيل، دفعت على اثرها لاجئين سودانيين ونشطاء إسرائليين لمخاطبة النائب العام الإسرائيلي باعتقاله حال وصوله والتحقيق معه في جرائم حرب دارفور.
وبحسب (دارفور ٢٤) فإن الخطاب المعنون للنائب العام وجه صوت لوم للسلطات على استقبال حميدتي ووفده في زيارة سابقة له عقب انقلاب ٢٥ أكتوبر. وانتقد في ذات الأثناء مراقبون الدعوات واعتبروها في غير محلها، لاسيما في عدم وجود بلاغ او قضية في مواجهة حميدتي، وكذا عدم وجود بروتكولات تعاون قانوني بين الخرطوم وتل أبيب بهذا الشأن.
وفيما يبدو أن زيارة حميدتي المرتقبة لتل أبيب ليست الأولى من نوعها، فقد اشار خطاب اللاجئين في إحدى فقراته إلى ذلك، حين ذكر انه من المخزي أن المدعي العام السابق لم يقدم إلى العدالة الجنرال محمد حمدان دقلو خلال آخر زيارة معروفة له إلى إسرائيل مطلع أكتوبر الماضي، ويبدو بالمقابل أن المطالب كذلك ليست الأولى من نوعها وذلك من خلال ذكر عبارة النائب العام السابق بعدم استجابته لمطالب الاعتقال.
ويرى خبراء في الشأن السياسي أن العلاقات بين الدول وقادتها لا تدار عبر دعوات واحتجاجات الناشطين والغاضبين، وانما تدار بواسطة المصالح، وأن إسرائيل تبحث عن مصالحها مع السودان، وبحسب المحلل السياسي محجوب محمد لـ (الانتباهة) فإن هذه الدعوات لن تبرح مكانها، ولن تلقي إسرائيل لها بالاً، وذلك لأن السودان يمثل لها الكثير، وقد ظلت طوال عقود تبحث عن كيفية للتطبيع معه، لكن عقائدية النظام السابق حالت دون ذلك، وتابع قائلاً: (إسرائيل مصالحها الآن مع العسكر وليس المدنيين، وإن كانت تلقي بالاً لهذه الدعوات لقبلت التحذيرات الأمريكية السابقة من المضي في عملية التطبيع).
وبدأت عملية التطبيع مع إسرائيل في ظل سعى الحكومة الانتقالية إلى الانفتاح الخارجي والبحث عن مخرج من الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، وكان في مقابل ذلك التطبيع إنهاء العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان ورفع اسمه من قائمة الدول الراعية للارهاب.
(٢٨) ألف مواطن من إفريقيا الوسطى يطلبون اللجوء في السودان
٩٩٪ منهم يعيشون في دارفور.. (زيادة الهم همين)
وكأني بانسان دارفور على موعد بمضاعفة اعباءه التي تنوء اكتافه عن حملها في ظل تدني الخدمات على جميع مستوياتها، دون أن يكفيه ذلك ليقاسمه في هذا الضيق تدفق الآلاف من لاجئي إفريقيا الوسطى والعيش معه رغم حالة الشح، يناصفونه الفقر والحرب، ويزيدون من همه، في وقت تعيش فيه البلاد حالة اقتصادية حرجة.
وكشف تقرير حديث صادر عن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أن أكثر من 28 ألف مواطن من إفريقيا الوسطى (حوالى 9344 أسرة) تقدّموا بطلبات لجوء إلى السلطات السودانية، و (99%) من هذا العدد يعيشون وسط السكان في ولايات دارفور وفي العاصمة، فيما يعيش (1%) في معسكرات فقط خاصة بهم في جنوب دارفور.
وأثار التقرير سخرية الكثيرين في ظل ما تشهده البلاد من ضائقة اقتصادية خانقة، جعلت عدداً كبيراً من أبنائه يفضلون الهجرة.
وبحسب تقرير للمفوضية فإن طالبي اللجوء من إفريقيا الوسطى يتوزعون على ولاية جنوب دارفور (11.035) شخصاً وفي وسط دارفور (15.109) وغرب دارفور (29) والخرطوم (596) شخصاً.
ووفق التقرير فإن وجود اللاجئين من إفريقيا الوسطى في الأراضي السودانية كان بسبب العنف القبلي الذي شهدته بلادهم على مدى السنوات الماضية، وذكر أنه وصل خلال هذا العام حوالى (596) لاجئاً إلى الأراضي السودانية.
عقدت اجتماعاً ثانياً مع المكون العسكري
مركزية التغيير.. الكيل بمكيالين
عقب لقاء كافوري الخميس الماضي مع اللجنة العسكرية الثلاثية بوساطة سعودية أمريكية، شددت مركزية التغيير على تمسكها برفض اي حوار يقود إلى شرعنة الانقلاب وطالبت بالتحول المدني الديمقراطي الكامل، غير أن مصادر بالحرية والتغيير أبلغت (الشرق) بعقد اجتماع بين المجلس المركزي والمكون العسكري امس الأول لتبادل الرؤى.
وفيما اثار اللقاء جدلاً واسعاً انتقدته جل المكونات الثورية عدته بالمقابل قوى سياسية خطوة نحو الحل، لكن رغم ذلك يرفض كثير من هذه القوى عودة الثنائية على ان يكون الحوار شاملاً لا يقصي أحداً عدا حزب المؤتمر الوطني.
ومن جانبه اوصد رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان الباب أمام اي اتفاق ثنائي الاسبوع الماضي خلال تنويره للضباط وقوات الدعم السريع، وذلك عندما أعلن تمسكه بالحوار الشامل دون أي تحالف ثنائي.
وفي ذات المنحى ترى قوى واحزاب ثورية عدم توحد موقف المجلس المركزي للحرية والتغيير في إنهاء الانقلاب، ووفق القيادي بالحزب الشيوعي كمال كرار في تصريحات للصحيفة فإن المجلس يتحدث عن إنهاء الانقلاب دون تحديد الكيفية والآلية لذلك، مع الاحتفاظ برؤيته في عدم وجود مبرر لجلوس المجلس المركزي للحرية والتغيير مع المكون العسكري مهما كانت الضغوط الأمريكية والسعودية بحسب تصريحاته.
الانتباهة
ومن جانبها ترفض لجان المقاومة وتجمع المهنيين وقوى الثورة مجتمعة اية تسوية تضمن بقاء العسكر، وتوجه الاتهامات للمجلس المركزي للحرية والتغيير ببيع القضية والتخلي عن شعار اللاءات الثلاث، غير أنه وحسب الأمين العام لحزب الأمة الواثق البرير فإن الحرية والتغيير لم ترفع هذه الشعارات يوماً ما.