(1)
مهما حاول البعض التقليل من شأن ثورة ديسمبر التي أنهت حقبة مظلمة من الشمولية، ستظل هي الجذوة المتقدة لطرد خفافيش الظلام، هي ليست لقيطة وليست هاملة بلا أم وبلا أب، أبوها وأمها الشعب السوداني الذي شارك فيها بكل فئاته وقطاعاته… ثمة حقائق موضوعية، وواقع جديد تشكّل في السودان منذ الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع عمر البشير وسلطة المؤتمر الموطني المحلول…. تلك الحقائق الموضوعية لا يمكن طمسها وتغبيشها وتضليل الناس عنها، لأنها باتت كالشمس في كبد السماء الصافية… وذلك الواقع الجديد سيظل عصياً هو الآخر على كل من يحاول تخطيه وتجاوزه… ذلك الواقع وتلك الحقائق يعنيان عبارة واحدة وهي أنه لا أحد يستطيع كسر إرادة الشعب السوداني وتطلعاته نحو الحرية والديمقراطية، مهما أوتي من قوة ومهما قهر وقتل واستبدَّ… لا أحد يستطيع أن يقود الناس كالقطيع إلى حيث يريد، وليس بإمكان أحد أن يمارس تغبيش الوعي في ظل ثورة الوعي ذات القناديل المتوهجة والسراج المبين الذي لا مكان فيه لعيش خفافيش الظلام، ولأن ثورة الوعي أكبر من كل تلك الممارسات…. ثورة الوعي ظلت ولا تزال تقطع الطريق أمام لصوص الثورات والمختطفين وقد باءت كل محاولات الاختطاف والسرقة بالفشل من كل المخادعين والمرائين، وسنظل على يقين راسخ أن كل من يقف أمام هذا التيار الجارف والأمواج المتلاطمة سيخسر كثيراً، مهما امتلك من أسباب القوة والسلطة والنفوذ…
(2)
تأسيساً على الحقائق الموضوعية أعلاه، وبناءً على الواقع الجديد الذي تشكل في ظل ثورة الوعي، نقول لقادة المؤسسة العسكرية، إن قهر الثوار وتقتيلهم وترهيبهم واقتحام منازلهم واعتقالهم وكل محاولات تكميم الأفواه لن تجدي نفعاً، وتذكروا دائماً أن هؤلاء الشباب الثوار هم من فجر ثورة ديسمبر وأشعلوها بأجسادهم وصبوا عليها دماءهم لتبقى جذوتها متقدة تنير دروب الحرية والديمقراطية والدولة المدنية… دولة الحقوق والقانون والسلام والعدالة، فقد كانت تلك غاياتهم الكبرى ومقاصدهم النبيلة، ولهذا قدموا أرواحهم رخيصة في سبيل هذا المجد…
(3)
إن ثورة ديسمبر بشعاراتها وأهدافها المعلنة، وبقيادتها الشبابية الواعية لم تكن ثورة ترف، ولم تكن ثورة من أجل التفكك والانحلال والمجون، ولا من أجل اللهو والرقص كما حاول البعض أن يصبغها بهذه الصبغة ازدراءً وتقليلاً وغيظاً، وطمس معالمها بالتشويش والدعاية السوداء ومحو آثارها حتى من الجداريات… هذه هي حقيقة الثورة المجردة وواقعها الحقيقي، وإن حاول البعض الانحراف بها إلى غاياته وأجندته فلا يعني أن تلك غايات الثورة التي ركب الكثيرون قطارها ولم يكونوا من صناعها وما كان لمفجريها أن يمنعوا أحداً من ركوب القطار…
(4)
ليكن راسخاً في أذهان الذين يتسيدون المشهد الآن أن هذه الثورة لم تفجرها أحزاب اعتصام القصر ولا الحركات المسلحة ولا الجبهة الثورية ولا الإدارات الأهلية، ولم يبل هؤلاء ولم يدفعوا ثمناً ولو قليلاً، اللهم إلا أنهم ركبوا قطارها مع الراكبين وما كان لقادتها أن يمنعوهم طالما أنها ثورة الشعب السوداني كله… كل الأحزاب بما فيها قوى الحرية والتغيير كانت تبحث عن تسويات مع نظام البشير لاقتسام السلطة معه، والآن تبحث ذات الأحزاب سراً التسوية مع البرهان وحميدتي… أروني حزباً واحداً فاعلاً في الساحة لم يشارك نظام المؤتمر الوطني ولم يدخل معه في حوار من أجل التسوية والمشاركة، أو أبدى موافقته لخوض انتخابات 20 20 التي كان من أهم أهدافها إعطاء نظام البشير الشرعية…
(5)
إذن وبناءً على ما سبق فإن الثورة ثورة شباب خالصة لا عسكر ولا أحزاب ولا حركات مسلحة ولا إدارات أهلية، ولا أي جهة انتهازية دفعت ثمناً لهذه الثورة ولهذا يظل الشباب الثائرون اليوم هم أصحاب الحق، وأهل الثورة الحقيقيين، وسيظل قتلهم والتضييق عليهم ومنعهم من التظاهر السلمي والتنكيل بهم جريمة لا تُغتفر ولا يمكن تبريرها بأية حال .. فقد ظلموهم وتعدوا على حقوقهم من حاولوا اختطاف ثورتهم من قبل ، والآن يظلمهم ويقتلهم وينكل بهم من يزعم تصحيح مسار ثورتهم.. فلا حول ولا قوة إلا بالله….. اللهم هذا قسمي فيما أملك.. (6) نبضة أخيرة: ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق انه يراك في كل حين.
أحمد يوسف التاي : لا تظلموا الثوار أكثر مما فعلتم
56