{رؤيتي}
بقلم/ التاج بشير الجعفري
زُهاء الستة أشهر تقريباً والأوضاع السياسية الغير مُستقِرة في السودان على حالها؛ لا تغيير عليها عدا التصريحات المُتضارِبة من الأطراف المختلفة في وقت تشتد فيه الضغوط المعيشية على المواطنين بسبب الأزمة الإقتصادية المُستحكِمة.
الانتباهة
فماذا ننتظر من حُلول؟
في اعتقادي أن السلطات ظلت تُراهن على عامل الوقت بالنظر للاحتجاجات المتواصلة من المعارضين والشباب الثائر في الشارع وهي إحتمالية بدأت تتضاءل ويتأكد نقيضها تماماً مع صمود المحتجين وصلابة موقفهم رغم كل الصعاب التي يواجهونها.
أيضاً يُلاحظ إختفاء المبادرات الداخلية والخارجية سوى مبادرة مولانا الميرغني الأخيرة والتي يُمكن أن تُساهم في الوصول لحلول تُلبي مطالب المحتجين بعد أن ثُبت بما لا يدع مجالاً للشك أو التأويل أن تيار الشباب والفئات الأُخرى الموجودة في الشارع لا يستهان بها فضلاً عن أنها مُصمِمَة على تحقيق أهدافها في الحكم المدني الديمقراطي ودولة العدالة والمساواة.
غني عن القول أن “الجُمود النِسبي” المُتمثِل في عدم بروز أي مبادرات للحل سببه إنشغال العالم بأحداث كبيرة ومهمة مثل الحرب الروسية على أوكرانيا والتي ربما يؤدي ما سينتج عنها من تغييرات وتحولات إلى إعادة تشكيل العالم وخريطة التحالفات التي تنبثق عن ذلك.
أقول أن دول العالم المؤثرة في القرار السياسي (أمريكا؛ الدول الغربية وروسيا والصين) كلها مُنهمِكة في تأمين مصالحها الآنية والمستقبلية في عالم تتعاظم فيه المخاطر التي تتهدده بسبب التوترات والنزاعات الناتجة عن صراعات النفوذ بين القوى العظمى للسيطرة على الموارد والثروات.
ومع التأكيد على فشل النخبة السودانية؛ السياسيين والعسكريين؛ في بَلورة حلول “داخلية” وهو ما يبدو مستحيلاً في الوقت الحالي نظراً للانقسامات الحاصلة والعجز الواضح وعدم القدرة على إنتاج حل للأزمة التي سيطرت على البلاد منذ الإطاحة بنظام الإنقاذ البائد.
لا أدري على ماذا تُراهِن السلطات وما هي خططها لمعالجة الأزمة التي أضعفت البلاد واستنزفت مواردها الشحيحة أصلاً، والأهم من ذلك أن الوطن فقد بسببها خِيرة شبابه الأبطال الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل بناء دولة الكرامة والعدل والمساواة بين الجميع.
من الواضح أن العالم يتجه لمرحلة تنكفئ فيها الدول على نفسها داخلياً وتَعمد على تعظيم وصَون مواردها وتأمينها لمصلحة شعوبها وأجيالها القادمة؛ وهذا لا يعني أنها لن تعير العالم الخارجي اهتماماً، ولكن سيأتي ذلك في مرتبة متأخرة على سُلم اولوياتها؛ ويجب هنا أن نتذكر “الشعار الشهير” الذي كان ينادي به الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وظل يطبقه في كل سياساته إبان فترة حكمه التي امتدت لأربع سنوات ويتمثل في مقولة “امريكا أولاً” America first رغم أن أمريكا هي سيدة العالم والمسيطرة على كل قراراته وهو ما يفرض عليها بالضرورة مسؤولية أخلاقية مقابل هذه السيطرة.
قصدت من الإشارة لإمكانية انكفاء الدول على نفسها وتركيزها على معالجة مشاكلها الداخلية أن أشدد على ضرورة أن يترفع السياسيين وأصحاب القرار في بلادنا عن المصالح الشخصية والآنية وأن يسعوَا بإخلاص وعزيمة لإيجاد صيغة توافقية فيما بينهم حتى لا تضيع البلاد من بين أيدينا جميعاً .. فليس هناك أحرص منا كسودانيين على مصلحة بلادنا، ولن يأتينا حل من الخارج أفضل مما يمكننا أن نتوصل إليه بأنفسنا كسودانيين في حال صَفيت النفوس وخلُصت النوايا لحل هذه الأزمة السياسية الحالكة.
أخيراً أدعو السياسيين والقادة العسكريين وكل المشاركين في صُنع القرار السياسي في البلاد أن يتذكروا ويضعوا نُصب أعينهم هؤلاء المواطنين الصابرين على ضغوط الحياة المعيشية القاسية وجحيم الأسعار الحارقة وأن يسعوا جاهدين إلى طيِ خلافاتهم ووضع المصلحة الوطنية وضرورة توفير الحياة الكريمة للمواطنين على سلم أولوياتهم ويعملوا بجد وإخلاص لتحقيق ذلك.
والله من وراء القصد.