حين صرح رئيس الوزراء عقب تقلده المنصب في أول مؤتمر صحفي له، بأنه من الممكن استبعاد المرشحين الثلاثة لكل وزارة حال لم يستوفوا المعايير والشروط المحددة، ارتسمت علامات الإعجاب وقتها زهواً بحسم رئيس الحكومة القادم، بل ذهبت التكهنات إلى أن بوادر فك ارتباط تلوح في الأفق بين الحاضنة السياسية ورئيس وزرائها، لوقوفه حائط صد أمام تمرير أجندتها، لكن حمدوك لم يعد قوائم وقتها، وشكلت الحكومة بطاقمها المعروف. والآن وبحسب مراقبين فإن حمدوك أكثر حرصاً هذه المرة على اختيار طاقمه الوزاري بعناية، لاجتياز المرحلة التي لا تسمح بأية إخفاقات مجددة، وقراره بإعادة القوائم اثلج صدور (المغاضبين) و (الحردانين) اعتراضاً على سياسة الحرية والتغيير في انتهاج المحاصصة وإقصاء الآخرين على حساب البعض، وفي مقدمتهم التجمع المدني، الذي أشادت فيه أمينة محمود الشين بخطوة رئيس الوزراء واعتبرتها تتسق والطريق الصحيح .
وقالت امينة لـ (الإنتباهة) ان هدفهم هو الالتزام بالمعايير الصحيحة، وإنهم داخل التجمع لا يرفضون الأحزاب وإنما يرفضون طريقة المحاصصة، واكملت قائلة: (الكفاءة مهمة وننتظر ماذا سيفعل رئيس الوزراء، والشارع يوجه لنا الاتهامات، دون أن يعرف اننا مضغوطون) .
انسحابات
مزاعم اختطاف القرار من قبل بعض الأحزاب داخل إعلان قوى الحرية والتغيير وتحيزها لتكتلاتها على حساب آخرين، دفع كثيراً من الأحزاب والكيانات للخروج آخرها التجمع المدني، بسبب عدم الالتزام بالمعايير وتفضيل الانتماء السياسي على الكفاءة، ومن قبلها اعتراضات حزب الأمة وانسحاب الشيوعي على ذات المنهج. وقد وجدت بعض الأسماء المرشحة لتولي وزارات حساسة مثل وزارة مجلس شؤون الوزارء اعتراضات من قبل الجميع، وأبرز هذه الأسماء هو القيادي بحزب المؤتمر السوداني خالد عمر الذي تم استبعاده لعدم انطباق المعايير عليه. وبحسب عضو لجنة الترشيحات بالحرية والتغيير مجدي عبد القيوم، فإن الوزارتين بصرف النظر عن المرشحين، تحتاجان للكفاءة والمؤهلات العالية والخبرات الثرة، سيما وزارة شؤون مجلس الوزراء التي يرى أن يترك أمرها لرئيس الوزراء لاختيار المناسب لها .
وأكد مجدي لـ (الإنتباهة) أن المرشحين لم تنطبق عليهم المعايير والشروط، وتوقع تأجيلاً آخر لإعلان الحكومة في موعده الإثنين المقبل، لمنح الكتل التي استبعد مرشحيها وقتاً لرفع قوائم بديلة، وتضم قائمة وزارة مجلس شؤون الوزراء المستبعدين خالد عمر يوسف ومهدى رابح وحاتم عمر عابدين، فيما تحوي قائمة وزارة النقل والطيران ميرغنى موسى وطه عبد الله يس ونبيل التنويري.
جراحة واسعة
ويضع محللون للشأن السياسي في البلاد تدقيق رئيس الوزراء وتمحيصه في القوائم، دون وضع أية اعتبارات لأسماء بعينها ساهمت في الثورة، في خانة الجراحات الواسعة التي تأتي لسبيين، أولهما الانتقادات التي ظلت تلازمه بسبب الحكومة في شكلها الأول ودمغه من قبل الشارع بالفشل، وثانياً بسبب تذمر المكون العسكري، خاصة عقب تهديدات البرهان الأخيرة بتشكيل حكومة طوارئ، وكذا امتعاضه من الوضع في البلاد وتدهور الاقتصاد والأمن نسبة لعدم الإسراع في تشكيل الحكومة.
حمدوك من ضمن القرارات الحاسمة، التي يتوقع أن يتخذها، بحسب صحيفة (السياسي) هي طرح برنامج ملزم للاحزاب التي ترغب في دخول الحكومة، واجراء جراحة واسعة على قوائم الحرية والتغيير، ويشمل البرنامج المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الى جانب العلاقات الخارجية، وان اي حزب لن يوقع على برنامج الحكومة لا يحق له دخولها.
وطبقاً للصحيفة فإن ملامح البرنامج ترتكز على اعتماد سياسة الاقتصاد الحر، بجانب اعتماده في السياسة الخارجية القائمة على مصالح البلاد العليا وعدم ارتباطها باية مواقف ايديولوجية، بما فيها العلاقة مع اسرائيل التي ستكون ضمن برنامج الحكومة، حتى لا يكرر رئيس الوزراء الاخطاء السابقة التي عطلت عمل الحكومة في مماحكات عديدة مثل عدم اجازة الموازنة السابقة، الى جانب محاولة الاحزاب المشاركة في الحكومة وانتقادها وتحميلها الفشل، في حين انها قد قامت بعرقلة برامجها في الكثير من الاحيان .
استفزاز الشارع
وفي حين أكدت مصادر من داخل الحرية والتغيير لـ (الإنتباهة) على اتجاه الكتل التي استبعد مرشحيها الى قوائم بديلة، قالت مصادر أخرى إن رئيس الوزراء سوف يتجه لتعيين وزير من خارج الحزب، غير أن القيادي بالحزب الشيوعي كمال كرار قال إن ذلك غير ممكن لأن الوزارات التي استبعد مرشحيها من نصيب الحرية والتغيير ولا بد من تقديم بدائل.
لكن كمال كرار على الرغم من ذلك بدا غير متفائل في حديثه للصحيفة بخطوة رئيس الوزراء باستبعاد المرشحين، وقال إنها حالة شبيهة بحالة حدثت في ترشيحات الحكومة السابقة. وقال: (من الواضح أن رئيس الوزراء في خضم المحاصصات قدمت له شخصيات أو أسماء غير مؤهلة لتولي المنصب، وتغيير الأشخاص لا يحل المشكلة، والأمر ليست له أية دلالة إيجابية، لأن الشارع يريد برامج وسياسات وليس أشخاصاً)، وتابع قائلاً: (ما يحدث يدل على أن هناك إرباكاً في المشهد السياسي، وان الحرية والتغيير ليست لديها أية معايير صارمة في اختيار مرشحيها، وهذا يعتبر استفزازاً للشارع).
مواصفات معينة
وبدوره انتقد المحلل السياسي البروفيسور حسن الساعوري نهج الحرية والتغيير في ادارة الدولة قائلاً: (ديل لا فاهمين لا قادرين يفهموا، ولا عايزين يشتغلوا)، وقال الساعوري لـ(الإنتباهة) إن قوائم الحرية والتغيير التي قدمتها تؤكد أنها بحاجة للمؤهلات، موضحاً أن المحاصصة الحزبية يجب أن تتبعها إمكانات ومؤهلات. ونوه بأن منصب الوزير يستوجب شخصية بمواصفات معينة، قائلاً: (ما اي شخص ممكن يكون وزير).
ومن جانبه يرى المحلل السياسي بكرى عبد الرحمن أن هناك توتراً بين الحرية والتغيير ورئيس الوزراء بدأ منذ قدوم مسؤول الخزانة الأمريكية والتوقيع على اتفاقية إبراهام .
ويقول بكرى إن رئيس الوزراء أمام امتحان وتحد ماثل، عقب الانتقادات التي وجهت له في الحكومة السابقة، ولذلك لا يملك سوى فرض المعيار وسد الثغرات.
الانتباهة