( اقتصادنا في الحضيض ) هذه العبارة التي خرجت من أفواه عدد من خبراء الاقتصاد الذين تحسروا على وضع البلاد واقتصادها وصعوبة ايجاد حلول إسعافية في الوقت الحالي ورهنوا الإصلاح بتغيير الحكومة ووضع خطط استراتيجية وسياسات أكثر مرونة ومنطقية بديلا للسياسات المتهورة التي اتبعت اخيرا ودمرت ما تبقى من اقتصاد ، وفي المقابل فان الدولار أصبح سيد الموقف والمتحكم في كل صغيرة وكبيرة في البلاد بما في ذلك معاش الناس الذي صعب عليهم ليجدوا كل يوم اسعارا جديدة وزيادات في كافة السلع الاستهلاكية لا سيما الكهرباء والوقود الذي لا شك ان المواطن هو الذي يدفع الثمن ومع كل هذا الضجيج والصراخ نجد ان الحكومة تسير في سياساتها الخاطئة دون وضع حال المواطن في اعتبارها لتبدأ أصابع الاتهام تشير الى ان سكوت الحكومة على هذا الحال يكشف عن مستفيدين وانتهازيين وأصحاب مصالح ليس من منفعتهم المعالجة والإصلاح الاقتصادي او حتى استقرار الدولار .
والثابت ان سعر الصرف بدأ في الانفلات الجنوني عقب إجراءات ٢٥ اكتوبر وحل الحكومة وتصاعدت قمية العملات الأجنبية امام العملة الوطنية بصورة مخيفة ومدمرة للاقتصاد الوطني وهي احد إفرازات السياسات الاقتصادية التي اتبعها بنك السودان المركزي بتحرير سعر الصرف والتي وصفها الاقتصاديون بتنصل عن المسؤولية وان السوق الموازية بالأصل لم يختف، ان الفترة السابقة حدث بها الكثير من الإجراءات مثل تعويم الجنيه وغيرها والتي شهدت تضليلا إعلاميا لجهة ان موارد النقد الأجنبي في البنك المركزي خلال الثلاث سنوات السابقة كانت ضئيلة ولا تتناسب مع حجم الأموال المطلوبة للاستيراد او العلاج مما نتج عنه السوق السوداء،هذا بجانب ان المحفظة أنشئت لامتصاص هذا الاثر ولتوفير عملات اجنبية للسلع الاستراتيجية أصبحت هي نفسها تشتري من السوق السوداء، وطالما هناك طلب على الدولار سيزيد سعره في السوق، وفي جولة أجرتها (الإنتباهة) داخل السوق الموازي كشفت عن قفزات جنونية لأسعار العملات الاجنبية ليصل سعر الدولار الى ٨٠٠ جنيه أما الدرهم الاماراتي والريال القطري بلغا قيمة ١٩٠ جنيها بينما يتراوح سعر اليورو بين ٧٨٠ الى ٧٩٠ جنيها ونجد الريال السعودي به كثير من المضاربات بين التجار مما اوقف البيع الذي وصل ١٨٥ الى ١٩٠ جنيها وعلق احد المتعاملين بالعملة (للإنتباهة) ان المشكلة الاساسية في البنك المركزي الذي طلق العنان لتجار وضيق الخناق على المواطن وقال اذا فتح البنك المركزي منافذ بيع وشراء للعملة فلن يتجه احد للموازي ولكن حدد سقفا معينا للشراء وبشروط واجراءات تعقيدية .
تأثير سلبي
والشاهد ان كثيرا من تجار السلع أوقفوا عمليات البيع والشراء خوفا من الخسارة التي سوف يتسبب فيها تسونامي الدولار ومع دخول شهر رمضان الفضيل وحاجة المواطن لقضاء عدد من السلع الاستهلاكية الضرورية نجد ان هناك ارتفاعا ملحوظا ومتوقعا نسبة لارتفاع الدولار الذي لازم ارتفاعه كافة الاحتياجات الضرورية مما أضر كثيرا بالمواطن وكشفت جولة (الإنتباهة) عن اسعار السلع الاستهلاكية وقال احد التجار ان سعر جوال السكر كل يوم يختلف عن القبله لافتا الى وصول قيمته بين ٢٨٠٠٠ الى ٢٩٠٠٠ جنيه وقال ان عددا كبيرا من التجار أوقفوا بيع السكر الى حين الاستقرار وليخرج بقيمة اكبر تفاديا للوقوع في الخسائر اما سعر لبن البودرة ٢ كيلو ونص بلغ قيمة ١٤٠٠٠ جنيه ورطل الشاي ١٨٠٠ جنيه ورطل البن ٢٢٠٠ جنيه كرتونة الشعيرية والمكرونة ٤٨٠٠ جنيه اما سعر كرتونة الصلصة ظروف ٣٥٠٠ جنيه باقة زيت مقاس كبير ٦٥٠٠٠ جنيه باكت دقيق سيقا ٨٢٥٠ جنيها أما ربع البصل ١٠٠٠ جنيه .
سياسات خاطئة
ولا شك ان ارتفاع الدولار له تأثيره السلبي على الذهب الذي اعتمدت الدولة على عائداته والدخول في بورصة لتحكم في سعره ويقول الخبير الاقتصادي بروفيسور محمد شيخون لـ(الإنتباهة) ان سعر الذهب مربوط بالدولار في الوقت الذي يفترض ان يكون عالميا ولكن في السودان الدولار هو سيد الموقف واضاف لا يمكن ان يختلف سعر الذهب عن ارتفاع العملات الحرة، واشار شيخون الى ان البورصة يمكن ان تحدد سعر الذهب عالميا وللتسويق الخارجي ولكن داخل البلاد قيمة العملات الأجنبية هي التي تفصل السعر باعتباره حسابا داخليا ولفت ان العرض محدود والطلب كبير ولفت الى ان محدودية الكمية تؤدي الى تنافس أكبر للاستحواذ على الذهب.
واضاف ان القانون قنن تعويم الجنيه واصبحت البنوك تجارية في الوقت الذي يفترض ان تشكل لجنة لتسيطر عليه. وتمنع الزيادة وقال ان العملة الحرة اصبحت سلعة تباع وتشترى وبها الربح والخسارة وتحدث بها مزايدات ،واشار الى انه في السابق كانت تنفذ سياسة سعر الصرف المرن المدار من بنك السودان المركزي ولكن سياسة تحرير سعر الصرف انهت كافة السياسات وبدلا ان يتحكم فيه أطلق العنان للبنوك التجارية ولتجار العملة ولفت الى ان حتى عائدات الصادر أصبحت تدخل البلاد كسلع هامشية وبأسعار عالية تمتص الأموال.
وقال شيخون ان ارتفاع العملات الاجنبية دوامة ليس وراءها حل إلا بتغيير السياسة النقدية بالكامل للمحافظة على الاقتصاد الوطني وجعل الذهب سلعة سيادية تتبع للحكومة مباشرة ويكون البنك المركزي هو الجهة الوحيدة للبيع وبالعملة الصعبة ويوظف عائداته للسلع الاستراتيجية. وعلق شيخون ان هذه السياسة صعب تطبيقها لان وراء هذه الأزمة أصحاب مصالح وليس من منفعتهم المعالجة .
مخاطر اقتصادية
ويقول الخبير الاقتصادي د. الفاتح عثمان لـ(الإنتباهة) ان انهيار سعر الصرف للجنيه السوداني بعد تبني الحكومة السودانية لسياسات تحرير سعر الصرف للجنيه السوداني من دون وجود دعم دولي أو احتياطي من النقد الأجنبي في بنك السودان كان أمرا متوقعا في ظل وجود تضخم مرتفع جدا بلغ 259٪ ومخاطرة واضحة لكن يبدو أن بنك السودان رأى أنها مخاطرة لابد منها في ظل تناقص احتياطي البنك المركزي السوداني من النقد الأجنبي والذهب وصعوبة تمويل الاستيراد وازدياد دور السوق الموازية كجهة ممولة لتجارة السودان الخارجية بدلا من بنك السودان .
وقال الفاتح كان يمكن لبنك السودان الاستعانة بالأمن الاقتصادي ووزارة المالية للتدخل بشكل مباشر في السوق الموازية والعمل على تخفيض اسعار العملات الأجنبية أمام الجنيه السوداني لتعويض ضعف القدرات المالية لبنك السودان وكان أيضا بوسع بنك السودان ووزارة المالية ووزارة التجارة تبني سياسات قفل الاستيراد إلا للسلع الضرورية وقفل حدود السودان مع مصر لحركة الباصات وقصرها فقط على الشاحنات والتشديد على منع السفر للخارج الا للعاملين في الخارج والأجانب لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد إضافة لتبني إجراءات لمنع أي تمويل للتشييد وقصر التمويل علي الأنشطة الإنتاجية فقط وإلغاء أي دعم للكهرباء بعد 200 كيلو الأولى وبذلك يتم تقليل الطلب على الدولار وتخفيض التضخم وايضا تقليل الطلب على الدولار عبر تقليل السيولة ومنع الاستيراد والتضييق على السفر للخارج مع امتناع المصارف كافة من شراء الدولار الا من المصدرين لتركه يتهاوى للسعر الذي يتناسب وحاجة الاقتصاد السوداني أي سعر 450ج وبعدها تقبل المصارف السودانية شراء أي كمية معروضة منه لتثبيت السعر في الرقم المناسب للاقتصاد السوداني.
حرامية وانتهازيون
أما الخبير الاقتصادي د. كمال كرار قال لـ(الإنتباهة) ان ارتفاع الدولار ازمة للاقتصاد السوداني والسياسة النقدية كما ان صعود سعر الدولار في المفهوم الاقتصادي هو انهيار العملة الوطنية .
وأكد كرار ان ما يحدث هو بفعل فاعل لسياسات اقتصادية ما بعد الثورة وبعد انقلاب ٢١ اكتوبر نسبة ان كل السياسات التي خرجت من الجهات المسؤولة تدمر الجنيه وتزيد الأزمة الاقتصادية، وقال نحن اليوم ندفع ثمن تلك القرارات بداية برفع الدعم الكلي لكافة السلع الاستراتيجية وتحرير سعر الصرف واضاف لاتوجد أسباب لذلك الصعود المتواصل الا ان الدولة انتهجت سياسات خاطئة ادت الى خروج التجارة الخارجية بجانب ان خزينة الدوله فارغة و المركزي ليس لديه احتياطي من العملات الأجنبية وبقت الى ان القدر المقدر الذي كان يأتي من الصادر ألغته القرارات الاخيرة وتركت الاقتصاد في قبضة السوق الأسود .
الانتباهة
وانتقد كرار قرارات البنك السوداني المركزي ووصفة بالتنصل والتخلي عن دوره وأصبح هو احد تجار العمله بدلا ان يسيطر عليها ويحافظ على قيمة العملة الوطنية وقال ان هذا النوع من السياسات أضر كثيرا بالمواطن وجعل اقتصاد البلاد في الحضيض، مشيرا الى ان وجود فئة أطلق عليهم وصف الحرامية والانتهازيين للمشهد الاقتصادي وهي الفئة الوحيدة المستفيدة من هذه السياسات الضارة، ورهن كرار معالجة الوضع الاقتصادي للبلاد والإصلاح بتغيير الحكومة والتعديل في هذه السياسات والعمل بمفهوم اقتصادي وطني يدعم المواطن في كافة الخدمات وتسهيل معاشه .