بفندق (راديسون بلو) في العاصمة المصرية القاهرة، كانت ثمة مفاجأة في انتظار بعثة فريق المريخ التي تتأهب عبر مرانها لخوض معركتها الكروية أمام الهلال أمس الأول. فبينما الاستعدادات بلغت أوجها للمباراة، يدلف إلى داخل الفندق مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني الأسبق صلاح عبد الله قوش ملتقياً رئيس النادي حازم ونائبه الأول محمد سيد أحمد الجاكومي وبقية البعثة الإدارية والفنية، وذلك بصفته عضو مجلس الشرف المريخي السابق. ضجة واسعة اثارتها الزيارة التي تعد اول ظهور رسمي لقوش في مناسبة عامة منذ الاطاحة بالبشير في أبريل ٢٠١٩م، معلناً مؤازرته ودعمه للمريخ في البطولة الإفريقية والمحلية، في وقت طالبه فيه ببذل كل الجهد حتى ينال إحدى بطاقتي التأهل في البطولة الإفريقية، الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه حول دلالات الظهور وتوقيتاته، بعد فشل السلطات في إلقاء القبض عليه عبر الانتربول. ما الذي أراد قوش إرساله من خلال الزيارة المعلنة لبعثة الفريق وفي بريد من؟ وما علاقة الظهور بحديث عن خلافات بين البرهان وحميدتي؟
الصعود إلى الهاوية
وظل صلاح قوش منذ سقوط البشير مثار جدل واسع واهتمام كبير يسعى الجميع لفك شفرته الغامضة، والغوص بداخله، بحثاً عن الحقيقة الكاملة لـ (دوره) في الثورة واسقاط النظام، وكذا إيجاد استبيانات لاستفهامات معلقة حول نهجه ونهج نظامه في التعامل مع الثوار قبل السقوط، دون أن تشفع له شهادات قادة الثورة أنفسهم عقب ذلك بضلوعه في تمكين المعتصمين من الوصول إلى ساحة الاعتصام بفتحه الجهة الغربية للقيادة، ليظل بصورته التي عليها الرجل الباطش حامي النظام وعكازه الذي اتكأ عليه لسنوات عدة. وعلى الرغم من استقالة قوش من المجلس العسكري وابتعاده عن المشهد، الا ان الاتهامات ظلت تلاحقه في إشعال كثير من الحرائق في البلاد لافشال فترة الانتقال، وذلك بعد أن خسر ترتيباته في الصعود الى السلطة وصعد إلى الهاوية، بعد إسهامه الكبير في إسقاط النظام، وكان نائب رئيس مجلس السيادة قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) قد اتهمه بالوقوف وراء أحداث هيئة العمليات في يناير ٢٠٢٠م التي عدها تمرداً، مشدداً على تورطه عن طريق ضباطه الموجودين في الخدمة وخارجها في التخطيط للانقلاب على الوضع، بحسب الاتهام.
صراع المحاور
وفيما يضع متابعون للمشهد السياسي علامات استفهام حول ظهور قوش المعلن أمس الأول، يرى بالمقابل مراقبون للشأن السياسي الظهور من خانة صراع المصالح وتعدد المحاور، في ظل حالة التناحر بين روسيا واوكرانيا ومساندة الولايات المتحدة الأمريكية الأخيرة. ويذهب المراقبون في حديثهم لـ (الانتباهة) إلى ان علاقة الصراع بظهور قوش المعلن تأتي من باب إعادة ترتيب المشهد، سيما عقب زيارة نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو إلى روسيا التي إثارت توقيتاتها جدلاً واسعاً وغباراً كثيفاً، وبحسب المحلل السياسي محجوب محمد لـ (الانتباهة) فإن ظهور قوش بشكل رسمي منذ سقوط البشير أمر يقرأ في إطار إعادة صياغة المشهد في السودان من قبل الولايات المتحدة الامريكية، وذلك في ظل تعدد المحاور، ويستند محجوب خلال تحليله إلى ما راج عن صراع بين الجيش والدعم السريع ومخاوف البرهان من تحركات حميدتي. والسلطات المصرية عندما وجهت لها اسئلة من قبل الصحافيين عن اقامة قوش باراضيها انكرت هذا الأمر ونفت وجوده، بينما ظهر أمس الأول في فعالية رسمية على اراضيها، مما يعني ان السلطات المصرية سمحت له بذلك. وكانت الحكومة عبر النائب العام قد ذكرت انها خاطبت القاهرة من أجل تسليم قوش، الا ان القاهرة ردت بعدم وجوده على اراضيها.
رجل أمريكا
ومما لا شك فيه أن صلاح قوش يعتبر رجل أمريكا القوي والممسك بزمام كثير من الملفات، وعلاقته مع (سي. آي. إيه) تحدث عنها الأميركيون وفق ما هو مبذول على محركات البحث، كما تحدث عنه السودانيون عندما كشف مصطفى عثمان إسماعيل الذي كان يشغل منصب وزير الخارجية النقاب عن هذا التعاون، وقال إن التعاون في هذا الصدد على الحرب ضد الإرهاب الذى بات سياسة عالمية، وذكر أن قيامهم بذلك يأتي في إطار واجب السودان كعضو في المجتمع الدولي وما يمليه الواجب من ضرورة التصدي لهذه الظاهرة. وأكد اسماعيل وفق (ويكبيديا) أن هناك تعاوناً استخباراتياً بين واشنطون والخرطوم. وهذا التعاون سيؤدي إلى فتح مكتب اتصال خارج السفارة السودانية في واشنطون، للتنسيق بين جهاز المخابرات السوداني ووكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي. آي. إيه)، وهذا هو التعاون الذي جعل الوكالة تعترض بشدة على إدراج اسم قوش ضمن المتهمين بارتكاب جرائم حرب في دارفور بسبب تعاونه الأمني مع الأميركيين. وتعرضت (سي. آي. إيه) نتيجة تعاونها مع قوش إلى حملة إعلامية ضارية في الولايات المتحدة، إلى الحد الذي جعل بورتر غوس مدير (سي. آي. إيه) يتراجع عن عقد اجتماع مع قوش حين زار واشنطون، وكان الأميركيون يدركون أهمية الرجل بالنسبة لهم.
شخصية تاريخية
الانتباهة
وفي مقابل ذلك شدد خبراء قانونيون على ان قوش لا يواجه اية تهمة جنائية، وان كل التهم الموجهة ضده سياسية، غير أن المحلل السياسي والباحث بجامعة إفريقيا العالمية أزهري بشير أكد لـ (الانتباهة) ان قوش أصبح شخصية تاريخية وأدى دوره سواء كان سلبياً او ايجابياً، ويجب في السودان الجديد تجاوز اشياء كثيرة، ويرى أزهري ضرورة المساهمة في بناء الوطن ودعم الشباب والأخذ في الاعتبار أن نسبتهم في السودان تتجاوز ٦٢٪. وقال ان النخب السياسية خلال الفترة الماضية لم تركز على تواصل الاجيال، ويجب عليها الترجل وفتح المجال لشريحة الشباب ودعمها بقوة.
وفي غضون كل ذلك يظل قوش شخصية محورية تختزن الكثير من الملفات وفق مراقبين، الأمر الذي يضع عدة تساؤلات حول سيناريوهات الايام المقبلة، في ظل تحولات كبيرة في خريطة المشهد السياسي بالسودان.
في أول ظهور رسمي له أمس الأول (قوش).. دلالات الظهور
90