تفاجأ الجميع بهبوط طائرة (بدر للطيران) التي اثارت جدلاً كبيراً أخيراً بمطار الفاشر صباح أمس، وتعود المفاجأة الى أن طائرة بدر حملت رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي) وقادة حركات الكفاح المسلح إلى دارفور، الأمر الذي جعل البعض يتساءل اين الطائرات الرئاسية؟ في وقت رجح فيه البعض توجه الرئاسة لطيران بدر، لجهة أن الوفد ضخم ويضم رئيس وأعضاء السيادي وقيادات الحركات المسلحة، فيما انتقد البعض وجود رئيس مجلس السيادة ونائبه في طائرة واحدة، وتساءلوا أين المراسم من كل هذا؟ ووصل رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان ونائبه الفريق أول محمد حمدان دقلو وعضوا المجلس د. الهادي إدريس والطاهر حجر والوفد المرافق لهم أمس الى مدينة الفاشر حاضرة ولاية شمال دارفور، وفور وصوله انخرط الوفد في اجتماع المجلس الأعلى المشترك للترتيبات الأمنية بمدينة الفاشر برئاسة البرهان وبحضور نائبه دقلو وعضوي مجلس السيادة د. الهادي إدريس والطاهر حجر وحاكم إقليم دارفور ووالي الولاية وأطراف العملية السلمية بدارفور.
شعارات تندد بالزيارة
وناقش الاجتماع سير تنفيذ بند الترتيبات الأمنية ــ مسار دارفور ــ التي نصت عليها اتفاقية جوبا للسلام بجانب الوقوف على تطورات الأوضاع الأمنية بإقليم دارفور وسير تشكيل القوة المشتركة ذات المهام الخاصة بتحقيق الأمن والسلام في الإقليم. وفي يوليو من العام الماضي شكل رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان لجنة عليا مشتركة من الحكومة وأطراف العملية السلمية لتنفيذ الترتيبات الأمنية باتفاق جوبا. وتشرف اللجنة العليا المشتركة على مواقع تجميع مقاتلي الحركات الموقعة على اتفاق السلام وعلى عمليات الدمج والتسريح. وفي موازاة ذلك تجمع العشرات من شباب تجمع المهنيين ولجان المقاومة بالفاشر نهار أمس امام المجلس التشريعي الانتقالي ورفعوا شعارات تندد بزيارة البرهان وحميدتي للفاشر. واستخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع في تفريق المتظاهرين، كما اغلقت السلطات شارع السينما المؤدي الى امانة حكومة الولاية وسط انتشار كثيف للقوات الامنية، في الوقت الذي يعقد فيه الفريق اول البرهان اجتماعاً مع اللجنة المشتركة للترتيبات الامنية بامانة حكومة شمال دارفور. وكانت لجان المقاومة وتجمع المهنيين قد اصدروا بياناً في وقت متأخر من مساء امس الاول دعوا فيه الى مسيرة لامانة الحكومة رفضاً لهذه الزيارة.
ضبط القوات
الخبير الأمني طارق محمد عمر يؤكد أن زيارة رئيس مجلس السيادة ونائبه وقيادات الحركات يمكن أن تؤكد البدء الفعلي للترتيبات الامنية التي تأخرت كثيراً، ويشير إلى أن العقبات المالية التي كانت تشتكي منها الحكومة سابقاً لبدء الترتيبات الامنية يمكن أن ترتب الآن ولن تجد فيها الحكومة صعوبة، ويقول طارق في حديثه لـ(الانتباهة) إن استعانة الحكومة بالإدارات الأهلية في دارفور في مسألة الترتيبات الأمنية ستساهم في نجاحها بصورة كبيرة خاصة في مسألة ضبط القوات، لجهة أن زعماء وسلاطين الإدارة الاهلية كلمتهم مسموعة، ويضيف قائلاً: (يمكن للحكومة أن تشرك الإدارات الأهلية في الترتيبات الأمنية، ويشدد طارق على ضرورة عدم إبعاد اية قوات عن الترتيبات حتي لا تحدث توترات في الاقليم).
خطأ أمني
وفي خضم ذلك يشير طارق إلى وجود بعض المشكلات الداخلية ومشكلات أخرى لديها ابعاد دولية يمكن أن تؤثر في الترتيبات الأمنية، لجهة أن هناك مجموعات مثل مجموعة عبد الواحد نور مازالت تقاتل في دارفور، بالإضافة إلى تدخلات دول الجوار والدول الغربية في دارفور، ويضيف ان هذه التدخلات لديها تأثير في الاقليم، وربما تؤثر في الترتيبات الأمنية، في وقت يؤكد فيه طارق أن وجود اثنين من رأس الدولة في زيارة واحدة أمر غير سليم من ناحية أمنية وخطأ أمني، ويقول ان الزيارة تمت لمنطقة مضطربة أمنياً، وكان من المفترض أن يذهب شخص واحد، وذهاب رئيس المجلس السيادي ونائبه من ناحية أمنية خطأ.
عقدة الترتيبات
ويبدو أن أزمة الترتيبات الأمنية بين الحكومة وحركات الكفاح المسلح التي شغلت قادة الدولة والحركات منذ التوقيع على اتفاقية سلام جوبا التي نقلت قادة الحركات من كهوف الحرب وموائد المفاوضات إلى كراسي السلطة قد حان أوان انقضائها، وطوال الفترة الماضية ظل تنفيذ الترتيبات الأمنية التي نصت عليها اتفاقية سلام جوبا على أرض الواقع عقدة أساسية تواجه الاتفاق الذي يعول عليه في قفل باب التمرد والانضمام لركب السلام.
ويقول المحلل السياسي هجو البشير إن المركز أرهقته التحركات غير المنضبطة للحركات المسلحة في العاصمة الخرطوم وبعض الولايات، لذلك أراد حسم القضية والدخول مباشرة في الترتيبات الأمنية، بالرغم من الشكاوى المتكررة من عدم توفر الموارد المالية لتنفيذها، ويؤكد هجو في حديثه لـ (الانتباهة) أن العقبات المالية وغيرها يمكن للحكومة وقادة الحركات أن يتجاوزوها والبدء فعلياً في تنفيذ اتفاقية الترتيبات الامنية، ويشير إلى أن الصراعات التي عانى منها اقليم دارفور أخيراً سببها الرئيس عدم تنفيذ الترتيبات الأمنية، ويجزم بأن تنفيذ الترتيبات سيسهم في العودة الطوعية للنازحين وسوف يحقق التنمية والعمران في الاقليم، في وقت يؤكد فيه هجو أن المسؤولية الكبيرة في عملية تنفيذ الترتيبات الامنية تقع على عاتق ضباط حركات الكفاح المسلح.
فلاش باك
وينصّ بروتكول الترتيبات الأمنية في اتفاقية سلام جوبا الموقعة بين الحكومة وقادة حركات الكفاح المسلح على تشكيل قوات مشتركة تحت اسم (القوى الوطنية لاستدامة السلام في دارفور)، مهمتها حفظ الأمن وحماية المدنيين ونزع السلاح في الإقليم، على أن تتكون هذه القوى من الجيش والشرطة والدعم السريع وقوات من حركات الكفاح المسلح. ونصّ الاتفاق على حصول تلك القوات المشتركة على دعم لوجستي وتسهيلات من بعثة حفظ السلام الدولية بما في ذلك استخدام طائراتها لتنفيذ مهمتها، وكذلك تتولى البعثة الدولية مهمة مراقبة عمل تلك القوات. كما نصّ اتفاق الترتيبات الأمنية على إعادة دمج قوات الحركات المسلحة وتسريحها تدريجياً في فترة مدتها (39) شهراً، تُقسم على ثلاث مراحل (12) شهراً و (14) شهراً و (13) شهراً. وأكد اتفاق الترتيبات الأمنية على معاملة شهداء الحركات المسلحة خلال فترة الحرب في دارفور أسوة بشهداء الجيش السوداني، كما نصّ على تشكيل لجنة خاصة لمتابعة ملف أسرى الحركات المسلحة ومفقوديها، وإجراء المحاسبات القانونية حال ثبوت تصفية المفقودين وعدم معاملتهم كأسرى حرب، وكذلك تم الاتفاق على معالجة جرحى الحركات المسلحة في دارفور ورعايتهم. وحول هيكلة القوات المسلحة اتفقت الأطراف على إجراء إصلاحات تدريجية في تلك القوات بما يضمن تمثيل كل الأقاليم خاصة المهمشة، وفي كل الرُتب بما في ذلك العليا منها، كما نص الاتفاق على عقيدة عسكرية جديدة.
الانتباهة