أيام كانت الصحف الورقية ذات رونق وبهاء و(رائحة ) وهي تخرج طازجة من المطبعة، يهوى محبيها ذاك الطعم كهواية البعض لقهوة الصباح أو طعمية الفطور،في ذلك الزمان خط قلم المبدعين وجدي الكردي وخالد البلولة هذه الأسطر الجميلة ،رأيت أن افيد بها القارئ واستفيد بروايتها لوجه الله والفضل بيننا:
*تلميذ يهدى معلمه منزلا بمبلغ 50 مليار*
تقرير وجدي الكردي – خالد البلولة – الرأي العام :
من المدهش حقاً ان « حكايات » اعدت مادة عن : « كاد المعلم ان يكون قتيلاً » تتناول المعادلة التربوية التي انقلبت باعتداء التلاميذ على اساتذتهم بدنياً ولفظياً، وقبل ان ننشر المادة فوجئنا بتلميذ اهدى معلمه منزلاً فاخراً بحي السجانة العتيق يتجاوز سعره الآن 50 مليار جنيه .. فمن هو التلميذ ومن هو المعلم ؟
ارتكبنا جريرة الركشة ونحن في طريقنا اليه ، وتجاوزنا شارع السجانة بالنص وسألنا عن منزل ابو ناموسة ، احد اشهر سكان السجانة ، بل الخرطوم باسرها وعلي الطريقة السودانية المعروفة ، آخد يمين .. لف شمال وصلنا لبيت الاستاذ عبدالحميد عثمان محجوب ، حلفاوي يتمتع بكامل قواه الساخرة والساحرة .. استهلك جبالاً من الطباشير وهو يدرس الطلاب نحو اربعين عاماً .. يمسح السبورة والجهل معاً حتى ترك الخدمة تقرباً لصنم الصالح العام التي تعبده بعض الحكومات .
الاستاذ عبدالحميد استهل مسيرته مع السبورة بمدرسة عبري الاولية بالولاية الشمالية في العام 1955م .. التمرد دخل الغابة وهو دخل غابة من سيقان التلاميذ والادراج في فصول لم تكن مكتظة وفي زمن لم يكن فظاً حيث تخرج علي يديه من تلك المدرسة ، الدكاترة عبدالسلام جريس والطيب حسن كاشف ومحمد سعيد كيلاني ومحمد حسن فضل الذي كان احد اطباء الشيخ زايد.
بعدها ، ذهب لتلقي الكورس الرئيسي في قلعة بخت الرضا التي قال عنها :
– ياخي ديل يوروك تقيف قدام السبورة كيف ..!
من بخت الرضا ذهب لمدرسة كورتى بالشمالية حيث درس التلاميذ وقتها الاستاذ الصحفي حسن ساتي ، رئيس تحرير الايام الاسبق والكاتب بالراي العام الان والدكتور الصيدلي احمد عمر كمبال ومن كورتي لمدرسة ملكال الوسطى وكان اشهر تلاميذه محمد على الاعيسر ، وكابتن كرة السلة المعروف.
التلميذ عمر البشير
في الدامر الوسطى التقى بالتلاميذ حسن تاج السر علي وصلاح علي محجوب ، الدكتور الان ، وبعدها ذهب معلماً لمدرسة شندي الاهلية الوسطى و كان من تلاميذه الرئيس البشير .
ويمتد عطاء معلم الاجيال الاستاذ عبدالحميد عثمان بانتدابه للشقيقة اليمن ليكون من حظ محمد باسدوم وزير الشوؤن الاجتماعية اليمني الان انه كان من تلاميذ الاستاذ عبدالحميد اضافة لعثمان باوزير ، احد اثرياء السعودية اليوم .
حكاية البيت
عقب ركوبه قطار الصالح العام الذي لم يكن يتمتع يومها بالفرامل ، جاءه صاحب المنزل الذي يستاجره عارضاً عليه خيارين ، اما ان يخرج منها او يشتريها وحين سأله عن السعر قال: 50 مليار جنيه ..!
– قلت ليهو تفتكر ياخالد ياولدي انا عندي 11قرش ..!
وعبدالحميد في حيرة من امره، جاءه احدهم ليعرض عليه منزلاً للايجار ، اركبه معه في السيارة ليريه البيت وهو نفس البيت الذي يسكنه الان محدثنا.
-« بعد الشهر الاول مشيت ليهو بالايجار .. قال يا استاذ الشهر ده هدية ..!
وتكرر الامر حتى الشهر الثالث وصاحب المنزل يرفض استلام الايجار، « قلت يازول الراجل شكلو حيمقلبني »
بعد فترة زاره صاحب المنزل بصحبة والدته وطفق يتحدث عن السعة التي يعيشها وعن اقدار المعلمين ووفاء التلاميذ .. وفجاة ادخل يده في جيبه ليخرج شهادة بحث المنزل باسم المعلم عبدالحميد ويمده له مكافاة على تعليمه حين كان تلميذاً ..!
* الزول ده اسمو منو؟
– اسمو حسن تاج السر علي
* ده حسن تاج السر على الشيخ ، رجل الاعمال المعروف؟
– والله ياولدي ماعارف ..!
* ماذا فعلت حيث استلمت شهادة البحث ؟
– والله بكيت بكاء النساء..!
* كم يبلغ سعر المنزل الان؟
– اكثر من 50 مليار جنيه
* هل يزورك صاحب المنزل ، وماشعورك حيث تلتقيه ؟
– زارني قبل شهر .. ارتعشت والله يا ابني .. ويزداد ارتعاشي كلما يزورني في المنزل .
* اين التقيت هذا الطالب ؟
-انا درست الطالب حسن تاج السر في مدرسة الدامر الوسطي قبل 40عاماً .
* هل كان طالباً مميزاً ؟
– اي والله .
* استاذ عبدالحميد ، ماذا تفعل الان ؟
– أمارس الحرية
* كيف ؟
– انوم زي ما داير .. اصحى زي ما داير ، مش قاعد في بيتي ؟
* كم معاشك الان ؟
– 5 الف جنيه ..
* ماذا تفعل به ؟
– الحمدلله غايتو الامور ماشة
* وبتاكل شنو ؟
– الله كريم ..!
اها يا أبناء وطني الكرام ياليت نبقى كلنا ذي حسن تاج السر ونشيل بعضنا باالكتيرة وبالقليلة لما ربنا يفرج كربه وتتيسر علينا
وماننسى في النهاية التحية لكل معلمي بلادي وربنا ياخد بايدكم وتنالوا حقوقكم
الفين سلام 🖐️