(1)
قبل عام كامل كتبتُ مقالاً تحت عنوان “عرمان ليس بالرويبضة“، وعلّق أحد الأصدقاء بالفيسبوك: (قلت ليكم قبل كدى التاي حركة شعبية وماصدقتو)، لم اُعلق ولم ألقِ بالاً لذلك لأني لستُ مهتماً ولا مضطراً لصد سيول مثل هذه التُهم من كثرتها واندفاعها بلا هدى ولا كتابٍ مبين… وبطبيعة الحال لستُ ميَّالاً للدفاع عن السياسيين لتقلبات أحوالهم ولكثرة مواقفهم المتناقضة، فالذي تنبري للدفاع عن موقفه اليوم ربما يفاجئك غداً بموقف متناقض ومناف تماماً للذي عزّرته فيه وهكذا أغلب الساسة لا تجدهم إلا متقلبين ومذبذبين وفقاً لاتجاهات المصالح، ومع ذلك أشدتُ بعرمان أكثر من مرة لما رأيتُ فيه سياسياً مختلفاً.
(2)
ذكرتُ في ذلك المقال الذي أجد نفسي اليوم مشدوداً لإعادته بعد الهجمة التي تعرض لها الرجل من خصومه وحلفائه على حد السواء:
(من خلال متابعتي اللصيقة للمسرح السياسي السوداني أقول بكل يقين وثقة إن كثيراً من الساسة السودانيين يشتركون في «ثلاث» صفات ذميمة لها ضلع كبير في التخلف الذي تشهده البلاد ، وهذه الصفات الذميمة التي عندي بمثابة «الأمراض الفتاكة» هي المتهم الأول في عدم الاستقرار السياسي ، والاقتصادي والأمني ،وبالتالي انفجار الأزمات التي نشهدها الآن على الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية.. هذه الصفات الذميمة أراها تتمثل في :
الأولى: الفجور في الخصومة وشخصنة القضايا والمواقف العامة..
الثانية : الرغبة في الانتصار للذات بأية صورة وتحت أيِّ تبرير.
الثالثة: الجنوح للانتقام والتشفي حينما تكون الفرصة مواتية لذلك.. والأمثلة والنماذج التي تعزز زعمي هذا لهي كثيرة يراها الناس رأي العين…
(3)
وكنتاج طبيعي لهذه الأمراض الثلاثة باتت الساحة السياسية موبوءة بالرغبة الملحة في إقصاء الآخر وعزله والانتصار للذات بدافع «الانتقام والتشفي» …. وكنس آثاره ومحوه من الذاكرة الجمعية بدافع الفجور في الخصومة والضغائن.. ولكل هذا غاب التسامح وأصبحت الخصومة السياسية الفاجرة هي التي ترسم العلاقات بين الأنداد والفرقاء السياسيين والذين يتحولون في الغالب إلى أعداء متقاتلين عِوضاً عن كونهم متعاونين على إدارة الشأن العام والاختلاف والتنوع…
(4)
برغم كل هذه القتامة التي سبقت الإشارة إليها أرى أن هناك بصيص أمل ينبعث من كوة التصريحات التي يدلي بها الأمين العام للحركة الشعبية شمال ياسر عرمان وهو بلا شك من القيادات الشابة التي تتمتع بصفات القيادة وميزات رجال الدولة…لقد ظللتُ أتابع تصريحات عرمان قبل انفصال الجنوب وحتى هذه اللحظة فأجد فيها البراءة من تلك الأمراض ، فالرجل متسامح مع خصومه الذين مافتئوا يسلقونه بألسنة حداد ويوسعونه شتماً وتجريحاً وإساءات شخصية على مدى ثلاثين عاماً فيتسامى عن كل ذلك ولم ينشغل يوماً بالرد على مسيئيه وشاتميه في الصحف، وفي مقابل مهاجمة خصومه السياسيين وتجريحهم وإساءتهم له ، ما تراه إلا داعياً لعدم عزلهم وإقصائهم ، ولا تجده إلا محفزاً للتسامح والتسامي فوق الصغائر والانشغال بالقضايا الكبرى وما يجمع السودانيين لا ما يفرقهم وهو الذي عانى ما عانى من التضييق والتشريد ، والاعتقالات حتى في أيام شهر العسل بين حركة قرنق والمؤتمر الوطني ، و الإهانات التي وجهها له المجلس العسكري بعد الثورة وترحيله معصوب العينين كل ذلك لم يُحرك عنده غريزة الانتقام والانتصار للذات، وهذا هو الفرق بينه والآخرين..
(5)
في رأيي أن الأوضاع الراهنة في بلادنا بحاجة ماسة إلى قادة عُقلاء حكماء ذوي حنكة وخبرة ورزانة لا تحركهم الضغائن ولا تستفزهم الصغائر ولا تأخذ بخطامهم الرغبات الشخصية في (فش الغبينة) والانتصار للذات والتمكين لـ «الأنا» واللهث خلف المصالح الذاتية.. هذه الصفات بكل صراحة أجدها الآن في القائد الشاب ياسر عرمان ، أقول ذلك شهادة لله ولا تربطني بالرجل علاقة شخصية أو تنظيم سياسي ، وأُشهد الله أن لا شيء يجمعني وإياه إلا رابطة الوطن والدين …لقد ظللتُ أتابع تصريحاته قبل انفصال الجنوب وحتى هذه اللحظة فأجد فيها الحكمة والتسامح والرزانة والحرص على سلامة الوطن، فعلى الأقل هذا مايبدو لنا على نحوٍ يتسمُ بالثبات ، وهوـ أي عرمان ـ الآن رغم التنكيل والتشريد والمضايقات والإساءات التي عانى منها كثيراً يقود بقوة تيار العُقلاء واحترام الآخر ، والدعوة لإدارة التنوع والاختلاف بما يقود سفينة الوطن إلى بر الأمان ونرجو أن يُوفق في ذلك)… اللهم هذا قسمي فيما أملك.
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائمًا في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.
الانتباهة