بيت الشورة
عمر الكردفاني
الى الجيش في عيده
إن الحديث عن الجندي والجندية السودانية ذو شجون والحياة التي يحياها العسكري السوداني مثيرة وكثيرة التعرجات ولكن خطها المستقيم الوحيد هو الوطن ،فعندما تكون جالسا في خندق رطب تسمع حفيف الهوام وأصوات الحيوانات البرية محملقا في ظلام دامس ليس أمامك اي مدى رؤية ولكن خلفك وطن اسمه السودان ،حينها ستعلم انك ذو قيمة وان وطنك هو الحب الاول وأنه ليس هنالك اي انسان أغلى لديك بعد والديك سوى زميلك الذي يغط في نوم عميق بجوارك مطمئنا انك هناك ولكن هنالك الملايين ينامون وكثيرين منهم لا يدرون ان نومهم الهنئ نتيجة انك هناك وقليلون ينتظرون إشارة من وحدتك تقول :من متحرك سيوف المجد إلى رئاسة اللواء التاسع نيالا:نحن هنا.
اكتب لكم بحد السونكي وذكريات أيام جميلة قضيتها معتزا بشرف الجندية ما تزال عالقة بذاكرتي كأنها حدثت بالأمس بينما تبعثرت ما عداها من ذكريات لذا ساعيد ترتيب ذاكرتي لاسرد أيام الجندية بصورة مرتبة إن شاءالله
ولنبدأ اولا بأيام التدريب ،والمعروف أن تدريب الجيش السوداني هو الاشق في العالم تقريبا إذا أضفنا إليه الظروف الطبيعية وطبيعة الحياة السودانية لذا فإن معظم الضباط من الدول الصديقة والشقيقة الذين يتلقون تدريبهم مع زملاءهم السودانيين دائما يعتزون بذلك ومعروف أن الكثيرين من قادة وامراء دول جارة وشقيقة تلقوا تدريبهم في الكلية الحربية السودانية.
وأول ما يتم غرسه في رأس العسكري السوداني سواء أن كان في الكلية الحربية أو مراكز التدريب القتالية المنتشرة في ربوع البلاد هو أن زميلك الذي بيمينك أو يسارك هو كل ما تملك في هذه الحياة ….احيانا.والدرس الثاني الذي يتم عبر كمين محكم هو انه ليس لك اي حق في التمرد او عصيان الأوامر وان لا تتحدث بلسان المجموعة الا اذا كنت قائدها وأردت أن ترفع طلبا جماعيا مشروعا والا فإن مصيرك هو الرمي بالرصاص.وأذكر اننا سقطنا في كمين التمرد حينما رفضنا اكل العصيدة على الفطور وبدأنا تمردا برفض جماعي من تناول طعام الإفطار، ووجدها المعلمون فرصة لاعطائنا درسنا الأول في رفض التمرد ،فقد تم جمعنا في تشكيل (قلعة) لأول مرة في حياتنا وهي أن تقف كل الدفعة في صفوف طويلة في شكل مربع ،وبدأ الدرس بأننا جميعا نستحق الإعدام رميا بالرصاص ،وتجمع كل المعلمين والشرر يتطاير من أعينهم وكان درسا قاسيا ومفيدا ،مرعبا نعم ولكن كان لابد منه وعندما تم صرفنا في اليوم التالي تقريبا كنا على أتم الاستعداد لأكل الزلط وليس العصيدة فقط
ثم ماذا بعد هذا ؟
إن مقولة :عرق التدريب يقلل من دماءالمعركة ليست جملة إنشائية فقط بل هي فلسفة يتقنها المعلمون بصورة قد تكون غاية في الغرابة،وأذكر اننا في آخر أيام التدريب وكنا قد قمنا بتنظيم أنفسنا في طابور 21بوصة استعراضي أعجب به المعلم (كورينا) فقام بإيقاف الطابور منتشيا ثم قال:والله انتم اصبحتم عساكر الآن ويجب تخريجكم فورا ولكن لدي كلمة اخيرة وقام بتلاوة اسماء خمسة أو ستة من زملاءنا وقال لنا بالحرف :هؤلاء اول الشهداء من هذه الدفعة……وقد كان