(1)
ردة كبيرة حدثت في ثورة ديسمبر المجيدة على مستوى السلطة – أما على مستوى (الشعب) فما زالت قيم ومثل ثورة ديسمبر المجيدة باقية وراسخة وثابتة.
تحول الشعار في السلطة من (الحل في البل) الذي فرضه الشارع على الحكومة الانتقالية إلى (الحل في المصالحة) للدرجة التي خرج فيها الدكتور النور حمد على الناس ولم يجد حرجاً في الإعلان عن ذلك والمناداة بها.
هناك أجسام (كيزانية) كثيرة تم تسكينها في الحكومة الانتقالية من جراء (محصاصات) بعهضا حزبي وبعضها قبلي وبعضها حركي ظلت تروّج للمصالحة وتبشر بها. أضف إلى ذلك المكون العسكري في الحكومة الانتقالية والذي خرج علينا من صلب الحركة الإسلامية.
من مصلحة العسكر أن تحدث مصالحة مع النظام البائد – هذا أفضل ستار لهم وأقوى سد يمكن أن يمنع محاسبتهم.
إذا حدثت (مصالحة) مع الذين قتلوا ونهبوا وأبادوا الشعب السوداني كيف يمكن أن تكون هناك (محاكمة) للذين تسببوا في مجزرة فض الاعتصام التي اكتفى فيها نبيل أديب بمشاهدة (فيديوهات) المجزرة وكأنه محلل فني في (استديوهات بي ان سبورت) القطرية.
(2)
المصالحة مع (الكيزان) لا تعني فقط جب ما حدث من تجاوزات في العهد البائد – بل تعني كذلك أن نتغاضى عما يمكن أن يحدث في المستقبل.
سوف تصبح قيادات الحكومة الانتقالية الذين أتت بهم الثورة بعد المصالحة في منزلة (الملائكة) مقارنةً مع الذين تصالحوا معهم.
يمكن أن نسمع من حمزة بلول (شعر)…المسافة الآن بين وزير الثقافة في العهد الحالي ووزير الثقافة في العهد البائد ليست كبيرة.
ليس هناك ثمة فرق بين حمزة بلول وروضة الحاج – لم يتبق لبلول غير كتابة الشعر. والمشاركة في مسابقة أمير شعراء العرب!!
لا يمكن أن ننظر بعد المصالحة لأخطاء حميدتي أو ود الفكي أو بلول أو مريم الصادق في وجود (الكيزان) ولن يتجرأ أحد على محاسبتهم بعد ذلك.
بدون مصالحة يشارك في هذه الحكومة مني أركو مناوي وجبريل إبراهيم وحمزة بلول ومريم الصادق المهدي وبعد المصالحة يمكن أن نجد عبد الرحيم محمد حسين وعبد الرحمن الخضر والفاتح عزالدين.
قد نسمع في الأيام القادمة (رب رب رب رب رب) و (ما لدنيا قد عملنا) و (هي لله هي لله).
الآن نحن في مرحلة (فلترق كل الدماء) بعد أن (راقت منّا دماء).
وقد يظهر (نمل الدندر) من جديد وقد نفقد (شجرة الصندل) الأخرى في المتحف القومي.
إننا في الوقت الذي ننتظر فيهم محاسبة قيادات النظام البائد ومحاكمة قتلة الشهيد حنفي والشهيد أحمد الخير والشهيد محجوب التاج محجوب نجدهم يريدون أن يتصالحوا مع أولئك القتلة.
يعملون على (مصالحتهم) قبل العمل على (محاكمتهم).
ما يحدث بين قيادات الحكومة الانتقالية ورموز النظام البائد يمكن أن نقول عنه (مصالح) وليس (مصالحة) والفرق كبير بين الاثنين.
في مسعى لتسوية الخلاف في الشرق.. مقترح بمنح ترك 30٪ في حكومة الإقليم – بنفس هذا الفهم والحسبة يريدون أن يقتسموا السلطة بين النظامين.
(3)
إذا نظرت إلى الأمور بترو سوف تجد أننا وصلنا إلى هذه المرحلة التي يجهر فيها بالحديث عن (المصالحة) والتبشير بها، بعد (الأزمات) المصطنعة والمعاناة المقصودة للرضوخ للمصالحة واللجوء إليها.
العسكر في السلطة وفي مؤسسات الدولة المختلفة تفلتت منهم الأمور حتى شاعت التفلتات الأمنية ووصلت للخرطوم – وهم ينظرون إلى ذلك وكأنهم يقولون لنا إن الحل في (المصالحة).
قيادات النظام البائد في الولايات وكياناتهم التي لم تصلها السلطة والمحاسبة وخلاياهم التي لم تعد نائمة عملت على إشاعة الفوضى والنزاعات القبلية في معظم ولايات السودان.
نشرات يومية تصدر عن قتلة ومصابين بسبب النزعات القبلية – تدفعنا إلى القبول بـ(المصالحة) حتى لا نفقد المزيد من أبناء الوطن وحتى يتوقف نزف الدم.
عراقيل ومطبات وأزمات تخلق في كل النواحي في الخدمة المدنية وفي الاقتصاد من أجل الفرار إلى (المصالحة).
المدهش أن الشعب السوداني مع كل هذه الأزمات التي ظل يدفع فواتيرها من قوت عياله ومن دم أبناء هذا الوطن ظل متماسكاً وقوياً ، لا يجتمعون بعد كل هذه المصائب والجراح إلّا على لعنة النظام البائد.
أغلقوا المدارس وعطلوا الدراسة وخربوا في الكهرباء حتى صارت قطوعات التيار أكثر من استمراره وعبثوا في (الدولار) وفكوا لجامه وبقى مع ذلك الشعب السوداني متماسكاً – يتجاوز أزماته يوماً بعد يوم.
الشعب السوداني ما زال متمسكاً بثورته المجيدة بل ما زال متمسكاً بالمدنية رغم المحاولات الكبيرة لافسادها.
لقد تعلم الشعب السوداني من الثورات السابقة – وعرف أن الخلاص من العهود الشمولية والعسكرية لن يتم إلّا باحتمال هذه الصعاب.
أفضل لكم أن تبقوا في هذه (الأزمات) من أن تخرجوا منها برفقة (الكيزان).
الأزمة الحقيقية في (الكيزان) وفي المصالحة معهم.
ما زال دم الشهيد (معلقاً) على رقابنا – لن نصالح على استلام جثامينهم من المشارح ثم نكتفي بذلك.
(4)
بغم /
أعرف أن الفوارق أصبحت قليلة جداً بين النظام الحالي والنظام البائد – أعرف أن الفروقات تكاد أن تتلاشى لذلك نقترب نحن من (المصالحة).
لكن أعرف أن الذي يحكمنا الآن هو (الشعب) وإن خذلونا الذين يمثلونه الآن في السلطة.a
الانتباهة