بمداد من دم كتب الاستاذ الكبير التجاني حاج موسى عن صديقه الراحل العندليب الاسمر زيدان ابراهيم عليه رحمة الله ،المقال الذي نشر في جريدة المجهر نقلناه بحذافيره تكريما للرجلين ولفائدة قراء شوتايم نيوز:
كنوز محبة
منقول
مقال بعنوان (( تداعيات فنية متفرقة ))
04/07/2012 صحيفة المجهر السياسي
تجاني حاج موسي
{ قبل وفاة الراحل المقيم زيدان إبراهيم، كانت أعراض المرض تظهر عليه في رمضان الماضي، وكنا نعاوده في مرضه – يرحمه الله – وكان صبوراً على المرض، ولم يشأ أن يطرق أسباب العلاج، وكان وحيداً بالمنزل، عدا بعض الأصدقاء والموسيقيين من فرقته و”ناصر” الوفي الذي يرعى شؤونه ويقود له سيارته منذ سنوات، والأخ السر شابو والصديق حسن صالح وصديقه الوفي د. علاء الدين الأستاذ بجامعة الشيخ زايد بـ (أبو ظبي)، والموسيقي صديقه زكي، والموسيقي كردفاني.. وقال لي زيدان: (الله يستر يا صديقي ما أكمل معاكم السنة دي)؟! وقد صدق حدسه لم يكمل العام ورحل عنا، قالها ليلة تكريمي وتدشين الطبعة الثالثة من ديواني (تباريح الهوى) بعد أن أدى أغنية واحدة من أغنياتي التي نظمتها له (قصر الشوق)، وجسده الهزيل ملسوع بحمى يلحظها من يلمس جسمه، قلت له: لماذا أتيت وأنت مريض؟! رد عليّ: (يوم تكريمك ما أجي يا صديقي.. والله لو بقدر كنت غنيت كل أغنياتك)!! وودعنا ولم يكمل الحفل.
لماذا أكتب هذه الشهادة لكم؟ أكتبها لأنه فنان من بلادي، سكب عصارة موهبته الغنائية واللحنية ليسعد ملايين المحبين بغنائه من أهل بلادي، ولأنه أدرك منذ زمن بعيد أنه خلق لإسعاد الناس، لذلك خرجت الملايين من أهل السودان يشيعونه ويدعون له بالرحمة.
أكتب هذه الشهادة لأنه غادر هذه الدنيا فقيراً معدماً إلا من محبة الملايين من عشاق فنه، وأشهد (للعندليب الأسمر) أنه لم يكن يفاصل في أجر غنائه، وقد كان من الممكن أن يرفع ذلك الأجر إلى أعلى قيمة مالية، فكم من حفلات عديدة أقامها ودفع تكاليف تلك الحفلات والكثيرون يشهدون له بذلك، وأذكر في سبعينيات القرن الماضي حينما كان يسكن بحي العباسية محطة سنادة مستأجراً لمنزل بسيط من الجالوص آيلاً للسقوط، وكان البعض يحسبه منزله بالمِلك لطول إقامته في ذلك المنزل.. طلبت مني المرحومة والدته أم الحسين (التوأم)، أن أتحدث معه ليشتري المنزل لأن الملاك الورثة له عرضوه عليها للبيع، وبالفعل تحدثت معه، وأفضت في الحديث عن الدفوع الموضوعية التي تبرر شراءه للمنزل غير أنه ألقمني حجراً ورد عليَّ: (البيت.. بيت الآخرة يا صديقي)!! ثم رفع لحاف سريره ليريني مالاً وفيراً كان حصيلة رحلة من رحلاته التي كان يقوم بها مشاركاً زملاءه الفنانين الذين يقيمون حفلات ساهرة في عواصم الولايات بواسطة متعهدي حفلات. ولم تمضِ أيام قليلة إلا وقد كان قد أنفق ذلك المال على الفقراء والمساكين الذين كان يحبهم ويزورهم في منازلهم البسيطة والفقيرة ويدرك تماماً احتياجاتهم.. بعدها باع الورثة ذلك المنزل وتلكأ في الخروج منه إلا بحكم قضائي بدعوى أقامها أصحاب العقار، ولحسن الحظ كان قد أشترى عقاراً بالشقلة الحاج يوسف – عشوائياً كان وقتها – وقد بنى به غرفتين سكن فيه هو وأمه يرحمهما الله، وحتى هذا المنزل الذي آل لورثته كان يحدثني مراراً وتكراراً بأنه يود أن يوقفه داراً للعجزة والمسنين الذين لا دور لهم أو أهل، وكنت أثنيه عن تنفيذ تلك الرغبة قيقول: (يا أخي ما تساعدني في إجراءات الوقف عشان يكون لي صدقة.. يا أخي أنا ما قدمت للشعب السوداني شيئاً.. ما أخلي ليهم البيت ده وهو ذاتو ما قدر مقام الشعب العظيم)!! لله درك أيها الصديق!! سلوكك هذا يشبه سلوك الزاهدين.