إلى دُعاة العنصرية..قصة ثائر من شمال السودان في مذبحة فض الإعتصام
صديق رمضان
في العام ٢٠١٩ وعقب شهر تقريباً من مذبحة فض الإعتصام أمام أبواب القيادة العامة للقوات المسلحة،كنت وقتها بقسم التحقيقات بصحيفة الانتباهة وقد أجريت تحقيق استقصائي من حلقات عن أحداث ذلك اليوم المشؤوم، ذهبت إلى عدد من الثوار الذين كانوا شهوداً على المذبحة في بيوتهم وآخرين أجريت عليهم إتصالات هاتفية، وسردوا لي قصص مؤلمة انفطر لها قلبي من فرط ألمها.
غير أن هناك قصة لازلت اختزن تفاصيلها في ذاكرتي، سردها لي أحد الثوار الذين عاشوا لحظات الرعب الدموية في ساحة الإعتصام، وقد اوردتها في الحلقات التي نشرتها الانتباهة، وعملت على عدم إيراد بعض ماقاله انطلاقا من ميثاق الشرف الصحفي وتقديراتي كصحفي.
المهم في الأمر أن الشاب بطل القصة يقطن حي الخرطوم ٣ وتنحدر أصوله من شمال السودان _ وهذه معلومة مهمة في سياق سردنا هذا _ قال لي:”كانت لحظات مُرعبة بمعنى الكلمة، حاولنا أن نتماسك رغم أن الرصاص كان ينهمر علينا مثل المطر، وفي خضم هذه الأجواء المضطربة لاحظنا تركيز قوة ترتدي زي عسكري على خيمة تخُص شباب إحدى المناطق الدارفورية، رغم أننا لم ندرك أسباب التركيز عليها وضرب من فيها إلا أننا مجموعة من الثوار ذهبنا مباشرة للوقوف مع إخواننا في الخيمة المُستهدفة، ولم نكن نهتم بأن يتم قتلنا بل انقاذهم من البطش والتنكيل والحمد لله نجحنا في فك الحصار عنهم بتشتيت القوة”.
والله العظيم بعد نهاية حديثه ودون أن أشعر تسللت دموعي واجتاحتني وقتها مشاعر مختلطة بين الحزن على ماتعرض لهم رفاقهم في الخيمة، وفي ذات الوقت شعرت بارتياح لوجود شباب مُعافاً من أمراض القبلية والجهوية، شباب نقي يعشق وطنه بتجرد ويضحي بروحه من أجله،لذا ظللنا نُراهن على هؤلاء الشباب الثوار وهو رهان لاينبُع من فراغ، فهم الذين سيعيدون صياغة الأشياء على اساس المساواة والعدل والحرية بعيداً عن أمراض الكبار التي لم تورثنا غير الفشل والشتات.
علماً بأن ذات الشاب الذي تحدث لي حمل على كتفه أحد أبناء دارفور حتى بيتهم في الخرطوم ٣ لأن رفيقه كان مُصاب بأزمة في جهازه التنفسي، وهذا الفعل النبيل يُعبر عن سماحتنا واخلاقنا التي يريد أصحاب الأجندة الخاصة تبديدها واحلال الكراهية والبغضاء مكانها.
وهذا الشاب نموذجاً لأهل الشمال الانقياء البسطاء الذين نشأنا معهم منذ نُعومة اظافرنا،نعرف معدنهم الأصيل وقوميتهم وسماحة أنفسهم ، اما الذين يسعون لترسيخ العنصرية فهؤلاء ليس لهم علاقة بقيم هذا الجزء العزيز من بلادنا.
نعم نُطالب بالتداول السلمي للسلطة واتاحة الفرصة لكل إقاليم السودان لتكون جزء من المُعادلة السياسية على أساس العدل والمساواة وضد التمييز، ولكن لايمكن لمن يؤمن بمبادئ ثورة ديسمبر المجيدة إقصاء إقليم او مجموعة سكانية وهذا توضحه الثورة التي استمدت قوتها من عطبرة، بربر، دنقلا،ابوحمد، شندي، الدامر، دلقو، مروي، كجبار، وادي حلفا وغيرها من مناطق الشمال التي انحازت للتغيير ورفضت كل دعاوي العنصرية، وتظل الحقيقة راسخة أن ثورة ديسمبر وحدت الوجدان السوداني وأن بضاعة العنصرية لم يعد لها رواجاَ فقد تجاوزناها فالسودان هو الذي يجمعنا أولاً وأخيراً.