في خطوة كارثية أعلنت مجموعة نادي باريس تعليق قرار إعفاء ديون السودان المقدرة بنحو 64 مليار دولار، وذلك بسبب الإجراءات التي اتخذها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في 25 من أكتوبر 2021م.
وتضمن التقرير في جزئه الثالث أن أعضاء المجموعة اتفقوا بشكل جماعي على تعليق الخطوات التي بدأت العام الماضي ودخل بموجبها السودان مبادرة تخفيف أعباء البلدان الفقيرة المثقلة بالديون (هيبيك).
وأشار التقرير إلى أن المجموعة ستواصل التنسيق مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومؤسسات التمويل الدولية حتى التأكد من عودة السودان إلى المسار الانتقالي المدني الذي حصل بموجبه على تلك الإعفاءات في أعقاب مؤتمر باريس الذي عقد في منتصف مايو 2021م.
وفي النصف الثاني من العام الماضي أعلن صندوق النقد الدولي توصل السودان إلى نقطة النهاية للاستفادة من مبادرة تخفيف أعباء الديون، مما أهله للحصول على تمويلات وخطوط ائتمان بأكثر من ثمانية مليارات دولار.
تعهدات موقوفة
وخلال مؤتمر باريس الذي عقد في مايو 2021م حصل السودان على تعهدات ضخمة شملت إعفاء الحصص الأكبر من الديون الجماعية والفردية، إضافة إلى تمويلات لعدد من مشروعات البنية التحتية والتنمية، لكن الولايات المتحدة الأميركية وبلدان الاتحاد الأوروبي ومؤسسات التمويل الدولية أعلنت تعليق تلك التعهدات بعد استيلاء الجيش على السلطة وإقالة حكومة عبد الله حمدوك التي أشرفت على المؤتمر حينها.
وتنقسم ديون السودان إلى أربع مجموعات، الأولى مجموعة نادي باريس وهي أكبر الدائنين، أما الثانية فهي مجموعة مؤسسات التمويل الدولية التي تضم صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وتم بالفعل شطب جزء من ديونها عبر قروض تجسيرية قدمتها كل من الولايات المتحدة وفرنسا منتصف العام الماضي، فيما تضم المجموعة الثالثة عدداً من البنوك التجارية التي كان يفترض التفاوض معها للوصول إلى صيغة تفاوضية، وتضم المجموعة الرابعة عدداً من البلدان الخليجية والآسيوية وتعتبر معظم ديونها ديوناً ثنائية.
تجنب التفكك
ويقول المحلل الاقتصادي د. الفاتح عثمان لـ (الانتباهة) ان وزير المالية د. جبريل ابراهيم علق على تجميد مجموعة نادي باريس مشروع اعفاء الديون الخارجية السودانية، واضاف ان هذا الامر لن يؤثر في مشروع الإصلاح الاقتصادي الذي تنفذه وزارته حالياً بغض النظر عن الاتفاق او الاختلاف مع صندوق النقد الدولي، وان وزارته عازمة على المواصلة في سياسة الإصلاح الاقتصادي بالرغم من انها مؤلمة جداً لكن هي ضرورية للاقتصاد السوداني.
وقال ان حديث د. جبريل ابراهيم بخصوص اهمية تطبيق الإصلاحات الاقتصادية حتى من دون دعم مالي دولي امر مهم جداً، لانه يؤدي للحفاظ على الاقتصاد السوداني من الانهيار، لان اي انهيار اقتصادي قد يؤدي لتفكك الدولة السودانية نفسها.
واضاف ان قرار تجميد اعفاء الديون الخارجية يظل قراراً مؤقتاً باعتباره مرهوناً بتكوين حكومة توافق سياسي سوداني تحظى بمباركة المجتمع الدولي، وهو امر قد يحدث غالباً في الشهر القادم.
لا جديد
اما عضو اللجنة الاقتصادية د. محمد نور كركساوي فقال لـ (الانتباهة) ان مجموعة نادى باريس لم يصدر أي بيان منها، وكل ما حدث هو صدور التقرير السنوي لنادي باريس لعام 2021م، وفي صفحة 33 ورد قرار سابق عام 2021م بعد الانقلاب مباشرة بوقف توقيع الاتفاقية متعددة الأطراف لاعفاء 14 مليار دولار بسبب الانقلاب وحتى تبدأ إعادة الاستمرار في البرنامج المتفق عليه مع الصندوق. ولكن لم يصدر أي قرار جديد، ويمكن زيارة الصفحة الرسمية لنادي باريس صفحة السودان، لنجد أن آخر خبر عن السودان صادر بتاريخ 15 يوليو 2021م.
وفي يونيو من العام الماضي بدأ السودان في التقرب من صندوق النقد الدولي لتنفيذ أجندته التي تقوم على تطبيق برنامج تقشفي وخطط خفية لم يعلن عنها الكثير، بالتزامن مع خطة وضعتها الحكومة لبرنامج إصلاحي يشتمل على محاور تعويم الجنيه السوداني ورفع الدعم المقدم للسلع الأساسية تدريجياً، وزيادة الرسوم على السلع المستوردة تمهيداً للحصول على قروض خارجية.
وتتزايد الشكوك حول استعداد الصندوق لدعم السودان وإقراضه في ظل أوضاعه الاقتصادية المتدهورة وتعثره في سداد متأخرات بلغت نحو 60 مليار دولار وفق آخر إحصاء رسمي. وبلغت المستحقات المتعثرة لصندوق النقد وحده حوالى ملياري دولار.
ويرى عدد من خبراء الاقتصاد ان السودان دائماً ما يقع ضحية لصندوق النقد الدولي عقب كل ثورة شعبية. وأوضح أن السودان أصبح صيداً سهلاً لسياسات الصندوق مع وزراء مالية خلفياتهم الوظيفية والاقتصادية من البنك الدولي ومؤسسات النقد الدولية.
والثابت أن أول وزير مالية في الفترة الانتقالية كان موظفاً في البنك الدولي، واتبع السياسات الاقتصادية للبنك الدولي وعزم على تنفيذها بالرغم من التحذيرات بأنها سوف تزعزع استقرار الحكم المدني وتقوض الحكومة، وسرعان ما تعرقلت وتقصر آجال حكمها، وهذا ما حدث عقب انقلاب 25 اكتوبر العسكري على يد وزير المالية جبريل ابراهيم الذي استمر وزيراً للوزارة حتى عقب اجراءات البرهان في 25 اكتوبر، ونفى ان تكون الاصلاحات الاقتصادية الجارية في البلاد بإيعاز من البنك وصندوق النقد الدوليين وقال في ذات اللقاء في برنامج (مؤتمر اذاعي) امس ان الاصلاحات اساسية ولا نخضع لهما بل يجري الاعتماد على موارد حقيقية.
عدم مصداقية
تصريح وزير المالية حول اعتماد الدولة على مواردها وعدم العمل بايعاز من البنك وصندوق النقد الدوليين جعل المحلل الاقتصادي بروف محمد شيخون يستشهد بقرارات سابقة لوزير المالية تؤكد سير الدولة على تنفيذ مطالب البنك الدولي، وقال شيخون لـ (الانتباهة): (منذ ان تولى جبريل الوزارة سار على سياسة تعويم الجنيه ورفع الدولار الجمركي، ولا يمر يوم او اسبوع الا نجد ان العملة الوطنية في انهيار كبير امام الارتفاع الجنوني للعملات الاجنبية، وهو نتيجة التعويم الذي كان مطلباً لصندوق النقد الدولي، بجانب مطالب برفع الدعم كاملاً عن المحروقات والسلع والاستراتيجية).
وقال شيخون: (ان حكومة الانقاذ كانت تريد السير في هذا الاتجاه وهو الخصوع لمطالب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، اما الحكومة الانتقالية فنجدها قد ركضت في هذا الاتجاه الى ان اتت الحكومة الحالية التي ركضت وعضت على اطراف ملابسها وكشفت عن ساقيها، حتى ظهرت النتائج وذبح المواطن السوداني نتيجة السير في هذا الاتجاه). وقال شيخون: (ان كل من ينفي الخضوع لمطالب البنك الدولي ليس صادقاً، كما ان الدولة ليست لديها موارد مفعلة لتعتمد عليها، فهي لا تمتلك مرفقاً خدمياً منتجاً، ولا حتى منشأة ربحية تعود على البلاد بدولار واحد، فقط نجد حركة ضعيفة لتحويلات المغتربين، وهي ليست بالكم الكبير الذي يمكن الاعتماد عليه، فخزانة الدولة فارغة ولا توجد موارد ربحية، فمن اين ستأتي العملات الاجنبية؟).
الانتباهة
ردم الفجوة
ويقول عضو اللجنة الاقتصادية والمحلل الاقتصادي د. محمد نور كركساوي لـ (الانتباهة): (ان تصريحات وزير المالية بالاعتماد على حشد الموارد الذاتية، فهى كما يقول المثل (مجبر اخاك لا بطل)، لأن المجتمع الدولى بقراره هذا قد أثر سلبياً في اهم رافد وبند من بنود إيرادات الميزانية وهو بند العملات الأجنبية، وبالتالي لم يبق أمام الوزير غير الاعتماد على إيرادات الضرائب المباشرة وغير المباشرة وشريحة المغتربين. ولهذا نرى الزيادات المهولة فى نسبة الزيادة فى الرسوم الجمركية بطريقة رأسية شملت حتى السلع والخدمات الأساسية التى كانت معفاة من الرسوم او رسومها مخفضة مثل مدخلات الإنتاج الزراعى والصناعي والأدوية والسكر وغيرها، بالإضافة إلى توسيع المظلة الضريبية. وحشد الموارد إذا تم حسب مقترحات اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير سوف يسهم ايجاباً فى إيرادات الموازنة، أما إذا استمر حشد الموارد بالضغط على جيوب المواطنين سيكون له أثر سلبى في الوضع الاقتصادي والسياسى ولن يردم الفجوة بين الإيرادات والمنصرفات، مما يضطر وزارة المالية للاستدانة من النظام المصرفى، وبالتالي مزيد من الآثار السلبية على التضخم وارتفاع الأسعار، وسنكون كالمنبت لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع)