بالسياسة التي رسمها البنك الزراعي الحكومي لمحصول القمح والشروط التى وضعها لشراء المحصول وتسليمه بمحطات جياد والباقير، يكون قد قضى على كل ذرات التعاطف والرحمة وسط المزارعين بعد أن كان البنك خلال السنوات الماضية يحدد مواقع قريبة لمكاتب المزارعين تقلل تكلفة الترحيل والرسوم الأخرى التي بسببها يتضاءل سعر الحكومة المعلن بـ (43) ألف جنيه مقابل التكاليف العالية للترحيل، لتصبح معادلة البنك الذي تعامل مع المزارعين بسياسة مجبر أخاك، أن يصبح السعر الذي يكلف المزارعين فى بعض الأقسام من ترحيل وخلافه هو ذات سعر السوق الذي انسحب منه البنك فى أهم محصول غذائي استراتيجي وجعلهم نهباً لسماسرة السوق. وحدد البنك الزراعي استلام تكاليف الزراعة فقط من جملة الـ (100) ألف فدان التي مولها، ليترك المزارعين يواجهون غول السوق العاتي وبقية إنتاجهم الذي هو في نفس الوقت لا يفي بتكاليف العمليات الزراعية، لضعف الإنتاج الذي تسببت فيه وزارة المالية الاتحادية بتأخيرها توفير السماد بعد فوات الأوان.
سياسات مجحفة
ومن جملة (384) ألف فدان هي المساحات التي زرعت هذا الموسم يصبح هناك إنتاج ما يفوق (384) ألف فدان من بينها (250) ألف فدان مولت عبر مشروع الجزيرة يواجه مزارعوها امتناع الحكومة وجشع التجار، وبالتالي تضع هذه السياسة الحكومية المجحفة مزارعي الجزيرة فى وضع من الصعب الخروج منه بسبب سياسة الدولة الكارثية والمنفرة.
ووضعت السياسيات الاقتصادية التي اختطتها الدولة منذ بواكير حكومة الإنقاذ خاصة ما يتعلق بالتمويل الزراعي للمحاصيل الاستراتيجية القطن والقمح اللتين كانت تسير كل مراحلهما التى تبدأ من التحضير وتنتهي بالتسويق مروراً بعمليات الزراعة فى استقرار تام.
نفس الملامح
الموسم الزراعي الحالي هو امتداد لكثير من مواسم خلت، حيث كان التعثر واضحاً فيه منذ البداية بدءاً بعمليات التحضير وتوفير السماد الذي نفضت الدولة يدها منه بإعلانها عدم وجود سيولة نقدية لتوفيره في الوقت المحددة الذي حددته مراكز البحوث العلمية لأخذ الجرعات، ولم يتوفر السماد إلا بعد انقضاء مواعيد الحزمة التقنية له، حيث أحجم الكثير من المزارعين عن تسميد محصولهم بعد فوات الوقت المحدد نسبة لعدم جدوى التسميد بعد فوات أوانه.
اختلال ميزان
وعدم توفير السماد لم يكن وحده الإخفاق الذي صاحب الموسم كما العهد بمحصولي الحكومة القمح والقطن اللذين اختل ميزانهما الزراعي، وأضحت الحكومة لأكثر من ثلاثة عقود تتعامل فيها كما عاملت المرأة المخزومية القطة، لا هي أطعمتها ولا جعتلها تأكل من خشاش الأرض. والسياسة الزراعية باتت تسير على أمزجة وأهواء الساسة وارتباط مصالحهم، لذا كان من الطبيعي بعد السياسات المجحفة التي انتهجتها الإنقاذ أن يخرج السودان من السوق العالمي للقطن في عام 1992م، وأن تتدحرج مساحاته لأقل أرقامها منذ قيام المشروع قبل (100) عام، لتصل مساحات القمح هي الأخرى لأرقام لم تسجل عبر تاريخ المشروع، فمن (610) آلاف فدان لموسم 91/92م تراجعت إلى (27) ألف فدان فى أحد المواسم.
تمنع حكومي
السماد لم يكن وحده الذي تمنعت عن توفيره مالية حكومة السودان فى وقته المحدد، بل تبعته قرارات البنك الزراعي الحكومي، وهي نفسها تساهم فى رسم صورة ملتوية للقرارات المنفرة لسياسة البنك، وبالتالي للحكومة التي يتبع لها دون النظر لأهمية هذا المحصول الغذائي المهم الذي تدفع الدولة لاستيراده مئات الملايين من الدولارات التي يمكن أن تكون خير معين للتنمية إذا ما أحسنت الدولة إدارة الإنتاج المحلي وتوظيفه التوظيف الأمثل.
أس البلاء
فقد كانت بادية منذ الوهلة الأولى سلسلة السياسات التي استهدفت التمويل الزراعي الذي كان يمنح للمزارعين عبر مكاتبه المنتشرة بمشروع الجزيرة وافراغ المؤسسات وخاصة الهندسية الزراعية وتحويل التمويل للبنك الزراعي كوسيط بدلاً من التمويل المباشر، كما يعقد ذلك الإجراءات ويزيد التكلفة بعد أن يضع البنك ارباحه وفق معاملات البنوك التي تعمتد فى معاملاتها على مبدأ الربح والفائدة، ليفقد بذلك المزارع العديد من الخصائص والميزات التى كان يتمتع بها المزاعون، وذلك بسبب السياسات العرجاء التي انتزعت المهام والواجبات التي كان يقوم بها المشروع، حيث سحبت التمويل المباشر وأودعته البنك وأفرغت الهندسة الزراعية لقيام شركات خاصة، وقضت على قسم المشتريات، وأصبح توريد السماد متنازعاً بين البنك والانتهازيين الذين جعلوا سعره يفوق سعر جوال المحصول. ويصبح قسم المبيعات فى عداد المفقودين، الشيء الذي أدى لانعدام ملامح التسويق وجدواه بسبب جعل الدولة وصياً وحيداً على رعاية المحصول والتصرف فيه، وينظر موظفوه بعين الربح والخسارة دون النظر الى ما يترتب من قرارات ربما تعقد مستقبل زراعة المحصول الاستراتيجي الغذائي المهم مستقبلاً.
التحالف يتدخل
وكان تحالف مزارعي الجزيرة قد أعلن رفضه السعر التشجيعي للقمح الذي حدده وزير المالية في مارس الماضي بـ (43) الف جنيه للجوال زنة مائة كيلوجرام ووصفه بالمجحف وغير المجزي، مطالباً بزيادة السعر إلى (60) الف جنيه كحد أدنى، وقال عابدين برقاوي الناطق الرسمي باسم التحالف في مقابلة مع جولة السودان في راديو دبنقا، إن الموسم الشتوي واجه مشكلات عديدة من بينها ارتفاع تكاليف الانتاج وعدم تطهير الترع والقنوات مما أدى للري عبر الطلمبات، إلى جانب تأخر الدولة في توفير مدخلات الانتاج مثل اليوريا في الوقت المحدد مما سيؤدي لتدني الانتاج.
الانتباهة
وأوضح أن التحالف رفع دعوى قضائية في مواجهة إدارة مشروع الجزيرة تطالب بإلغاء الشيكات عن المزارعين وتعويضهم عن الموسم الشتوي بسبب عدم اكمال التمويل. وأشار إلى انخفاض المساحة المزروعة بالمحصول، محذراً من المجاعة في حال احجام المزارعين عن زراعة القمح.
نداءات عاجلة
وبالمقابل نشطت الكثير من مواقع ولاية الجزيرة بضرورة شراء ما تيسر من القمح من المزارعين بالسعر الأعلى لتخفيف الديون عليهم بسبب سياسة الحكومة التي فشلت فى إخراج موسم زراعي ناجح، وذلك تحت شعار (شراء جوال من المزارعين غير المقتدرين) حتى لا يجعلهم ذلك نهباً للحكومة والتجار.