بعد عامين من التوقيع على الوثيقة الدستورية، بحث رئيس مجلس السيادة “عبد الفتاح البرهان مع أعضاء المجلس أمس الأول، تكوين لجنة بشأن تشكيل مفوضية الانتخابات ومفوضية صناعة الدستور وفقاً لما نصت عليه، وهو ما يشير إلى وجود صراع يدور رحاه، بين مطبخ الجهاز التنفيذي والمطبخ السياسي كل على حدة.
فعندما أطلق وزير شؤون مجلس رئاسة الوزراء” خالد عمر” تصريحاته بان الانتخابات حدد لقيامها يناير من العام ٢٠٢٤، استنكرت عدد من القوى السياسية حديثه، واعتبرت ان لا أحقية له فيما قال، غير أن المتحدث الرسمي باسم مجلس السيادة وعضو المجلس “محمد الفكي سليمان” دعا عقب اجتماع القصر، القوى السياسية للانخراط بصورة جادة في عملية النقاش، ودعوة منسوبيها لعقد ورش حول الانتخابات المقبلة، مبيناً أن “البرهان” قام بتكليف عدد من الأعضاء لابتداء نقاش حول تكوين لجنة بشأن تشكيل مفوضية الانتخابات ومفوضية صناعة الدستور، وفقاً لما نصت عليه الوثيقة الدستورية، لان التحضير لعملية الانتخابات يتطلب نقاشاً جاداً حول كيفية توزيع الدوائر والإحصاء وإعداد السجل المدني. هذه الخطوة وفق خبراء سياسيين، تؤكد أن الجهاز التنفيذي يمضي في طريق الإعداد للانتخابات بحسب تصريحات الوزير خالد، في وقت ترفض فيه عدد من الأحزاب والقوى السياسية الخطوة، وهو ما يفرض معه التساؤل عن كيفية مضي الاستحقاق الانتقالي في ظل صراع المطبخ التنفيذي والسياسي؟ .
أحزاب لافتات
يبدو أن تطورات الأحداث في المشهد الانتقالي برمته على الدوام، جعلت الكثير من النوايا تتكشف النوايا رويداً رويداً، وتزاح الاغطية، وتسقط الشعارات تلو الأخرى. هكذا يقول واقع الحال الذي تجسده الشراكة بين العسكر والمدنيين، وبين المدنيين أنفسهم. فعندما اندلعت الثورة كان الجميع يندد بشمولية النظام واحتكار السلطة على البشير، ولعل أهم الشعارات، كانت على الإطلاق هي ضرورة التوصل إلى استحقاق دستوري مهم وهو الانتخابات، عندما يقول الشارع كلمته ويختار من يريد، لكن وعقب سقوط النظام في أبريل ٢٠١٩م، بدأ الحديث عن الانتخابات يخفت، في وقت بدأت فيه بعض الأحزاب سيما الكبيرة منها وذات القاعدة الجماهيرية العريضة تكيل الاتهامات إلى من اعتبرتهم (أحزاب لافتات) بالتشبث بالانتقالية والسعي إلى إطالة امدها لثقتها أن لا عودة لها لمقاليد السلطة مجدداً لأن رصيدها الجماهيري (صفر). ولذلك فإن حديث وزير شؤون مجلس الوزراء خالد عمر عن تحديد موعد الانتخابات في يناير ٢٠٢٤ أقام الدنيا عليه من قبل بعض مكونات الحاضنة السياسية. وقد كان رئيس حزب البعث، عضو المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير “التيجاني مصطفى” أبدى استنكاره لحديث خالد، مؤكداً أنه لم يتم تحديد موعد الانتخابات بعد الا بعد اتفاق الاحزاب السياسية في البلاد. (فهل تتوافق الأحزاب هذه على الفترة المحددة؟).
وجل انتخابي
وفيما يظل التساؤل عن توافق الأحزاب السياسية على موعد الانتخابات المضروب قائماً، يتضح أن الحكومة بجهازيها التنفيذي والسيادي معاً، تمضي بصورة جادة في إقامة الانتخابات في موعدها، بعد أن جزم الرجل التنفيذي الثاني “خالد” بان الحكومة ماضية بصورة قاطعة في الترتيب لقيام الانتخابات، ليرمي بذلك الكرة في ملعب كثير من القوى السياسية، بالموافقة أو التوافق فيما بينها للعمل على قيام الانتخابات في موعدها المضروب. وبحسب المحلل السياسي “عبد الوهاب محمد” فإن كثيراً من القوى السياسية باستثناء أحزاب محددة مثل حزب الأمة القومي والمؤتمر السوداني من داخل الحاضنة السياسية هي التي ستوافق على إقامة الانتخابات، هذا بخلاف الأحزاب السياسية الأخرى مثل الاتحاديين والشيوعيين والإسلاميين.
ويرى عبد الوهاب في حديثه لـ (الانتباهة) أن كثيراً من الأحزاب التي أتت بها الثورة، أتت من بوابة التوقيع على اعلان الحرية والتغيير، وأنها غير معدة لخوض الانتخابات، لافتقارها للسند الجماهيري الذي يمكّنها من الفوز، هو ما يجعلها ترفض قيام الانتخابات.
ويذهب في نفس الوقت إلى ان هذه القوى السياسية (الوجلة) سوف تقوم بتعطيل قيام مفوضية الانتخابات مثلما فعلت في شأن تشكيل المجلس التشريعي الذي ظل معلقاً لنحو العامين. واعتبر في المنحى نفسه أن المحك الأساسي الان هو أمام الحكومة في الايفاء بما قطعت أو النكوص عنه مثلما فعلت في الكثير من المصفوفات التي ذهبت أدراج الرياح.
خوف من الإسلاميين
إلى جانب تخوف بعض الأحزاب الصغيرة من صناديق الاقتراع بسبب قواعدها الصغيرة، يبرز تخوف من نوع آخر وهو الخوف من عودة الإسلاميين إلى المشهد مجدداً بعد الإطاحة بهم، وبحسب مراقبين فإن تطاول أمد الفترة الانتقالية لن يمنع الإسلاميين من الصعود إلى المشهد مجدداً حال اختارهم الشعب. ويعتبر القيادي بالحرية والتغيير مجدي عبد القيوم قراءة بعض الأحزاب تجاه الإسلاميين قراءة خاطئة.
ويستنكر عبد القيوم في حديثه لـ (الانتباهة) معارضة بعض القوى السياسية للانتخابات في موعدها، وعاد وأكد انها ستقوم بمعارضتها ولو بعد ١٠ سنوات.
وذكر قائلاً: لا افهم كيف ترفض قيام الانتخابات فى موعدها، لكن فى تقديرى ان ثمة تخوف لدى بعض القوى من عودة الاسلاميين عبر صندوق الاقتراع وهذه فى تقديرى قراءة خاطئة وغير واقعية كذلك هناك بعض القوى التى سيطرت على مفاصل اللعبة السياسية الان والتى لا ثقل جماهيرى لها هى ايضاً تتخوف من الانتخابات وقطعاً ستعارضها ان قامت فى موعدها او بعد عشر سنوات لانها تفتقر للقاعدة الجماهيرية وحتى الاسس النظرية عملياً هى ليست احزاباً وبالتالي موقفها مفهوم.
ضرورة
ويرى عبد القيوم أن صندوق الاقتراع بالنسبة للاحزاب الحقيقية لا خوف منه لاعتبار انها عملية طويلة تخدم لها عدة اغراض مؤكداً أنه من قصر النظر اختزالها فى عملية الاقتراع لأن القوى التى تريد خدمة هذه الاغراض من الممكن ان تشارك فى كل مراحل العملية ثم تنأى عن الصندوق –بحد تعبيره-.
وقال ان الاستحاق الدستورى واضح وفقاً للوثيقة وطبيعى جداً بل ومطلوب ان يتجه الجهاز التنفيذى للاعداد للانتخابات، وتابع: لا أفهم كيف يمكن ان تعارض قوى سياسية ترى ان الشراكة مع العسكر املتها ضرورات الواقع وتوازن القوى وانها تسببت فى تعطيل انفاذ اهداف الثورة وقيام هياكل الحكم المدنى وهو اهم شعارات الثورة وبالتالي فالانتخابات تعيد تعديل ميزان القوى لصالح الحركة الجماهيرية.
من جانبه يؤكد المحلل السياسي نصر الدين بابكر على وجود تباين في الرؤى بين الجهاز التنفيذي وبين السياسيين.
ويرى في حديثه لـ(الانتباهة) أن القوى السياسية تعتبر نفسها الأحق في تحديد الموعد الانتخابي لجهة انها قابضة على جمر المرحلة وملمة بكل تفاصيلها، منوهاً في الوقت نفسه إلى أن الجهاز التنفيذي هو الأقرب من تنفيذ هذا الاستحقاق الدستوري.
الانتباهة