Site icon شوتايم نيوز

بعد التفاهمات الحالية بين الخرطوم والقاهرة.. حلايب.. هل تعود إلى حضن الوطن؟

الخرطوم

ذكرت مصادر نقلها موقع اخبار السودان بأن هناك ثمة تفاهمات من الممكن ان تفضي إلى عودة مثلث حلايب للسودان ، بعد سلسلة من التقارب في المواقف بين البلدين سيما في قضية سد النهضة التي تعتبرها مصر قضية وجود لأنها تتعلق بمياه النيل الذي يمثل رئة مصر .
بيد أن الناظر لسيناريو العلاقات بين البلدين يجد أن ثيرموميتر العلاقة بينهما ظل يتأرجح بين البرودة والتجمد والدفء والسخونة الايجابية العابرة لكن في كل ذلك يجده يرتبط بالواقع الظرفي ففي حين أن الدبلوماسية المصرية منذ عهد عبد الناصر تتحدث عن علاقة حميمة وأزلية غير أن الواقع يقول إن الرؤية المصرية للعلاقة ليست استراتيجية بل هي مرحلية وفق تواؤمها مع مجريات الأحداث وارتباطها بالمصالح المصرية ، ويرى المراقبون ان التقارب المصري الأخير مع السودان يرتبط بحاجة مصر للسودان في صراعها مع اثيوبيا حول سد النهضة وأنه متى ما زالت الأزمة ربما تعود العلاقة إلى مرحلة البرودة وربما التجمد ، لهذا فإن عودة حلايب للسودان التي تمثل بعداً استراتيجياً لسياسة مصر تجاه السودان واعلنت اصرارهاعلى تبعيتها وتمصيرها ومحاولة تغيير هوية سكانها وثقافاتهم بالمنح الدراسية والاستقطاب وتقديم الخدمات وبناء آلاف الوحدات السكنية لا يمكن ان تزج بها مصر في مقايضة لشأن مرحلي مثل قضية سد النهضة .
وبهذا الفهم هل يمثل احتلال حلايب حالة ظرفية طارئة أم هو جزء من أزمة المفهوم السالب تجاه السودان لمعظم النخب السياسية والرسمية في مصر منذ عقود طويلة ، وحتى لا نتهم بأننا حمّلنا القضية أكثر مما تستحق لنلقي نظرة عابرة على التاريخ القريب وعن كيف كانت نظرة الساسة تجاه السودان ،
وقبل حوالي عقد من الزمان تعهد مرشح مصري مهووس يدعى توفيق عكاشة في برنامجه الانتخابي بضم السودان إلى مصر وقال إنه لا يعترف بدولة اسمها السودان واستحث حمية أنصاره قائلاً ( لو كان عندكم وطنية فلازم نستعيد السودان وأشار إلى أن آلية حكمه ستكون عبر الحكم الفدرالي تحت مسمى ولاية السودان) ، وصحيح أن عدداً من المصريين عبر المواقع الالكترونية قد انتقدوا دعوته ووصفوه بالمعتوه ، لكن هل بالفعل هذه الدعوة معزولة وليست لها مرتكزات في الأدب السياسي المصري عبر التاريخ أم إنها مجرد هرطقة لشخص يبحث عن لفت الأنظار ودغدغة المشاعر الوطنية في مصر ، إذن علينا أن نلقي نظرة عاجلة في التاريخ السياسى لمصر منذ القرن التاسع عشر حيث ساد ما يسمى بفهوم الهوية الواحدة في وادي النيل وهو يرتبط أساساً بمصالح مصر الحيوية في مياه النيل وقد عبر زعماء سياسيون بشكل واضح عن تبعية السودان لمصر ويقول السياسي المعروف سعد زغلول في مذكرة قدمها في التفاوض مع بريطانيا والدول المؤتمرة بباريس ( إذا كان المصريون يطالبون بارجاع السودان اليوم فهم ليسوا مدفوعين بحب التوسع والاستعمار وانما هم يطالبون باسم الحق واحتفاظاً بكيانهم الوطني فقد كان السودان منذ الأزمنة الغابرة جزءاً متماً لمصر) ثم هتف في البرلمان المصري قائلاً ( ان الأمة المصرية لن تتنازل عن السودان ما حييت وما عاشت ) ويقول مصطفى كامل في صحيفة اللواء عام 1900 مخاطباً المصريين في خطبة استنفارية قائلاً ( معاشر المصريين اعتقدوا أن حقوقكم في السودان ثابتة وعلموا أبناءكم صغاراً معنى هذه الحقوق المقدسة ليطالبوا بها كباراً أو يحافظوا عليها وأن وقفتم لاسترجاعها تذكروا معاشر المصريين أن أخوانكم في الوطن والدين الذين أهرقت دماؤهم العزيزة في سبيل استرداد السودان ،وأن القابض على منابع النيل قابض على أرواحكم ) ويقول النقراشي باشا في مجلس الأمن عام 1947 عن حق مصر والسيادة على السودان وقدم وثيقة للمجلس بعنوان(مصر والسيادة على السودان) التي أعدها الدكتور محمد فؤاد شكري ، ويقول د. نصر الدين المبارك( إن المفاوض المصري كان يتحدث عن سيادة مصر المكتسبة على السودان ) كما أصرت مصر آنذاك أن ينص في دستور عام 1923 على لقب ملك مصر والسودان ، وقال الدكتور أحمد سويلم في كتابه عن السودان ومصر ومطامع السياسة البريطانية ( يعد السودان جزءاً لا يتجزأ من مصر ) ولهذا فقد انعكست هذه الأدبيات على العقل الجمعي الشعبي إلى حد كبير فقد خرجت أول مظاهرة بعد تكوين أول حكومة مصرية برئاسة سعد زغلول كان أحد شعاراتها ( النيل لا يتجزأ مصر والسودان لنا ) وفي العام 1977 قال زعيم حزب الوفد المصري في ندوة بنقابة المحامين المصريين ( إن الموافقة على تقرير مصير السودان كانت عملاً خاطئاً ) وقد أثار هذا الحديث غضب العديد من السودانيين هناك خاصة وأن الحديث تزامن مع الاحتفال باستقلال السودان .
ومصر لم توافق على تقرير مصير السودان الا عندما أدركت أن ذلك يعبر عن تيار شعبي جارف ليس من الحكمة الوقوف ضده وأن الأفضل الرضا بالأمر الواقع ومحاولة إبقاء التأثير المصري عبر آليات سياسية في الداخل فكان الانفتاح الثقافي على السودان وبالبعثات التعليمية وجامعة القاهرة مع الاستمرار في تأييد التيارات الداعية لما يسمى بوحدة وادي النيل ليس من باب التحقق العملي فإن ذلك بات مستحيلاً لكن من باب إبقاء مبدأ الأبوة المستمرة للجار (الصغير) وابقاء هذه الجذوة كامنة وإن لم تكن متقدة .
أخيراً هل أدركتم لماذا احتلت مصر حلايب ولماذا تصور النخب المصرية صورة قاتمة في الإعلام والسينما ؟! عن السودان والسودانيين .
أخيراً
رغم ذلك الإرث السياسي السالب نأمل من الحكومة المصرية أن تعيد تشكيل الرؤية النمطية تجاه السودان والتعامل مع الأمر الواقع باعتبار أن السودان دولة مستقلة ولها ارادتها وكيانها وتاريخها الضارب في القدم الذي تشهد عليه اهرامات البركل .

الانتباهة

Exit mobile version