أثارت زيارة وزير الخارجية مريم الصادق لدولة الإمارات أمس الأول، جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية… مريم التي أعلنت اجراءها مباحثات وصفتها بالمثمرة، تلبية لدعوة رسمية من نظيرها وزير الخارجية الاماراتي، ناقشت خلالها القضايا ذات الاهتمام المشترك وتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، سرعان ما أعلنت لاحقاً بحثها مع مدير عام صندوق ابو ظبي للتنمية معالجة ديون الصناديق العربية على السودان وتمويل مشروعات تنموية جديدة.
أرادت وزير الخارجية إضفاء الطابع الاقتصادي على الزيارة الرسمية، لكن ما هو الجانب (غير المعلن) منها؟ لماذا تغيب كل من وزيري المالية والاستثمار عن الزيارة التي حملت الصبغة الاقتصادية؟ وما الذي حملته مريم في جعبتها لنظيرها وارادت تغليفه بما بذلته في العلن؟
المحور السام
يبدو أن تصريحات وزير الخارجية في وقت سابق عن اراضي السودان الواسعة والدعوة للمصريين باستعمارها، جعلتها مثار شكوك. فامس الأول وبمجرد الإعلان عن زيارتها لدولة الإمارات، حتى توجهت أصابع الاتهام نحوها بمحاولة لايجاد سبل للموافقة على المبادرة الإماراتية، بشأن الصراع مع إثيوبيا التي رفضها السودان. وفيما يرى كثيرون أن الإمارات تمثل الذراع الطويل داخل العمق السوداني ، يرى البعض الآخر أن ما تقوم به المنصورة لا علاقة له بالعمل الدبلوماسي، وذلك من خلال سعيها وإصرارها على التحالف مع المحور الإماراتي الذي يعد بنظر الكثير من السودانيين (محور سام)، وربما بدا ذلك جلياً من خلال المبادرة التي دفعت بها الإمارات لنزع فتيل الأزمة بين الدولتين، والتي أبقت على منطقة الفشقة مناصفة دون الإشارة إلى ترسيم الحدود. وعقب ايام من الرفض وجه وزير الخارجية الإماراتي دعوة لمريم الصادق لوحدها، مما يثير الكثير من علامات الاستفهام.
الخيار الدبلوماسي
وبحسب مصادر تحدثت لـ (الإنتباهة) فإن زيارة وزير الخارجية أمس الأول لدولة الإمارات ذات طابع سياسي متعلق بملفي سد النهضة والمناطق الحدودية (الفشقة). وتؤكد المصادر أن مريم لجأت إلى الخيار الدبلوماسي عقب فشل مفاوضات كينشاسا في مارس الماضي، وذلك لمعرفة عمق التأثير الإماراتي في إثيوبيا، وأنها تسعى للبحث عن مخرج للأزمة عبر الخيار الدبلوماسي.
ويرى مراقبون أن زيارة مريم لدولة الإمارات عقب ايام من عودتها ضمن فريق كبير ضم رئيس مفوضية الحدود د. معاذ تنقو، تضعف الموقف السوداني، وتفتح لآخرين منافذ ادارة الأزمة لصالحهم، سيما أن السودان قال كلمته في ما يتعلق بالحدود والسد.
وبحسب المحلل السياسي محمد عوض السيد، فإن إثيوبيا تريد الضغط على السودان من خلال الإمارات عبر وزير الخارجية مريم الصادق.
ويرى محمد في حديثه لـ (الإنتباهة)، ان مريم كان بإمكانها إبلاغ نظيرها برفض بلادها المبادرة، دون السفر إلى هناك، الا اذا كانت في الأمر خفايا أخرى .ويقول: (إذا كان طابع الزيارة اقتصادي بحسب ما هو معلن، فلماذا غاب وزير المالية أو وزير الاستثمار عن الزيارة؟)، واضاف قائلاً: (الإمارات تريد الاستفادة من هشاشة الفترة الانتقالية والضعف الأمني وانقسام القوى السياسية الحاكمة فيما بينها، وتسعى لتنفيذ مآربها وحليفها الإثيوبي عبر وزير الخارجية ذات الولاء المعروف).
حملة تشويه
وفيما يضع كثيرون ولاء مريم الصادق لدولة الإمارات في خانة الشكوك، تضع هي بدورها هذا الولاء في باب رد الجميل، وذلك عندما أغلقت مصر أبوابها أمام والدها الذي استضافته الإمارات إبان معارضته للنظام السابق. وعلى الرغم من ذلك لم تفتأ الاتهامات تلاحقها سيما تقلدها منصب وزير الخارجية، وقد انتقد كثيرون أثناء زيارتها أمس الأول، تهميشها من قبل نظيرها، الذي أرسل وزير الدولة لاستقبالها، ولكن وبحسب المحلل السياسي محمد علي فزاري فإن ما تعرضت له وزير الخارجية يدخل في إطار التنمر وحملات التشويه.
ويصف فزاري في حديثه لـ (الإنتباهة) زيارة وزير الخارجية بالناجحة رغم التخوين ومحاولة البعض ربطها بالمبادرة، مؤكداً أن الكثيرين هاجموا الزيارة وفق تحليلات وقراءات فطيرة لا تستند إلى حقائق.
وحذر فزاري من استمرار حملات التشويه، منوهاً بأن هذه الحملات من شأنها إجهاض جهود كل الوزراء وليس مريم لوحدها .وقال: (وزير الخارجية ناقشت قضايا اقتصادية ومالية والتقت بابن زايد، وهذه القضايا كانت بحاجة للحراك الدبلوماسي. والذين انتقدوا عدم مرافقة وزيري المالية والاستثمار، فذلك لأن وزير المالية يستقبل نظيره المصري، وما حدث من رفض لعضو مجلس السيادة الفريق ركن ياسر العطا في عطبرة، عند افتتاحه منشأة إعلامية كان يفترض أن يفتتحها وزير الاعلام، يؤكد أن الحكومة تعمل بكلياتها، وهو ذات الأمر مع وزير المالية لأن هذه حكومة أزمة).
ويختم فزاري حديثه بأن الحديث عن المحاور ودعم وزير الخارجية لمحور الإمارات، قد تلاشى عقب زيارة البرهان للدوحة والمصالحة السعودية القطرية، مؤكداً على أن السودان يسعى للتقارب مع كل الدول.
توضيح:
وبحسب معلومات تحصلت عليها (الإنتباهة) فإن زيارة مريم للإمارات، الغرض منها تمليك الإمارات البعد الكامل لمهدد الأمن القومي السوداني، وذلك عقب مبادرتها بمناصفة الفشقة. وتقول المعلومات إن مريم ارادت توضيح الصورة كاملة والبحث عن حلول بديلة مع الامارات.
وطبقاً للمحلل السياسي عبد الرحمن ابو خريس فإن الإماراتيين غير مدركين لمهددات الأمن القومي السوداني، وهو ما دفع مريم لتوضيح الجوانب الخفية، مشيراً إلى أن الدول تطرح مبادرات دون إدراك مخاطرها، ولذلك وجب التوضيح.
ويصف ابو خريس في حديثه لـ (الإنتباهة) موقف السودان ومصر بالضعف في ما يتعلق بالسد، الأمر الذي جعل إثيوبيا تتحدث من موقف القوة. وقال: (السودان ومصر موقفهما ضعيف، ولذلك يبحثان عن الخيار الدبلوماسي، ونجد أن زيارة مريم تتزامن مع زيارة وزير الخارجية المصري لتركيا، والزيارة لا علاقة لها بأية مصالح اقتصادية، ولكن البحث عن طرق لإقناع إثيوبيا من خلال المحور الإماراتي، خاصة أن الإمارات تعتبر الممول للسد).
الانتباهة