(الجماعة رحمة) و(الفرقة عذاب) يردد هذه العبارة وما في مضمونها أئمة الإسلام ، وإن التأليف بين القلوب مهمة سامية ، ونعمة من الله عظيمة كريمة ، قال تعالى : (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً) ، فإن فقد الإلفة نقمة .. يحزن عليها ويتألم لفقدها ..وحيث كان التنازع والتناحر والاقتتال عقبه الفشل والهوان قال تعالى : (ولا تنازعوا فتفشلوا) ..
فإن الافتراق مذموم والتحزب للأشخاص والجماعات والقبائل والجهويات ممقوت شرعاً ، وعواقبه في إضعاف المجتمعات – بل في دمارها – لا تخفى مع ما ينتظر أهله من وعيد أخروي بالحكم عدلٌ وإنه ليقضى يوم القيامة بين المتخاصمين حتى في (اللطمة) فما بالك بالقتل وسفك الدم ، وإحراق المنازل والمحلات وترويع الآمنين ؟! .
ونحن في أشد الحاجة إلى الاجتماع وبذل أسبابه وإيقاف نزيف الخصومات والمشاحنات والضغائن والأحقاد ، والاجتهاد في العمل بالحق والاحتكام إلى ميزان القسط الذي يجمع المفترق ويقرب البعيد ، هذا ينبغي أن يكون هم كل مسلم رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ، فهو مأمور به شرعاً ، ويؤكده العقل والواقع. لابد من الحرص على أسباب الاجتماع على الحق والبعد عن أسباب الفرقة ومن أهمها عدم الخوف من الله تعالى والنعرات القبلية والانتصار للجهوية والتفريط في حقوق الخلق والأطماع الدنيوية والتعصب المقيت والتقليد الأعمى والإشاعات والقيل والقال.
والواجب الشرعي والفرض المؤكّد يقتضي أن يحرص المسلم على الاجتماع على الحق مع أخيه المسلم من أي قبيلة كان ورعاية حقوقه ، فبينهما أعظم رابطة وهي رابطة الإيمان ، قال الله تعالى : (إنما المؤمنون إخوة) ، وفي المقابل فإن من أوجب الواجبات أن يبغض ويبتعد عن الفرقة ، ويكون أداة من أدوات الوحدة ، ويسهم بقدر جهده وطاقته في ذلك.
يا أهل بورتسودان المقتتلين تحت دعاوى ونداءات (القبلية) ، من المستفيد من هذه الأحداث المؤلمة المؤسفة ؟! إن جميعكم خاسر ، فإن كل من يشارك في هذه الفتن سواء بالتحريض أو التزيين للاعتداءات ، مشاركاً بلسانه ، أو بيده ، فإنه قد وقع في الحرام ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع مبيناً خطورة هذه الاعتداءات التي شهدتها أحياء وشوارع مدينتكم التي يضرب بها المثل في الهدوء والحياة الطيبة الآمنة : (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا) ، ويا لها من خسارة عظيمة .
وإن الفوضى التي تجري في مدينتكم خسارتها تصيب الجميع ، بطريق مباشر أو غير مباشر. وإن المستفيد هو عدوكم جميعاً الذي يحلم بمدينة لا أمان فيها ولا استقرار بين أهلها ، يعيش أهلها كما يعيش سكان الغابة ، يأكل القوي الضعيف ، وإذا فقد الأمن فإن الناس تبقى بلا شعائر ولا تجارة ولا تعليم ولنعتبر ببعض البلدان من حولنا.
إن معالجة ما حدث ضروري جداً وتتم المعالجة بحصول الاجتماع والتنازل والعفو والصفح عن أي مصيبة وقعت وتقديم المصلحة العامة ، وإن المصلحة العامة إذا روعيت وقُدّمت كان هذا من أهم الأسباب المعينة على اجتماع الشمل وجمع الكلمة ، إن على المشاركين في هذا الهرج والمرج أن يدركوا أهمية الحرص على المصلحة العامة وضرورة العيش في بلدة واحدة بسلام وأمان ، وأن يعلموا مكانة الاجتماع وفضل الجماعة وليراجعوا مواقفهم ولينظروا في واقع مدينتهم وليتفكروا وليتعظوا بما آلت إليه الأمور وليفوتوا الأمر على أعدائهم الذين يؤججون نيران الفتن بينهم.
ولا بد من الأخذ على أيدي (المتفلتين) من كل القبائل والمجموعات ، وزجرهم وتخويفهم ومحاكمة المتورطين منهم في الاعتداءات ، فإن حسم الأسباب ضروري ، وقيام جهات الاختصاص في القوات الأمنية بواجبها هو من الضروريات ، وإن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.
وأختم رسالتي بهذه الأحاديث النبوية التي وجه بها خير البشرية عليه الصلاة والسلام :
قال عليه الصلاة والسلام : ( .. من قاتل تحت رايةٍ عُمِيّة يدعو إلى عصبيةٍ أو يغضب لعصبية ، فقتل ، فقتلته جاهلية ) رواه النسائي ، وفي لفظ : (.. ومن قتل تحت رايةٍ عُمِيّةٍ يغضب للعصبة ويقاتل للعصبة فليس من أمتي ) أخرجه مسلم في صحيحه ..والعصبة : بنو العم ، والعصبية أخذت من العصبة .
وقال : ( من قتل تحت راية عمية يدعوا عصبية أو ينصر عصبية فقتلته جاهلية ) رواه مسلم
وقال : ( .. ومن دعا بدعوى الجاهلية فهو من جثاء جهنم ) رواه الإمام أحمد. والدعوة للعصبية هي من الدعوات الجاهلية كما جاء في حديث (ما بال دعوى أهل الجاهلية.
وقال عليه الصلاة والسلام : ( ليس منا من دعا إلي عصبيةٍ ، وليس منا من قاتل على عصبية ، وليس منا من مات على عصبيةٍ ) رواه أبو داود وله شاهد ، وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه في صحيح مسلم .