وقعت وزير الخزانة الأمريكية جانيت يلين على اتفاق لتقديم قرض تجسيري إلى السودان لتسوية 1.2 مليار دولار متأخرات مستحقة عليه للبنك الدولي. وقالت الخزانة الأمريكية في بيان إن القرض سيمنح فور تنفيذ السودان الشروط المتفق عليها في إطار مذكرة تفاهم ثنائية مع البنك الدولي، حيث دفعت الوزارة أمس الأول التمويل، وهللت له الحكومة داخلياً، ورأت فيه الخزانة الأمريكية حقاً للحكومة الانتقالية المدنية وثناءً على إجرائها الإصلاحات الاقتصادية الصعبة، بجانب مساعدتها على المضي قدماً نحو تخفيف عبء الديون الذي تحتاجه البلاد بشدة ومساعدتها على الاندماج في المجتمع المالي الدولي، والسؤال الذي يطرح نفسه إلى أي مدى يمكن أن يستفيد السودان من هذه الخطوة؟ ليجيب وزير الاستثمار د. الهادي محمد بأن السودان قام بالإيفاء بدفع متأخراته الخاصة بالقرض التجسيري لتسديد الدين المستحق، وفي الغالب الدين والأرباح التي تراكمت نتيجة التأخير الكبير في فترة النظام السابق.
وقال لـ (الانتباهة) إن النظام السابق لم يقم بدفع الدين أو مستحقات الديون من أرباح الدين نفسه، مشيراً إلى أن السودان عضو في المؤسسات الدولية المتمثلة في البنك الدولي ومنظمة النقد الدولية، وبموجب ذلك وفي حال عدم وجود ديون يؤهل السودان إلى اقتراض في حدود (2) مليار دولار، وأضاف:(بلغتنا البلدية دي قروش مختوتة في ظرف ليك عشان تستثمر فيها بفائدة للبنك وبفائدة كبيرة تعود للاقتصاد الوطني)، مؤكداً أن البلاد مؤهلة للاستفادة مما قيمته (2) مليار دولار من البنك الدولي في شكل مشروعات بنية تحتية أو طاقة أو زراعية، أو مشروعات في مجال تقنية المعلومات أو النقل، وزاد قائلاً: (كل الأمور مفتوحة حالياً).
وكشف عن اجتماع للوزارة مع الوزارات المعنية امس، تم فيه تحديد مجموعة كبيرة جداً جزء منها يقدم للبنك الدولي مباشرةً لاستقطاب الدعم المباشر لتفيذها، وجزء آخر سوف يكون معروضاً للمستثمرين الأجانب في مؤتمر باريس يوم ١٧ مايو القادم.
وأوضح الهادي أن المشروعات تركز في خمسة قطاعات رئيسة متمثلة في مؤتمر باريس للطاقة بشقيها البترول والكهرباء، واعتبرها الأولوية القصوى التي تساعد على قيام المشروعات التنموية الأخرى، فضلاً عن التعدين الذي يعتبر من المشروعات المطروحة، بقوة لجهة أن البلاد تمتاز بموارد متنوعة في القطاع، بجانب المشروعات المروية المدارة بالطاقة التي طرحت بقوة من وزارة الزراعة، فضلاً عن مشروعات البنى التحتية من طرق وجسور وكبارٍ واتصالات، وكثير من مشروعات البنى التحتية المهمة للغاية والمساعدة والمحفزة للتنمية مثل السكة حديد وتأهيل سودانير والبواخر والموانئ، معلناً عن تقديم مشروعات البنيات التحتية الكبرى للبنك الدولي.
(24) ساعة
بينما يرى رئيس قسم الدراسات الاقتصادية بمركز الراصد د. الفاتح عثمان محجوب أن السودان لم يسدد متأخراته، ولكنه استفاد من آلية في البنك الدولي تسمح للدول المتعسرة بسداد مديونيتها وتستحق دعم البنك الدولي، وأن تطلب من دولة صديقة تقديم قرض تجسيري في شكل شيك بقيمة متأخراتها لدى البنك الدولي، وعندها يتم اعتبار الدولة قد سددت ديونها، وبذلك تستحق دعم البنك الدولي، وبعد أربع وعشرين ساعة يعيد البنك الدولي الشيك للدولة الصديقة ويعيد قيد الديون على الدولة المتعسرة بعد جدولتها، مبيناً أنه في حالة السودان فقد وافقت الولايات المتحدة الأمريكية على تقديم القرض التجسيري، وبذلك بات السودان مستحقاً للدعم الذي سيكون على شكل منحة قدرها (650) مليون دولار ثلثها تقريباً دعم للموازنة والباقي دعم لبرنامج ثمرات، وستقدم الوكالة الدولية للتنمية التابعة للبنك الدولي مليار دولار سنوياً لمدة عامين لتمويل مشروعات تنموية تهدف لمساعدة الاقتصاد السوداني على النهوض من جديد .
وأضاف الفاتح في حديثه لـ (الانتباهة) أمس، أن التمويل في شكل قروض، فهذه تحتاج أولاً لإعفاء الديون وتحسن الاقتصاد، وهذا يتطلب عامين أو أكثر حتى يكون السودان مؤهلاً لتلقي قروض دولية من جديد .
(شيء في نفس يعقوب)
وسبق أن قالت وزير المالية والتخطيط الاقتصادي المكلفة السابقة هبة محمد علي: (إن حجم الديون لدى نادي باريس تصل لنحو 38% من جملة الدين العام، وتمثل أعلى نسبة من الدين في نادي باريس لدول النمسا وفرنسا والولايات المتحدة، والسودان بشكل أساسي يسعى لإعفاء كافة ديون نادي باريس التي تصل إلى 17 مليار دولار عبر تقديم شرح لحزمة الإصلاحات التي اتخذتها الحكومة لتؤكد جديتها التي تسمح بإعفاء ديونها، بجانب إطلاق نقاش مع دول خارج نادي باريس، وقد تم إبلاغنا بحضور الصين)، وأشارت الوزير إلى أن ديون السودان لصالح الصين تصل إلى 2.5 مليار دولار، ووجودها مهم وحيوي لعملية تسوية الدين السوداني، لأنها ستكون بداية لإطلاق حوار مع دول خارج نادي باريس لتسوية الديون بذات الشروط، مثلها مثل السعودية (4 مليارات دولار)، والكويت وبقية الدولي الأخرى التي يصل حجم دينها لنحو 37% من إجمالي الديون الذي يقدر بنحو 56 مليار دولار)، ويرى عميد كلية الاقتصاد السابق بجامعة النيلين بروفيسور كمال أحمد أن إجراء سداد متأخرات السودان أمر طبيعي، وسبق وأن دفعت أمريكا لدول كثيرة وتم تسديد مديونيتها، وزاد قائلاً: (إن بعض الدول العظمى تدفع بهدف لشيء في نفس يعقوب). وأضاف قائلاً: (حالياً السودان منفتح عالمياً، وسياساته تتماشى مع صندوق النقد الدولي الذي قام بدفع جزء من ديونه، وبذلك بات السودان بإمكانه أن يستدين مرة أخرى ولكن لن يتجاوز الدين مبلغ (٥٠٠) مليون دولار، ولا يمكن إعطاؤه أكثر من ذلك، لأن الحكومة في فترة انتقالية) ورهن كمال تحقيق الأهداف الاقتصادية بتنفيذ مشروعات استراتيجية تعود على البلاد على المدى القصير والطويل بالنفع، وأضاف قائلاً: (حال استخدمت استخداماً سيئاً مثل ما حدث في أموال البترول إبان فترة العهد البائد، بالتالي لن يستفيد السودان من أي قرض)، وأشار إلى أهمية تقوية العلاقات الخارجية، لأنه لا يمكن أن يتحسن الاقتصاد دون علاقات جيدة.
خطوة رئيسة
وتسعى الحكومة منذ توليها حكم الفترة الانتقالية بمكونين عسكري ومدني لإجراء إصلاحات اقتصادية قاسية وفق روشتة صندوق النقد الدولي، وسبق ان أعلنت الحكومة في ديسمبر من العام الماضي أن الولايات المتحدة تعتزم منح البنك الدولي قرضاً بقيمة مليار دولار للمساعدة في تسوية متأخرات السودان مع المؤسسة، مما يفتح الباب أمام السودان للحصول على التمويل الذي تشتد الحاجة إليه. ويعد الخبير الاقتصادي د. هيثم محمد فتحي سداد المتأخرات مع المؤسسة الدولية للتنمية بالخطوة الرئيسة نحو تلبية المتطلبات اللازمة للحصول على إعفاء شامل من الديون الخارجية في إطار مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون، مشيراً إلى أنه في الماضي كان السودان متأخراً في السداد، وكان لدى البنك الدولي برنامج دعم محدود ممول من جهات مانحة أخرى، الا أنه قال إن تلك الخطوات التي تم اتخاذها حتى الآن بما في ذلك تسوية المتأخرات وتوحيد سعر الصرف وضعت السودان على الطريق المؤدي إلى تخفيف كبير للديون، والإنعاش الاقتصادي والتنمية الشاملة، مبيناً أن سداد هذه المتأخرات من خلال قرض تجسيري قيمته (1.15) مليار دولار أمريكي من حكومة الولايات المتحدة، لافتاً إلى أن المؤسسة الدولية للتنمية تدعم أجندة الإصلاح في السودان، وأضاف قائلاً: (في تقديري يتمتع السودان اليوم بفرصة كبيرة جداً في طريق الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي).
وقال هيثم ان سداد المتأخرات المستحقة للمؤسسة الدولية للتنمية سيمكن السودان من إعادة المشاركة الكاملة مع مجموعة البنك الدولي، مؤكداً أن هذا يمهد الطريق للحصول على ملياري دولار من منح المؤسسة الدولية للتنمية للحد من الفقر وتحقيق الانتعاش الاقتصادي المستدام على فترة سنتين .ونبه هيثم إلى أن السودان يواجه مشكلات ومصاعب اقتصادية معقدة، منها ارتفاع معدلات التضخم وتراجع النمو الاقتصادي وانخفاض قيمة الجنيه السوداني.
خطوة موفقة
ورفعت الولايات المتحدة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب في العام الماضي بعد (27) عاماً من وضعه على القائمة، وقد يسمح هذا التغيير بدوره لحكومة السودان بالحصول على (1.5) مليار دولار من المساعدات الإنمائية السنوية من خلال مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون، ويصف رئيس الوكالة الوطنية للصادر أحمد حمور هذه الخطوة بأنها موفقة وتفتح للبلاد آفاقاً أكبر للتعامل مع العالم الخارجي بعد عزلة دامت عشرات السنين، مؤكداً أن هذا القرار يمكن البلاد من الاستفادة من القروض والمنح بغض النظر عن الأسباب سواء كانت اقتصادية أو سياسية، لجهة ان السودان في الماضي واجه صعوبات من المقاطعة وحرم من الاستفادة من كثير من الامتيازات، والآن يجني ثمار التغيير، وبالضرورة سيكون نحو الأفضل، وبالتالي لا بد من استثمار الفرصة وتوظيفها وفق التخطيط السليم والاستراتيجي نحو البنى التحتية والقطاع الإنتاجي.
قدر التحدي
ولدى السودان متأخرات لصندوق النقد الدولي تبلغ (1.3) مليار دولار، كما يبلغ الدين الخارجي ما يقرب من (60) مليار دولار، وهي مبالغ تحاول الحكومة تسويتها. ويرى رئيس اتحاد أصحاب العمل هاشم مطر أن الفرص بدأت تترى بشكل إيجابي على البلاد بعد أن تم تجسير ديون البنك الدولي على السودان.
وشدد لدى مخاطبته اللقاء الإعلامي بمنصة العمل الخاصة بمبادرات رجال الأعمال السودانيين لدعم الاقتصاد وأثر سداد مديونية السودان لدى البنك الدولي واستحقاق المنح المليارية، أمس بدار الاتحاد، شدد على أهمية أن يكون الشعب السوداني على قدر الحدث وعلى قدر التحدي. ونوه بأن هذا العام سيحدد أي الطرق سيسلكه السودان في السنوات القادمة .وحذر مطر من مغبة الدوران حول المربع الفارغ عبر الخلافات وكثرة الكلام على حد تعبيره.
وأكد على امتلاك البلاد فرصاً حقيقية والاستفادة من زخم ثورة ديسمبر المجيدة التي صوبت أنظار العالم إلى السودان، مبيناً أن هذا سيساعد السودان على أن يكون في طليعة الدول .
وكشف عن وجود مشروعات جاهزة من القطاع الخاص للاستفادة من تمويل البنك الدولي المقدر بـ (2) مليار في مشروعات الطاقة والبنى التحتية والزراعة، ونوه بوجود تنسيق مع الحكومة في المشروعات التي ستقدم لمؤسسات التمويل الدولية، قاطعاً بأن القطاع الخاص أكثر قدرة على الاختيار لمعرفته بالتحديات عن قرب .وأشار إلى أن هنالك تشريعات ستدعم دور القطاع الخاص في مقدمتها قانون الاستثمار وقانون الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص .وأكد على دور منصة العمل في دعم الحكومة الانتقالية والعبور إلى انتخابات شفافة، مبيناً أن الفترة الانتقالية تحتاج إلى تضافر كل الجهود من كافة قطاعات المجتمع. وأوضح أن منصة العمل جامعة لكل المبادرات للإسهام في خلق بيئة حاذبة للاستثمار والترويج لسودان ما بعد الثورة.
وأشار عميد كلية (ابن سيناء) بجامعة الخرطوم بروف محمد حسن أزرق، إلى أن الاقتصاد السوداني لديه عوامل داخلية وخارجية، والآن يسير نحو الأفضل من خلال العوامل الخارجية، وبدأ في الاندماج مع العالم الخارجي، مشيراً إلى أن أمريكا قامت بدفع قرض مرحلي لصندوق النقد الدولي لكي يُرفع اسم السودان من قائمة الدول غير الملتزمة بالسداد، وبهذا المبلغ وضع السودان في صندوق النقد يمكنه من التعامل مع المؤسسات المالية سواء كانت إقليمية أو دولية، أما العوامل الداخلية ففق
أكد ان الاقتصاد يحتاج لاستقرار سياسى أو سياسات محفزة للإنتاج والاستثمار، وأهم من ذلك أن تركز القيادة العليا على إدارة الدولة، لجهة أن الفترة السابقة واجهت صراعات كثيرة ساهمت في إضاعة الوقت، وينبغي على الدولة معاجلة الأزمات الداخلية بحيث تكون محفزة للإنتاج .
الانتباهة