بالدارجى العميق
اموت انا فى الجزيرة
يوسف البروف
********************************
غادرنا الخرطوم الى القضارف تحت رجاءات وخوف ورعب الاطفال من الدانات والراجمات والطائرات، اكتر من عشرة ايام الواحد محاصر باسئلة من الاطفال وعاجز عن الرد، يا ابوى نحن حنموت؟، يا ابوى انت البرهان وحميدتى بتشاكلوا مالهم؟، يا ابوى ما حنشترى هدوم العيد؟ يا ابوى تانى ما حتكون فى مدارس؟ يا ابوى انت الطيارات البتضرب دى سواقينها عندهم اطفال؟ يا ابوى انت حميدتى والبرهان ديل عندهم اهل واطفال واخلاق؟، اطفالى تركوا سرايرهم وجوا ناموا معاى فى سريرى ظنا منهم ان ابوهم قادر يحميهم، فعلا ابوكم طيلة العشرة ايام دى حاميكم بحسبنا الله ونعم الوكيل ولا اله الا انت سبحانك انى كنت من الظالمين، عقدنا اجتماع مصغر وامنا على الأشياء التى تحمل لانو نحن فى حالة حرب، امنا على انو كل إنسان يعتمد على نفسو وعادى جدا الناس ممكن تمشى برجلينها اذا تعزرت وسائل النقل مسافات طويلة، الشنطة بقدر الإمكان تكون خفيفة وزمزمية الموية والباتا والبلح، توكلنا على الحى الدائم وحتى موقف السلمة راجلين، من نعم ربنا على العباد انو كل أنواع العربات متوفرة وبأسعار متفاوتة، بطاحات ودفارت وقندورانات ونيسانات وفيتات ويصات وحافلات، غايتو اى زول عندو كانون شالو بغبارو ووقفوا فى الموقف، للامانة اصحاب العربات يشكروا على هذه الخطوة لانو الناس فى تلك اللحظة همها تخلى الخرطوم وراها ولو على ظهر اب قنفود، غادرنا ويا لهول المناظر فى الطريق، من الباقير وحتى الكاملين بين كل مية متر ومية متر يا دبابة محروقة ويا مصفحة محروقة ويا تاتشر محروق، المحزن كل الآليات تابعة للجيش السودانى، هنالك منظر أفظع من منظر حريق وتدمير الآليات الا وهو دمار الاخلاق، نساء ورجال واصحاب حمير واصحاب كوارو تقاسموا أصول الشركات والمصانع نهب وسرقة وسطو فى منظر اقل ما يوصف هو ان الانسان السودانى أصبح بلا ضمير وبلا اخلاق وبلا تربية وبلا شهامة وبلا وازع دينى، رجال يحملون على رؤوسهم كراسى جلوس ومراتب وشاشات وجبص وكمبيوترات وواحدين جارين ليهم ماكينات لحام فى نص الزلط بلا خجلة وفى وضح النهار، لكن للامانة فى وسط هذا القرف والاحباط والخجل والانكسار كان انسان الجزيرة الاصلى باخلاقو وكرمو وبساطتو وجمالو وعفتو ضوء وسط هذه الظلمة، اهل الجزيرة تقاسموا الشارع من جياد وحتى مدنى حفاظات كبيرة مليانة موية باردة خدمة للهاربين من جحيم الحرب فى الخرطوم، أطفال ونساء ورجال شغالين كالنحل ترحاب وكلمات مواساة وتقديم خدمات عظيمة تعكس جمال الجزيرة الخضراء، سبحان الله حتى بائعى الحلويات والبسكويتات كان لهم جميل الهدايا والعطايا، شاب بسيط يحمل طبق وفى داخله بسكويتات يلقط رزقه بالحلال من خلال شباك الحافلة فاذا بخلودى يحمل بسكويت فى يدو، ناديت الشاب عشان اديهو حق البسكويت، قال لى ده هدية منى لهذا الشبل، بصراحة ترحاب وبشاشة وكرم اهل الجزيرة خفف عنا الكثير من معاناة ايام الدانات والراجمات، التحية لأهل الجزيرة والبركة فيكم فى وفاة بنتكم الجميلة سارة محمد الأمين بنت بركات الدفعة بنت اداب التى راحت ضحية هذه الحرب اللعينة، للتذكير بس من كلية الاداب جامعة الخرطوم فى هذه الحرب العبثية فقدنا تلاتة نجوم، ابكورة وسارة وابن اداب الذى دفن فى داخل الجامعة، التحية لابناء الجزيرة دفعتى فى جميلة ومستحيلة والتحية لابناء الجزيرة اصحابى فى كل مكان والتحية لحبايبى وهم كثر، اى زول من ابناء الجزيرة يقرا الكلام ده يوصلوا لاهلى فى الجزيرة ويقول ليهم البروف بحبكم وبحب اخلاقكم وبحب تربيتكم وبحب تنشئتكم وبحب طينتكم وبموت فى الخضرة والبساطة والكرم والجمال. لو كان لحميدتى والبرهان ربع اخلاق اهل الجزيرة لحافظوا على السودان واطفالو وترابو واخلاقو.
لو مت بدانة او طيارة ادفنونى فى الجزيرة، ده اذا قدرتوا تلموا ليكم فى شعرة من صوف جلدى.
ابن كردفان
يوسف البروف
ده عشان تعرفوا انو كاتب المقال ده ما من الجزيرة.