Site icon شوتايم نيوز

اللواء حسن محمد الحسن طه يكتب….رحلة الصعود الى الآخرة

IMG 20230116 WA0013

 

 

مقدمة:اعرف الأخ اللواء (م) حسن محمد الحسن طه منذ أكثر من ثلاثون عاما من على البعد وربما عشنا في مدينة واحدة بجنوبنا الحبيب دون أن نلتقي رغم وجود رابط قوي بيننا الا وهو دفعته م غ وهو صديق مشترك فكنت اعرف كليهما كل على حدة،التقينا بعدها قبل اعوام قليلة فكانت الذكريات وكأننا نعرف بعض حقا كل تلك الأعوام،شدني إلى الرجل هذا البر الغامر بوالديه وحبه الجارف لهما حتى أنه ترك كل ما يملك من عقار ليجاورهما ،توفي والده قبل أيام فزرته ووجدت الطود الشامخ والفارس الصنديد قريبا من الانهيار لولا بقية ايمان لذا لم استغرب هذه العاطفة الجياشة في رثاء الراحل المقيم :

 

يقول الأخ حسن عن والده:

رحلة
الصعود
الي الآخرة

كان الموعد..
فكان الاقلاع..
وكنا المودعين ..
سأكتب..وستقرؤن..
سأكتب..وستكتبون
……………
رحلة عمر
…………
زبيدة بت علي ود عمر .. في مطلع الثلاثينيات من القرن الماضي ..في بلد بي تحت..وسط النخيلات..اذ جاءها المخاض..فكان محمد ود الحسن ود طه
..لله درك يا أبي..كنت تجري وتلعب..وانت فرحان ..تسقي التميرات ..وتغرس الشتيلات ..وتدور مع الساقية حيث مادارت البقيرات. ووسط التميرات الطوال ..كانت  الارض رغم محدودية المساحة المزروعة .. موهوبة لي ( سيدي)..
مين سيدي دا ؟؟؟
ايوة..ايوة.. ياهو!!
تمام..انا اعرفه.. وانت أيضا.. وكلنا نعرفه..
(والبزرع مترة سيدي مابدي التدان)
يا الله.. ماأعظم هذه المنحة في أذهان مروجيها حتي صار الأهالي يتسابقون في زراعتها..ويمرون عليها يوم حصادها الوفير بكرة وأصيلا .. مرددين (دى بركة سيدي) .. (دي بركة سيدي)
فيتصدي لهم ذلك الطود الشامخ برغم صغر سنه.. وبالصوت العالي ..( دا.. ري ..ري ..دا شغل ضراع..شغل رجال..والله( سيدي ) لو جا بي نفسه هنا مايطلع الإنتاجييي دي )،
فيتواري القوم مرددين (انت ياشافع شيوعي..) فيرد عليهم وهو لا يعرف معناها..(أييي  شيوعي.. وكمان ..شيوعيين .. مشيرا بأصبعيه) فمن هنا غرست  بذرة  التوحيد في ضمير ذاك الشافع منذ ذلك الوقت.
وتدور عجلة الايام وينتقل الشافع مع والده الحسن ود طه الي الحصاحيصا في هجرة نحو الصعيد للعمل مابين السوق والبحر في سقيا الماء هبوطا لملئ السقو وصعودا لتفريغه عند دكاكين ومطاعم السوق .. ويدفع الوالد ابنه للدراسة في احدي الخلاوي  ويلبسه قلادة فضية مطرزة بالحرير .. وفي اثناء ذهابه  ومجيئه  وقبل ان يفك الحرف اذ حدث واختطف احد صعاليك الطريق تلك القلادة .. ورجع الابن حزينا بدونها  الي أبيه..الذي قرر في لحظة  غضب  (هي القراييي فايدانا في شنو ..؟ )  ليترك الابن الدراسة قبل ان يفك فيها حرفا .. وكانت لحظة فارقة في حياته يذكرها كثيرا بحسرة وألم.. وحاول تعويضها جاهدا في ابناءه واخوته الصغار فيما بعد ليستمر يعمل مع والده ردحا من الزمن في سقيا الماء .. قبل ان  يعودا مرة اخري الي أرض النخيل .. أرض الساقية ومترة سيدي ..وحش التمر ، الذي يعتبر مهرجانا موسميا يتوافد اليه ابناء البلد من كل حدب وصوب .. من بينهم المعلمين والموظفين والعساكر .. وكان للعساكر الوافدين في اجازاتهم من مصر بلباسهم العسكري نكهة خاصة..حيث يلتف حولهم اندادهم وغيرهم من الفتيان ويتجاذبون اطراف الحديث والحكي عن بطولاتهم ومغامراتهم .. وعند انتهاء اجازاتهم .. يعودون ومعهم مجموعة جديدة من الطيور المهاجرة لتلتحق بالجيش المصري..وكان اغلبهم في سلاح  الحدود والهجانة..وكان بينهم هذه المرة ذاك الفتي الجسور الذي التحق بسلاح الحدود جنديا مخلصا منضبطا مكملا اثني عشرة عاما مابين العريش وعين شمس والجبل الاصفر..والسويس..وغزة وحيفا ويافا..بفلسطين مشاركا في حرب ٥٦ ومؤديا لواجبه علي اكمل وجه بعيدا عن مغامرات بعض عساكر الهجانة  في عمليات التهريب..رغم محاولاتهم باغواءه واغراءه متصديا لهم دائما بقوله ( يا اخوانا ابعدو مني..انا لاشفت الجمل ولا الجمال…ومعللا لهم انا عندي اخوي بيقرأ..)..ياالله…ما أعظمك أبي .
ليتوج فترة خدمته بالجيش المصري (قدوة حسنة) وهي درجة للاخلاق العسكرية فوق الممتازة تمنح للعسكرين عند إنهاء خدمتهم ليعود ادراجه واسرته الصغيرة  الي وطنه الحبيب مستقرا في العاصمة الخرطوم وتحديدا بالشجرة (الحماداب جنوب) عاملا في مجال النقل ( التاكسي ) قبل ان يلتحق سواق بوزارة الصحة ومعمل إستاك  ليجمع بين وسيلتين كان الناس في اشد الحوجة اليهما الا وهما النقل والصحة ، ليكون منزله ملاذا آمنا للاهل والأصحاب مستقلا عربته التاكسي بلا كلل أو ملل مابين البيت ومحطةالسكة حديد والمستشفى إما مستقبلا أحدهم آتي الي العلاج او مودعا آخر (قفاه اعوج صادا الي البلد) واستمر علي هذا المنوال لعقدين من الزمان او يزيد كان يترنم خلالها دائما  بمديح اولاد حاج الماحي (اسد الله البضرع ينهر في المجمع) او(واشوقي عليك احمد عظيم الشأن)..الخ.  الي ان جاء اليوم الذي ترك فيه وزارة الصحة ليعمل حرا في بيته في بيع  اللحمة والخضار ويتحول متخصصا في عمل الزبادي  وبيع اللبن ومشتقاته وكانت له في ذلك مواقف .. ومشاهد كثيرة .. يشهد له الجميع في الجد والاجتهاد والإخلاص في تحضيرها وبيعها  وتعاونه في ذلك شريكة حياته الزهرة بت سعد ود علي ود عمر .. التي كان لديها سعنين مافتأت تخش فيهما اللبن وتستخرج الذبدة وتصنع السمن .. فكانت فترة خصبة في حياتهما.. لم تري الملاريا الي دارنا سبيلا .. وكان يردد وينصح دائما وابدا (من كان في نعمة فيرعاها..إن المعاصي تزيل النعم )..رحمة الله تغشاك يا أبي .
ومابين مترة سيدي وسقيا الماء والجندية في مصر وبيع الذبادي ..وتربية الأبناء ورغم شظف العيش كانت تدور في ذهن الحاج أهداف بعيدة المدي.. عصية.. سهلة.. ممتنعة.. إلا لمن إصطفاه ربه وسخرها له وتمثلت تلك الاهداف في قول الرسول صلي الله عليه وسلم (اذا مات ابن آدم انقطع عمله الا من ثلاث..صدقة جارية ..أو علم ينتفع به ..أو ولد صالح يدعو له ) فكان يعمل لهذا اليوم بنية خالصة مصطحبا مبدءأ كان يردده دائما ( ما لله متصل..ولغير الله منفصل) ..فكان القرار .. حيث إستقطع جزءا من داره الوحيدة ..وسكنه وسكينته ومكان عمله وأكل عيشه ..وأفضل مايملك.. ورغم حاجته له يهبه مسجدا وقفا لله تعالي بنية خالصة لتقام عليه شعائر الدين..وفي زمن وجيز .. يقف البنيان شامخا يصدح بالآذان خمسة مرات في اليوم والليلة .. ليكون شاهدا له لا ينقطع إلي يوم القيامة.. نسأل الله ان يبني له قصرا في الجنة. آميين يارب العالمين..
وهكذا دارت عجلة الحياة صعودا الي الآخرة كان يردد فيها دائما وابدا (الله الله ربنا..الله الله حسبنا) ، (من كان في نعمة فيرعاها إن المعاصي تزيل النعم) ، (يذهب الحرام من حيث ما أتي )، (الحمد لله أدينا صلاة الفجر ربنا يحيينا لأداء صلاة الظهر.. وهكذا بين الظهر والعصر..والمغرب والعشاء ) .
…. وغيرها كثير …. وكثير .
لله درك ياابي … فقد كنت أسدا تمشي علي رجلين .. ودودا مع الكبير .. عطوفا مع الصغير .. حنونا مع الكل .. بشوشا .. باسما مع كل الأجيال والأهل.. والجيران . لك الرحمة والمغفرة والعتق من النار .. يا أبي.
إنه شريط حياة مر بخاطري ..ويمر غيره بخاطر كثير منكم ..ممن عاشره..وعايشه..فكانت مجرد مقتطفات من حياته المليئة بالمواقف العظيمة .. وكما ذكرت بدءا سأكتب … وستكتبون .
لواء ركن (م)
حسن محمد الحسن طه

 

Exit mobile version