لعبت الولايات المتحدة دوراً كبيراً في حمل قوى الحرية والتغيير على الجلوس مع المكون العسكري ومناقشة تصوره لإنهاء الانقلاب والانخراط في العملية السياسية، بعد أن قاطع الائتلاف الجلسة الأولى للمباحثات السودانية المباشرة التي تسهلها الآلية الثلاثية المشتركة، المكونة من بعثة (اليونتامس) والاتحاد الافريقي والايقاد، وقال طه عثمان ممثل الحرية والتغيير والمنسق بينها وبين الوساطة الأمريكية السعودية، قال طه عثمان في تنوير صحفي الجمعة، إنهم تلقوا مقترحاً من الجانب الأمريكي للقاء المكون العسكري، خاصة بعد رفضهم الانخراط في الحوار السوداني وتمسكهم بإنهاء الانقلاب مع المكون العسكري وليس مع القوى السياسية التي يرون أنها حليفة له.
وبادرت مساعد وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الافريقية مولي في، بدعوة الحرية والتغيير إلى لقاء مع المكون العسكري، حرصاً منها على التسوية السياسية لتحقيق استقرار في السودان وقيادة الأطراف المدنية للفترة الانتقالية كشرط لتدفق المساعدات الأمريكية.
وراء الكواليس
وأكد مدير مكتب السودان وجنوب السودان في وزارة الخارجية الأميركية براين هانت في حوار مع قناة (الحرة)، أن واشنطون ترغب في أن يشمل مسار التحول الديمقراطي في البلاد الجميع. وقال إن ذلك يسمح لقوى الحرية والتغيير والقوى الديمقراطية المتحالفة معها بالمشاركة في الحوار. وكشف أن مساعد وزير الخارجية مولي في والسفير السعودي في الخرطوم عملا بشكل دؤوب للتوصل إلى هدف ضم قوى الديمقراطية إلى الآلية الثلاثية. وأشار إلى أن هناك عملاً وراء الكواليس لجعل كل الظروف مواتية لمشاركتها.
وتطرق هانت إلى لجان المقاومة في السودان، وقال إنها لعبت دوراً أساسياً في الانتقال الديمقراطي. وجدد دعم واشنطون لها. وأثنى على عملها معرباً عن أمله في أن يساهم ممثلوها في النقاش الذي تسيّره الآلية الثلاثية من أجل التوصل إلى تحول مدني في السودان.
وفي ما يخص القوى التي كانت حليفة لنظام البشير، أكد هانت أن وجهة نظر واشنطون هي أن الشعب السوداني كان واضحاً ولا يرغب في أن تلعب دوراً في المسار التحولي. وقال: (نحترم رأي الشعب السوداني في هذا الأمر، خصوصاً لجهة الجرائم التي ارتكبها النظام السابق).
تحذير
وشدد هانت على أن واشنطون تعمل على التأكد من أن الشعب السوداني يحصل على المساعدة التي يحتاجها للتعامل مع الأزمة التي تسببت فيها روسيا عبر اجتياحها غير المبرر لأوكرانيا. وأعرب عن أسفه لزيارة نائب رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق محمد حمدان دقلو إلى روسيا في بداية الغزو الروسي لأوكرانيا. وقال هانت إن قرار حميدتي كان ضعيفاً جداً وسيئاً، ولا يعكس رغبة الشعب السوداني في تحقيق الديمقراطية.
وحث هانت قادة السودان على العمل لتحقيق طموحات الشعب السوداني، لأن دولاً مثل روسيا تنخرط في نشاطات تؤدي إلى إفقار دول إفريقية وإثراء نفسها وهذا لا يتماشى مع طموحات الشعب السوداني ومع شعوب القارة الإفريقية. وحذر هانت السودانيين من المساعدات التي تقدمها روسيا عبر منظمات أو هيئات مثل (فاغنر). وكشف عن أن واشنطون تعمل عن كثب مع السعودية والإمارات وتشاطرهما الرغبة في تحول ديمقراطي في السودان.
الرؤية الأمريكية
ويرى الدكتور محمد تورشين خبير العلاقات الدولية أن الدور الأمريكي في السودان ملحوظ جداً ولا يمكن إخفاؤه، ولا يمكن لأحد أن يشكك في قدرات الولايات المتحدة الأمريكية، وأضاف تورشين في تصريح لـ (الانتباهة) أن الولايات المتحدة قادرة على الضغط على أطراف العملية السياسية في السودان، سواء القوات المسلحة أو الأطراف السياسية المدنية المختلفة في المجلس المركزي أو التوافق الوطني أو حتى الأطراف التي لم توقع على اتفاق السلام، باعتبار أن الولايات المتحدة الأمريكية تريد التسوية السياسية، وأن تكون من خلال هذه التسوية عملية سلمية كاملة، على أن يقود الحكومة المدنيون. وتابع تورشين قائلاً: (أي خط سياسي غير ذلك يتعارض مع موقف الولايات المتحدة الأمريكية، على الأقل في ظل حكومات الديمقراطيين الذين يدعمون الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات، والأهم من ذلك ان الولايات المتحدة في هذا الوقت تحديداً تهتم بالسودان باعتبار أن افريقيا عادت لمرحلتين مهمتين في التاريخ، مرحلة الحرب الباردة والمرحلة التي سبقت الاستعمار والتنافس بين القوى الامبريالية الأوروبية وانعقاد مؤتمر برلين الذي أسهم بشكل مباشر في تقسيم البلدان الإفريقية لمستعمرات، وفي تقديري ان الولايات المتحدة تدرك أنها إذا تجاهلت الشأن السوداني في ظل تعقيدات دولية أخرى مثل الحرب الروسية الأوكرانية، سيتيح ذلك فرصة لروسيا بأن تحتوي وتحتضن النظام السياسي (الانقلابي) في السودان، وهذا سيكون مهدداً للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط وفي إفريقيا في منطقة البحيرات العظمى، وكذلك مهدد لأمن تدفقات الطاقة في البحر الأحمر، ولذلك الأهمية الجيواستراتيجية للسودان جعلت أميركا تتدخل وتضغط بسرعة للوصول إلى تسوية حتى تتحقق الرؤية الأمريكية لسودان مستقر نسبياً وبه تداول سلمي للسلطة وحريات، ويدين بالولاء المطلق للولايات المتحدة الأمريكية وبعلاقات استراتيجية تضمن مصالحها).
هل الدور الأمريكي ثانوي؟
وقلل الرئيس السابق لمبادرة أساتذة جامعة الخرطوم بروفيسور منتصر الطيب من الدور الأمريكي، وأضاف في تصريح لـ (الانتباهة) أن الولايات المتحدة الأمريكية يمكن أن يكون لها دور دافع وضاغط باتجاه تسريع العملية السياسية، لكنه لا يستطيع أن يفرض إرادة سياسية إذا لم تكن موجودة لدى الأطراف السودانية، وأضاف أن المكونات السودانية يجب أن تكون لديها الارادة السياسية الداخلية.
وكانت وزارة الخارجية الأمريكية قد حثت إسرائيل على عدم المضي في التطبيع مع السودان حتى عودة حكومة بقيادة مدنية، وكشفت صحيفة (جوش إنسايدر) أنه في أعقاب الانقلاب العسكري في أكتوبر 2021م توقف التطبيع مع إسرائيل، وقالت الصحيفة إنه في الوقت الذي ظلت فيه علاقات السودان مع إسرائيل متوترة في أعقاب الانقلاب العسكري، تحث وزارة الخارجية الأمريكية إسرائيل على عدم المضي في التطبيع حتى عودة حكومة بقيادة مدنية في السودان. ونقلت الصحيفة عن متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية قوله: (إننا نشجع دولة إسرائيل بقوة على الانضمام إلينا وإلى المجتمع الدولي الأوسع في الضغط علناً على القادة العسكريين السودانيين للتنازل عن السلطة لحكومة انتقالية ذات مصداقية بقيادة مدنية).
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية عن المساعدة المالية المتعلقة بالديون التي وعدت بها الولايات المتحدة: (لن تستأنف المساعدة التي تم إيقافها مؤقتاً حالياً للحكومة السودانية حتى يتم تشكيل حكومة مدنية ذات مصداقية، بما في ذلك المساعدة التي تم الالتزام بها أصلاً في المرحلة الانتقالية بقيادة مدنية في السودان).