يبدو إن البحث عن الذهب في السودان سيظل الثمن المدفوع مهره دوماً دماء وموتى و صراعات أهلية واشتباكات أحياناً بين الفصائل المسلحة ، الفقراء يسعون لهزيمة الفقر بضربة واحدة باستخدام ورقة الجوكر والأثرياء يهدفون لمضاعفة ثرواتهم المكتنزة .
ويبقى الوطن الذي يحتضن كل تلك الخيرات هو الخاسر في معظم الأحيان حيث تتوه تلك الكنوز بعيداً عن حضنه تتسلل لواذا تحت ستر العيون أو تحت عباءة النفوذ والفساد،
في عهد حكومة المؤتمر الوطني برئاسة عمر البشير حلق الذهب بعيداً قاطعاً البحار( لبلاد تموت فيها الحيتان من الصقيع) فبينما تزداد بلادنا فقراً تنوم بلدان المصب هانئة آمنة بثرواتنا من جور الزمان وتقلبات العالم المالية ، لكن هل انتهت الحكاية بسقوط النظام أم أن المسلسل رفض النهاية مستهدفاً مواسم حابلة بأجزاء تترى بالملدراما التي تبكي الحاضرين لكنها تسعد شخوصها الغانمين داخل النص .
صراع في البحر الأحمر
كشفت مصادر مطلعة لـموقع ”الراكوبة” على الشبكة العنبوتية عن تفاصيل جديدة تتعلق بالأحداث التي وقعت أمس الأول في منطقة “فتح الناقة”، بمحلية هيا ولاية البحر الأحمر، وأدت إلى إصابة خمسة من السكان المحليين.
بحسب مصادر “الراكوبة” فإن شركة تتبع لعبد الرحيم دقلو قائد ثاني مليشيا الدعم السريع تسمى “النجمة”، شرعت في التنقيب عن الذهب في تلك المنطقة المتنازع عليها بين مكونات قبلية، وهو ما دفع المواطنين للتصدي للشركة التي تتمتع بحماية قوات الدعم السريع.
واعترض المواطنون عمل الشركة في تلك المنطقة ما دفع جنود الدعم السريع الى إطلاق النار، وإصابة خمسة أشخاص بعد رفضهم مغادرة المنطقة إلا بتعليمات أخرى من عبد الرحيم دقلو شخصياً.
في متن ذلك، أفاد مصدر “الراكوبة” أن قوات تابعة لشيبة ضرار القيادي بمؤتمر البجا اشتبكت مع قوات الدعم السريع ما أدى إلى تدخل قوى أخرى من الجيش والدعم السريع، جاءت بثماني عربات، وتوقفت الاشتباكات بعد تدخل اللجنة الأمنية لمحلية هيا.
لكن بعيداً عن هذه الوقائع المستندة إلى مصدر واحد دعونا نسوح قليلاً حول قصة أخرى.
فحول كل حكاية تقاطعات وتلاق ويبقى البحث عن المعادلة رهين بوضع المتشابهات والحواشي ومابين النصوص للوصول لحقيقة مقاربة منطقية .
قصة جبل حافل بالصراع
ومن منطقة البحر الأحمر إلى شمال دارفور حيث يظل جبل عامر الغني بموارد الذهب من أكثر المناطق التعدينية التي التف حولها المعدنون الأهليون والمليشيات المسلحة سيما في عهد حكومة البشير حيث شهد بجانب النهب الشرس لموارده صراعاً دام حول خيراته سالت فيه الدماء وسقط فيه العديد من الضحايا
بحسب إحدى الدوريات الإعلامية أنه تم اكتشاف الذهب في تلال جبل عامر من قبل معدنين متجولين في أبريل 2012، ليتحول إلى أغلى مورد طبيعي في البلاد، إلا أن رموز النظام السابق استغلوه لتحقيق ثروات ضخمة.
وأطلق على اسم أحد مناجم “جبل عامر” اسم “سويسرا”، وذلك لاحتوائه على مخزون ضخم من الذهب لدرجة أنه جلب ملايين الدولارات لمالكيه.
وبعد انتشار الخبر، هرع المعدنون من مختلف أنحاء السودان ومن أفريقيا الوسطى وتشاد والنيجر ومالي ونيجيريا، وقيل حتى أفراد من قوات حفظ السلام انضموا للمغامرين الباحثين عن الثراء بجيل عامر بكل تضاريسه البيئية الصعبة والأمنية المتردية حتى أصبحت المنطقة من أكثر المناطق خطورة وسط انتشار الجماعات والعصابات المسلحة في تلك الفترة .
وتقول المصادر (إنه تفاديا للنهب، كان المعدنون وتجار الذهب ينجزون تعاملاتهم عن طريق الشيكات، التي يتم إيداعها في أحد البنوك في مدينة كبكابية القريبة .(
رغم صعوبة الحياة في تلك المنطقة الجبلية غير أن وجود أعداداً كبيرة من المعدنيين الأهليين أغرى العديد من صغار المستثمرين بإنشاء متاجر ومطاعم وأندية مشاهدة ، وحدث تغيير اجتماعي ملحوظ حيث انتعشت الحالة الاقتصادية للعديد من المغامرين في التنقيب.
سيناريو الموت والدماء
ولأن النار تبدأ من مستصغر الشرر انطلقت شرارة القتال الأهلي في منطقة السريف بني حسين إبان عهد حكومة البشير و بحسب المصادر أن الصراع اندلع بعد مشاجرة عادية بين شخصين سرعان ما تطورت لتشمل المئات ونقل راديو دبنقا وقتها جزءاً من السيناريو الدامي حين قال (أكد شاهد عيان ان الحكومة لم تأت إلى المنجم إلا في اليوم الثالث ,وقال ان المجموعة المتبقية من ذوي الحالات الخاصة لا يستطيعون السير لمسافات طويلة ( وهم الآن تقطعت بهم السبل ولا توجد اي عربة تأتي أو تخرج من جبل عامر ) . وكشف العامل عن وجود جثث لا تزال ملقية على الأرض في المنجم بعضها في الخيم والبعض الآخر في العراء وعلى الشوارع . وناشد الحكومة وبعثة اليوناميد بشكل خاص بالتحرك لإنقاذهم ودفن الجثث التي لاتزال (مشتتة في العراء بجبل عامر وكشف لراديو دبنقا آنذاك عن وجود (260) شخصاً معه لا يزالون متواجدين داخل المنجم في جبل عامر ، وأشار الى أن المتواجدين بالمنطقة يمثلون المرضى والمعوقين والجرحى الذين لم يستطيعوا الفرار بجلدوهم من المنطقة ).
صراع الكبار
ويقول أحد المواقع الصحفية في الشبكة العنكبوتية إن والي ولاية شمال دارفور في العهد البائد يوسف كبر عندما زار المنطقة قبل اندلاع القتال الأهلي أهدى له رئيس لجنة الآبار في هذا اللقاء عدد (5 آبار في الخط البارد وعدد 3 آبار في الخط الساخن ) وقد بلغ مجموع آبار يوسف الوالي كبر 8 ثماني آبار من غير رسوم بحسب ما أشار الموقع وهو ما نفاه يوسف كبر ، وفي حوار صحفي سابق اتهم موسى هلال زعيم المحاميد الشهير الوالي يوسف كبر بأنه يقف وراء الأحداث الدامية التي وقعت آنذاك بمنطقة جبل عامر والسريف بني حسين، التي نتجت عنها المواجهات بين قبيلتي الرزيقات الأبالة، وطالب هلال بتكوين لجنة محايدة بعيدة عن المؤتمر الوطني للتحقيق في تلك الأحداث، ثم اتهم «كبر» لاحقاً بأنه يمتلك منجماً للذهب، وقال إنه يملك كافة إثباتات تلك التهم، بيد أن يوسف كبر اكتفى وقتها بالقول «إنه سيرد على كل الاتهامات في الوقت والزمان المحددين. وأشار إلى أن أحداث جبل عامر جرى استغلالها من جهات في محاولة لإزاحته من منصبه عبر تحريك الأحداث بعد أن استقرت الأوضاع.
غير أن موسى هلال الذي يمتلك مليشيات عسكرية من قبيلته وضع يده لاحقاً على كنوز جبل عامر قبل أن تداهمه قوات الدعم السريع بشكل مباغت وأعتقلته وذهبت به إلى الخرطوم مقيداً بالسلاسل قابعاً في المعتقل ليخرج منه قبل فترة قليلة .
ثم أصبحت شركة الجنيد التابعة للدعم السريع هي التي تدير مناجم الذهب في جبل عامر لكنها قامت بتسليمه في يناير من العام الماضي .
الانتباهة
دول مصب
وفي سياق آخر أشارت صحيفة بريطانية قبل عدة أيام إلى ان الذهب السوداني شجع الرئيس الروسي بوتين لاحتلال أوكرانيا باعتباره شكل له مخزوناً كبيراً يقيه من حدة العقوبات الأمريكية والغربية على بلاده، بينما اتهمت الولايات المتحدة مؤخراً شركة روسية بأنها تمارس أعمالاً غير مشروعة في مجال التعدين ، لكن مهما تاهت الحقائق وتلونت لكن من الثابت على الأقل أن ذهب السودان يتم تهريبه بحسب ما تم ضبطه عبر مطار الخرطوم أو الموانئ الأخرى عدة مرات مما يشير أيضاً إلى ان ما تم تحريزه يمثل رأس جبل الجليد المختبئ في عتمة مظلمة