قالت وزارة الخارجية الأحد الماضي إن نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي” سيقوم بزيارة رسمية لزيارة روسيا ، وأكد المتحدث باسم الخارجية خالد محمد فرح إن نائب رئيس مجلس السيادة تلقى دعوة رسمية لزيارة جمهورية روسيا الاتحادية وسيلبيها قريباً.
وأوضح أن الزيارة المرتقبة تجيء في إطار سعي البلدين لتقوية العلاقات الثنائية في جميع المجالات عبر التواصل وتبادل الزيارات بين المسؤولين على أعلى المستويات تأكيدا للإرادة المشتركة في دفع العلاقات.
وأوضح المتحدث بحسب “سودان تربيون ” أن السودان وروسيا تجمع بينهما علاقات متميزة، وأشار لمساعدتها للخرطوم في المحافل الدولية، وتابع “روسيا تراعي أهمية السودان ودوره الاستراتيجي في محيطه الإقليمي.
وزاد (تمتين الخرطوم لعلاقاتها مع موسكو لا ينبغي النظر إليها باعتبارها خصما على علاقاته مع أي طرف آخر، وأن السودان حريص على الانفتاح والتواصل المتوازن مع الجميع بعيداً عن سياسة المحاور والاستقطاب)…
×ما بين الخرطوم وموسكو:
في نهاية العام 2020 صادق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على اتفاق ينص على إقامة مركز إعداد تقني للبحرية الروسية على ميناء بور تسودان (شرق السودان) يستوعب نحو 300 جندي، ونص الاتفاق على ألا تحتضن القاعدة الروسية في ساحل البحر بشكل متزامن أكثر من 4 سفن عسكرية بينها حاملة أجهزة طاقة نووية مع الالتزام بمبادئ الأمن النووي والبيئة.
وتردد عقب هذه الخطوة أن ضغوطاً غربية مورست بشكل غير علني على الخرطوم بشأن الاتفاق السوداني الروسي الذي سبقت الإشارة إليه، بينما فسرت بعض الجهات الاتفاق في سياق تمدد النفوذ الروسي في ساحل البحر الأحمر بمساعدة السودان مما قد ينطوي عليه تهديد لمصالح بعض الدول خاصة التي تعتمد بشكل كبير استخدم البحر الأحمر في حركة نقل البضائع ونحوه…
في تلك الأثناء أيضاً ، أكد رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان في تصريحات لاحقة أن بلاده لديها ملاحظات على الاتفاق الروسي بشأن إنشاء قاعدة بحرية في ميناء بور تسودان على البحر الأحمر، وطالب بمعالجة الملاحظات التي أبدتها الحكومة قبل البدء في تنفيذ الاتفاق، الأمر الذي قرأه بعض المراقبين في سياق تطمينات بعث بها البرهان لتلك الدول التي توجست من الاتفاق.
×أجندة الزيارة:
من المقرر أن يلتقي نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو في موسكو الرئيس الروسي فلادمير بوتين ووزير خارجيته ، وهذا ما كشفت عنه قناة “الشرق” الإخبارية السبت الماضي حيث نقلت عن مصادر وصفتها بـ (المطلعة) أن (حميدتي) سيزور العاصمة الروسية موسكو نهاية الأسبوع الجاري وسيلتقي بالرئيس الروسي فلادمير بوتين ووزير الخارجية سيرغي لافروف… ومن المتوقع أيضاً أن يكون اتفاق (إقامة مركز إعداد تقني للبحرية الروسية على ميناء بور تسودان) حاضراً أثناء المباحثات السودانية الروسية…
ويتوقع أكثر من مراقب سياسي أن يتناول اللقاء التحفظات السودانية على الاتفاق الروسي بشأن إنشاء القاعدة الروسية البحرية في ميناء بور تسودان ، والتي أشار إليها رئيس مجلس السيادة في وقت سابق وسماها (ملاحظات مهمة)، وطالب في الوقت نفسه بمعالجتها قبل بدء تنفيذ الاتفاق.
×توقيت الزيارة:
الناظر إلى توقيت زيارة نائب رئيس المجلس السيادي (حميدتي) قائد قوات الدعم السريع إلى العاصمة الروسية ، يلاحظ بوضوح تام أن الزيارة تأتي في توقيت حرج وحساس للغاية، حيث توشك الحرب الروسية الأوكرانية أن تنفجر، وهي الحرب التي قد تضع دول الاتحاد الأوربي وأمريكا في مواجهة روسيا وحلفائها، وهو توقيت يشهد عاصفة من الاستقطاب الحاد بين الدول لتشكيل تحالفات استعداداً للحرب القادمة، وهي حرب إذا ما اندلعت ستكون بمثابة حرب كونية جديدة لن تبقي ولن تذر..وبطبيعة الحال فإن التكتلات السياسية والعسكرية بين الأحلاف المتضادة ستكون الأكثر حركةً ونشاطاً في هذا التوقيت، وزيارة دقلو في هذا التوقيت لابد أن تُقرأ وتُفسر في سياق التحالفات وحدة الاستقطاب والتكتلات بين الدول في إطار المشكلة الروسية الأوكرانية، وما يمكن أن تقدمه الخرطوم ، ولو التغاضي عن التحفظات السابقة بشأن الاتفاق السوداني الروسي.
الضغوط الغربية:
من ناحية التوقيت أيضاً تجيءُ زيارة دقلو إلى موسكو والتقاء الرئيس بوتين في وقت أعلنت فيه واشنطن قطع كل التمويل عن السلطات السودانية الحالية حسبما أعلنت مديرة الوكالة الأمريكية الدولية للتنمية سامانثا باور في تغريدة على “تويتر”، هذا فضلاً عن الضغوط المعلنة من جانب أمريكا والاتحاد الأوربي على السلطة القائمة الآن في السودان…
وبناءً على النقطة أعلاه، يمكن أيضاً قراءة زيارة (حميدتي) إلى موسكو في سياق الضغوط الغربية على السلطات السودانية الحالية التي تسلمت السلطة بعد انقلاب 25 أكتوبر الماضي..
ما أشبه الليلة بالبارحة:
زيارة نائب رئيس مجلس السيادة (حميدتي) إلى روسيا في هذا التوقيت الحرج وفي مناخ الضغوط الغربية على الخرطوم وأجواء الاستقطاب بين الدول والاستعدادات للحرب الروسية الأوكرانية التي تقف على الأبواب، هذه الزيارة وفي ظل كل تلك الأجواء تشبه إلى حد كبير أول وآخر زيارة للرئيس المخلوع عمر البشير إلى موسكو والتي كانت (أيضاً) بدعوة من الرئيس الروسي فلادمير بوتين في 22 نوفمبر 2017 ، ومن محاسن الصدف أن تصريحات وزير الخارجية آنذاك حول الزيارة في مفرداتها وكلماتها وأجنداتها المعلنة تشبه إلى حد كبير تصريحات الناطق الرسمي بوزارة الخارجية الحالي حول زيارة حميدتي إلى روسيا..
أجندة الزيارتين وتوقيتهما:
جاءت زيارة البشير في نهاية العام 2017 في ظل ظروف خانقة وضغوط غربية وأمريكية على الخرطوم للدرجة التي حملت البشير إلى طلب الحماية من روسيا وعلى الهواء مباشرة، وكشف في الوقت نفسه عن تهديدات أمريكية وأن بلاده تطلب الحماية رسمياً من روسيا…
أما زيارة دقلو المرتقبة إلى موسكو وإن جاءت في ظل ضغوط غربية وأمريكية على السلطات السودانية الحالية وقطع التمويل الأمريكي عن السودان ووقف المساعدات والتهديد بتجميد أرصدة ومحاسبة بعض الجنرالات ، إلا أن الضغوط الغربية على السودان حالياً لم تصل إلى الدرجة التي طلب فيها حماية روسيا…
ردة فعل متوقعة:
الانتباهة
مهما يكن من أمر، فإن أغلب المراقبين والمتابعين للشأن السوداني في ظل السباق الدولي الحالي نحو الحرب الأوكرانية المرتقبة وتشكيل المحاور في إطار الاستقطاب الدولي الراهن، فإن توقعاتهم تلتقي عند منطقة وسطى تتشابك فيها التخمينات والتكهنات بردة فعل غربية أمريكية متوقعة تجاه هذه الزيارة التي جاءت في توقيت حرج وحساس للغاية ، ومهما تكن النوايا الحسنة لدى الخرطوم، فإن الغرب وأمريكا سينظران إلى هذه الزيارة كمهدد لمصالحهما في هذا التوقيت بالذات ، فهل تحمل روسيا عن السودان كل الأعباء المتوقعة من الزيارة، أم ستتخلى عنه كما فعلت من قبل مع البشير وتركت الخرطوم لقمة سائغة للغرب وأمريكا..