*إثيوبيا سيدة قرارها وسد النهضة رمز الحرية والاستقلال*
___________
*بقلم🪶محمدعكاشة*
_________
مشروع سد النهضة الأثيوبي الكبير ملف حظي ولايزال يحظي بإهتمام إقليمي ودولي متعاظم وهو يتصدر قائمة الأخبار وتحليلات المراقبين ضمن أبرز الموضوعات مطلع الألفية الثالثة بالرغم من أنه ضمن المشروعات الوطنية الإنمائيةلدولة إثيوبيا أعدته قبل عقود وتمت دراسته والتخطيط لإنفاذه وفقاً لدراسات متأنية بواسطة خبراء عليمون وإستناداً علي إستشارات متخصصة في مجالات البيئة والتغير المناخي والقانون الدولي.
الموقف المصري بشأن سد النهضة الاثيوبي يصعد بالأمر إلي منصات المنظمات الدولية ويضعه في منضدة الإعلام المحلي والدولي ولعل مايسم موقف مصر بالقلق الدائم والخوف المستبد هو وقع تأثيراته ينتقص حصتها من مياه النيل وحالة مصر هذه ليست مستبدعة طارئة ندت عقب اعتزام إثيوبيا بناء مشروع وطني مستحق فمصر ومنذ اتفاقية تقاسم مياه النيل المبرم في نوفمبر 1959م بين السودان ومصر بخصوص انتفاعهما التام بمياه النيل والحصص المقررة لهما ومن وقتها أخذت القاهرة في إعلاء سقف الخطاب السياسي والأمني بشأن الحق المرعي بالميثاق الدولي الذي تم توقيعه بأديس أبابا في العام 1929م بين إثيوبيا وبريطانيا التي كانت تمثل مصر والسودان حيث كانا ضمن مستعمراتها والغرض الرئيس من إتفاقية 1929م هو ضمان تدفق حصة مصر من مياه النيل البالغ قدرها 48 مليار متر مكعب سنويا وضمان سريان حصة السودان بمقدار 8 مليارات مكعب مدار العام عوضاً عن ضمان حصص دول حوض النيل الأخري ومعظمها يملك كفايته من المياه ولا تعتمد علي نهر النيل فهي تمتد علي مساحات تذخر بالبحيرات ذات المياه العذبة وتحظي بمناخ تهطل الأمطار علي وفقه معظم فصول السنة وهذه الدول باستثناء دولتي المصب (مصر والسودان) كانت ترنو منذ وقت طويل للاستفادة من استحقاقاتها من النهرالعظيم وهي تقع علي ضفافه بأن تستفيد من الإمكانيات الأخري التي يوفرها حوض النيل بالنظر الي ماتعانيه من ملوثات بيئية ومايترتب علي ذلك من أضرار بالغة تتهددقاطني تلك الأقطار وتتهدد بالضرورة ثروته الحيوانية والسمكية وهذا المسعي قاد إلي مبادرة ( NBI) أو ماعرف بمبادرة حوض النيل التي وقعت في العام 1999م في تنزانيا من قبل الدول العشرة للعمل بمقتضاها وفق آلية مشتركة وهي تستهدف الإنماء الإقتصادي والإجتماعي لشعوب دول الحوض بالاستفادة من موارد نهر النيل ضمانة لمستقبل أجيالهم المستفيدين منه.
جمهورية مصر بالأصالة قامت في العام 1959م تستكمل بنود الاتفاقية الأساسية بإبرام إتفاق جديد تستشفع برصيفها السودان بحسبانهمادولتي المصب يعتمدان بشكل مباشر علي مياه نهر النيل وهو إتفاق يكاد يدخل في باب (الأمن المائي) تحسباً لأية خطوات محتملة لإنشاء سدود علي نهر النيل وروافده وتقرير حق مصر بالاعتراض علي نحو حصري بحيث أن مصر الدولة الوحيدة التي تعتمد علي حصتها من مياه النيل بنسبة 90 بالمائة وعلي الرغم من موافقة دولتي المصب علي إنشاء السد العالي وسد الروصيرص لصالح الإحتفاظ بحصص مياه الدولتين وزيادتها وهو حق لايتعارض مع الاتفاقات الدولية الأخري حيث حقق إنشاء السد العالي مكاسب جمة لدولة مصر وعلي الرغم من أن حصة المياه كانت مناصفة بينهما إلا إنشاء السد العالي قام علي أنقاض مدينة وادي حلفا بشمال السودان المستندة علي إرث حضاري وتضم آثار تاريخية باذخة لممالك النوبيين وتم بمقتضاه تهجير أهلها قسراً إلي مناطق أخري فضلاً عن تأثيرات ذلك السالبة علي استفادة مدن السودان الشمالية من فرص التنمية التي تعتمد علي النشاط الزراعي والحيواني وفلاحة البساتين.
جمهورية مصر العربية مطلع الألفية الثالثة تجابه تحدياً جديداً يزيد من حدة هواجسها بشأن مياه النيل بماأعلنته دولة المنبع إثيوبيا ومضت فيه أشواطاً بعيدة بإنشاء سدالنهضة الكهرومائي وهومشروع ضخم ذي تأثيرات إيجابية علي دول حوض النيل من منبعه إلي مصبه غيرأنه قد يمس حصة مصر المكتسبة من مياه النيل ولو بنسبة ضئيلة بحسب الخبراء علي الرغم من أن الدراسة التي تم إعدادها مسبقاً إبان عهد رئيس الوزراء الاثيوبي السابق ملس زيناوي الذي وضع حجر الأساس لسدالنهضة في أبريل 2011م وهو يؤكد بأن السد ينظم تدفق المياه لأغراض الري ولا ينتقص من حصص دول المصب إلا أن مصر لم تولي الأمر عناية توافق ظنه وتوقعاته لتمضي تنافح عن حقها ومكتسباتها تحاجج باتفاقية 1929م وحقها بالاعتراض إبتناء علي إقرار وإذعان معظم دول الحوص.
قلق مصر بشأن سد النهضة الأثيوبي الكبير يتعاظم منذستة عقود حين كان مقترحاً ضمن مسودات إثيوبيا للبناء والتنمية والاستفادة من الموارد المائية وهذا المشروع بتاريخه دفع مصر مذاك إلي إتخاذ خطوات إجرائية بشأن التزام دول الحوض بالاتفاقيات الدولية الملزمة فضلاً عما أعدته من دراسات استقصائية وبحوث جيولوجية تستقصي المخاطر التي قد تنجم حال المضي في تصميمه وبناءه بالنظر إلي موقع إثيوبيا الجغرافي والبيئي والتي تقع ضمن نطاق الأخدود الافريقي العظيم إلي جانب كينيا وتنزانيا وهي منطقة جيولوجياً وفنياً لا تحتمل إنشاء سدود ولو صغيرة ناهيك عن سد عملاق بحالة سد النهضة وذلك لجملة عوامل من أهمها كون إثيوبيا تقع في منطقة مرتفعات جبلية عالية تتضام تنخفض وتعلوبين رحي صخور بركانية شديدة الإنحدار وأودية ضيقة وعميقة لا تصمدبوجه عمليات التعرية المستمرة بسبب غزارة الأمطار التي تتكثف منتظمة علي مدار الفصول وأيام السنة بلاانقطاع ثم إن مصر تعتبر أن ثمت تأثيرات سالبة للسد قد لاتقف عند حد إنتقاص حصتها من مياه النيل وإنما تبلغ تأثيراته للمساس بقدرتها للوفاء بطاقة التوليد الكهربائي بنسبة كبيرة وهذه الخصيصة السلبية بحقها تغدو إيجابية لجهة فائدة السودان فالتوليد الكهربائي المترتب علي تشغيل سدالنهضة يدعم سريان الكهرباء إليه بصورة دائمة وبكلفة أقل فالخرطوم التي تقع بمساحة متساوية مع أديس أبابا العاصمة الإثيوبية من موقع السد في بني شنقول ستحظي بإمداد كهربائي منتظم مثل حاجة العاصمة الإثيوبية إلي تغذية مجال الكهرباء بصورة مستدامة.
السودان في المرحلة السياسية الجديدة التي خلفت نظام البشير ترهن الموقف والتقرير بشأن سد النهضة الاثيوبي إلي الخبراء ذوي الإختصاص في مجالات الري والموارد المائية ففي الماضي كانت مثل هذه الملفات الحيوية بيد السياسيين والأمنيين عرضة للمساومات والمزايدات والإنحيازات المجانية علي حساب المصلحة الوطنية العليا مما أدي إلي التفريط في حلايب وشلاتين.
موقف السودان الرسمي منذ عمليات ملء سدالنهضة في مراحله الأولي تقدم بخطوات موجبة في جلسات التفاوض وسيطا بين مصر وإثيوبيا لتقريب وجهات النظر يستحث لإستمرار التفاوض بغية التوصل إلي إتفاق ملزم بشأن ملء السد وتشغيله بمايحفظ حقوق الدول الثلاث علي الرغم مما يحققه سد النهضة من مكاسب علي أقل تقدير إحتفاظه وتخزينه بعض حصته التي كانت تتدفق دون أن يفيد منها إلي جانب فوائدأخري.
موقف السودان لايعدو فوق الحقائق حين يستدفع عن الشقيقة مصرواجب إنتفاعها بحصصها المقررة وعدم تأثرها في المستقبل لكنه في ذات الوقت لايجنح إلي محاصصة الجارة إثيوبيا في حقوقها المشروعة.
الموقف الأثيوبي الحاسم لايعبأ بالاعتراضات والإحتجاجات المصرية والتلويح المستمر باللجوء إلي خيارات أخري بخلاف جولات التفاوض وبخلاف مسألة الاحتكام إلي المنظمات ذات الصلة إقليمياً أوالشكاية إلي الجهات الأمنية والعدلية دولياً غيرأن دولة إثيوبيا من أعلي سلطة حتي أصغر عامل في سد النهضة ترد بأن:- (“إثيوبيا سيدة قرارها، وأنها لن ترضخ للضغوط ولن تقبل التوصيات، وإن سد النهضة رمز للحرية والاستقلال”) وذلك علي الرغم من اتهام إثيوبيا لمصر بسلوكها طريقاً وعراً بتحريض دول حوض النيل ومحاولة إستمالتهم للوقوف والاعتراض علي بناء السد ولما قامت به من دور تستتر فيه وتتخفي لإثارة القلاقل بالداخل الأثيوبي.
مواقف الشعوب من قضية سد النهضة الاثيوبي الكبير هي إنعكاس للمواقف الرسمية للدول الثلاث ففي مصر فإن مثل عبارة :- (المممييه..دي خط أحمرر..) تغدو تميمة يعلقها علي صدره رئيس الوزراء ورؤساء تحرير الصحف والباعة الجائلين بينما الصور الشعبية في السودان لاتحفل كثيراً بشأن الجدل حول السد ولا بالأحاديث الملهوجة الساذجة التي تفترض إحتمالات إنهياره وإغراقه الخرطوم يطمر ساكنيها في باطن الأرض.
Makasha141@gmail.com
*صحيفة المواكب*
الجمعة 26مارس2021م