مراجعة الشراكة : مُسكِّن الأوجاع لا يَشْفي من الألم
توقفت متأملا : قارئا فاحصا ومحللا، مستبصرا للمشهد الحياتي/الانطولوجي في بلادنا بعد العبور الإعلاني البارد والسريع ل “تراجيكوميديا” الانقلاب العسكري الموءود في الأسبوع الماضي . وتمهَّلت في الحَبْش والنّبَش حتى أخْلَصَ ” من بين فَرَثٍ ودَم” … إلى محاولة أو مجرد مقاربة لما يحدث فى خضم البحر الموار للأخبار والإشاعات وغيرها من المدلهمات….
لا ولم ولن يفوتني إثبات تقرير استراتيجي هام ومفيد في بابه: تم توقيع الشراكة بين المُكوِّن العسكري(العبارة للسفير/الوسيط الإفريقي بروفيسور ولد لبّاه) عام 2019 و قوى الحرية والتغيير كممثل للمكون المدني/السياسي في احتفالية ضخمة عمَّدَها السفير الاثيوبي يومذاك بدموعه التي انسكبت من عيون مياه سد النهضة الشامخ بحضوره رغماً عن القيل والقال….
تم تلقيح الشراكة بواسطة مفوضية الأمن والسلم التابعة للإتحاد الإفريقي فتولد عنها نص الوثيقة الدستورية “المفخخة!!!”.
صادر نفر أو شرخ أو جماعة من قوى الحرية والتغيير على روح ومقاصد نص الإتفاق والثورة … بشهادة السلوكيات السياسوية الطافحة بالمحاصصات التي أسفرت عنها العديد من الشواهد والوقائع و… لسان الحال هنا .. يُغني عن كل مقال…
أطلت الفتن اللواقح برأسها في العديد من محطات تنفيذ نصوص وتفاصيل الشراكة ( التفاصيل التي التي يسكنها الشيطان!!!) الساكنة في قلب الوثيقة الدستورية المُعدَّلة مرارا في عدد من المناسبات و المنعطفات العامرة بالمصالح والخلافات
… حتى “توارت بالحجاب “… الآية…
في هذا الخِضَم : تم تغييب المجلس التشريعي المنصوص عليه دستوريا كما تم تغييب المفوصيات السِّت ذات المسؤولية الإستراتيجية في تنزيل مباديء ونظم وأهداف ثورة شبابنا السلمية الاسطورية: مفوضية حقوق الإنسان/مفوضية العدالة الانتقالية/مفوضية الدستور الدائم إلخ … والأخطر من كل هذا وفيه: تغييب فكرة/مصطلح/مشروع المؤتمر الدستوري المنوط به الإجابة على سؤال المستقبل: كيف نحكم السودان؟؟؟؟
لا حاجة بنا إذن لتفصيل القول في ضرورة مراجعة الشراكة وإعادة قراءتها بعين العقل ومن منظور استراتيجي يقدم النحن/الوطن ويتقدم به ومعه؛ على الأنا الحزبي/السياسوي أوالمليشياوي/الجهوي/القَبَلي الكامن في الفتنة – بمكر بليغ – كمون النار في العود الأخضر !!!!
أسطِّر هذا المقال وفي المشهد العالمي تَحتدِم بمكر عولمي مدرستان/استراتيجيتان وتحدِّقان بالسودان :
1. المدرسة الفرانكوفونية التي تقدم لنا – وبمنتهى السخرية السوداء – نموذج الجارة مصر والشقيقة الجزائر؛ حيث يتحكم المكون العسكري في معايير ومسارات حُكْم مؤسسات الدولة؛ مع إفساح مساحات محسوبة لتلعب فيها الأحزاب ويشتغل فيها المجتمع المدني الراشد بهمة سافرة على ترشيد المجتمع بالتنوير المحمول على قوة الإعلام الفاعلة في القولبة و… ترتيب وتسكين كل في موقعه و… بحسب وزنه وحضوره….
# تستند في ما ذكر أعلاه على سلوكيات الحكومة الفرنسية التي ابتدعت مؤخراة – تعظيما للدور والمواقع – منصب “وزيرة الجيوش الفرنسية” !!! للتأكيد على الحضور القوي في المشهد العالمي وخاصة بعدما نجحت في مكافحة الإرهاب والتطرف – بحسبها – في صحاري غرب وقلب أفريقيا…
2. الأسلوب الامريكاني الذي يستغل فزَّاعة الشرائع الدولية والضغوط الأممية التقليدية لتمرير أجندته الظاهر منها والخفيَّة. ولا حاجة بنا هنا للتلميح إلى الحساسية/ التخوف الأمريكي الباطني من الحضور القوي للحزب الشيوعي السوداني في قلب الحكومة الانتقالية أو – أضعف الإيمان – في المشهد الراهن… وقد يفسر هذا التأرجح في تسييل الدعم الفني المالي والاقتصادي لبلادنا من الانهيار…
لا ولن يفوتنا تسجيل تراجع الوجود الروسي أفريقيا وانكفاء الحضور الصيني في امتصاص النفط والغاز من بعض حكومات الدول الإفريقية المنغمسة في الفساد …
تنثال هذه القراءة الرامزة … على إيقاع التصريحات الخرطومية والتصريحات المضادة بين المُكوِّنَيْن العسكري والمدني هذه الأيام … بينما تتلاقح وتتناثر الفتن كقطع الليل في شرق السودان مهددة بتمزيق ثوب التنوع الثقافي والتدامج التاريخي الفريد في البلاد..
نتطلع بعشم جميل مع نخبة الطليعة وقادة التنوير لبناء ونهضة المجتمع المدني السوداني(= القوة الثالثة ) القادرة على تعبيد طريق المستقبل باستثمار ديناميات الثورة السلمية وجمْرَاتِها الشبابية المُتَّقِدة : لبناء دولة القانون والمؤسسات وحقوق الإنسان.
نقول هذا لأن : الإطفائي – إذا اشتعلت النار لا سمح الله – لا يجيد تنسيق الحوار … الحوار المطلوب
بل الضروري للمراجعة … لا التراجع … مراجعة جميع المواقف والمسارات .
د.عبدالله صالح سفيان باحث